صوتها الفيروزي وعيناها المغمضتان ودموعها النافرة في كل حين وشعرها المتحفز في اتجاه الشمس وكلماتها الموسيقية المنسابة في كل حين... هي بعض ملامح »« هذه الفنانة التي غنّت بصدق في زمن عزّ فيه ذلك. اختارت كلماتها وحاولت التصالح مع صوتها وعاشت تهميشًا طال كل الاصوات المختلفة التي تفطّنت إلى مخططات التدجين والتمييع الثقافيّين. بنفس الصدق أجابتنا عن اسئلتنا وبأمل كبير نظرت في اتجاه الحرية الكاملة. ❊ كنت تقدمين فنّا منشقا ومختلفا في زمن الصوت الواحد كيف عشت هذا الماضي؟ رغم الإحساس بالاحباط المطبق كنتُ اعيش حالة أمل.. كنت أتألم إذ لا يصل صوتي إلى الجميع وهذا لاني أعتبر أن ما كنتُ أقدمه من فن هو حق يجب أن يتوزع بعدالة على الجميع... ولكن لم يكن ذلك ممكنا لانهم استولوا تقريبا على كل الفضاءات واستوعبوا أصواتا كثيرةً اضافة إلى القصف المنظم لاذن المستمعين بفن من طينة أخرى مختلفة عما كنت اقدمه مع مجموعة من الفنانين. لقد تمت هرسلة المستمع وتلطيخ مسامعه بموسيقى رديئة. لقد ظهرت أحيانا في التلفزة ثم انسحبت لاني احسست أن دعوتي تتم في إطار سدّ فراغ وليس إيمانا حقيقيا بطبيعة ما أقدمه اضافة الى حذف أغلب ما أقوله في الحصص المتلفزة. لذلك لم أشعر باحترامهم لما اقدمه فأنا لست دمية متحرّكة لاردّد ما يقولون، كانت لي وجهة نظر وكنت أرغب في التعبير عنها. وفي مستوى العروض، الفنانون الشبان الذين يقدمون فنا مختلفا لم يكونوا مرغوبًا فيهم في كل الاماكن فضلا على أن الفضاءات الخاصة كان تستوجب مالا كبيرا لم يكن متوفرًا فوزارة الثقافة لم تكن ابوابها مفتوحة باستمرار والمراكز الثقافية التي كانت تقدم الدعم كانت تستوجب علاقات متطورة لذلك كنت اقدّم عروضا قليلة في فضاءات بديلة على غرار اتحاد الشغل أو حزب التجديد مثلا. ❊ كيف تقرئين مساهمتك في ما قبل 14 جانفي؟ الاكيد اني لم أكن سلبية ولم انسق في منطق الفن للفن، كنتُ انتقائية ولم انسجم مع السائد من المشاريع، الفنية بحثت عما يشبهني ويشبه الناس في التجارب المسرحية والموسيقيّة. كما ساهمت بالصّمود أيضا وعدم السقوط. لقد كنت أعيش مفارقة صعبة بين الرغبة في الغناء وبين ضرورة التنازل، اعترف اني لم أقدم إلا القليل وما قدمته من قليل كان يسير في اتجاه البحث عن مسار فني معين، كان يجب الالتقاء مع اخرين على نفس الارضية (شاعر، موزع، ملحن) وفي الفترة الماضية كانت الساحة تعيش شحّا في هذا الاطار. ❊ هناك أشكال موسيقية أخرى ساهمت أكثر في صياغة الوعي المناهض كالراب والريڤي أكثر مما ساهمت الأغنية الملتزمة بشكلها التقليدي؟ أوافقك ان التجارب القديمة للاغنية البديلة لم تتطوّر، ولكني لا أدين هذا باعتبار صعوبة ما كنا نعيشه من ظروف ولكن يجب الاعتراف أيضا أن الغالبية قد انسجمت مع ما كان مُتاحا دون تجديد كبير، والراب الذي وجد منذ مدّة طويلة عرف في الفترة الاخيرة ظهور فنانين انتحاريين كان خطابهم شعبيّا ومباشرا، وتأثير المحامل التكنولوجية الحديثة على فنهم جعل انتشارهم واسعًا، لذلك أثروا في الناس بشكل كبير ومهمّ فضلا على انفتاحهم على أنواع اخرى من الموسيقى واختيارهم لاشكال سردية من الخطاب قريبة من المتلقي، هناك من مغنّيي الراب الكثير من المثقفين حملة الرؤى وهم من الجيل الجديد الذين يعبرون بشكل بسيط ومؤثر أعجب الناس وخاصة الشباب فوجد هذا الشباب صورته في أغانيهم إذ كان لديهم امتلاء بالموسيقى دون التقيد بنمط موسيقي مُعين وحتى الراب التجاري عاد إلى الالتزام بقضايا جماعية وقبل الثورة كانت الفردانية سائدة في الفن واليوم عدنا إلى التفكير بشكل جماعي مهم. ❊ كيف تفاعلت مع الأحداث اليوم وما منحتك هذه الثورة؟ منحتني ثورة الحرية والكرامة الامل والطاقة والاكسجين ومنحتني الافكار والتوق إلى أن تصبح تونس كما احلم بها ان تكون. وحتى أكون أنا كما أريد أن اكون مواطنة بشكل جلّي، مواطنة بصوت ولسان يسمعه النّاس، كنت احس اعاقة واليوم كملتني هذه الثورة اذ استعدْت الرغبة في العمل ضمن مشروع عُطّل طويلا خلال الفترة الماضية لقد خرجت من مرحلة البين بين وخرجت من الاكتئاب والاحباط. سنعمل من أجل أشياء فنية تكون مرئية يشاهدها ويسمعها أكبر قدر من الناس. أنا متفائلة بأنّ الطاقات غير المعروفة سابقا وهي تعد بالآلاف ستجد فرصة للظهور وتغذية الشعب من خلال فكر طلائعي يبني هذا البلد وليس فقط يتمعش منها. أنا فرحة بالنفس الجديد والروح الجديدة التي تعيش فيها البلاد وستنهض بها وهذا في كل مجالات الابداع الفنية والاقتصادية والسياسية. ❊ الفن حامل بالضرورة لقضية فماهي رؤيتك للقضية في تونس ما بعد 14 جانفي؟ الفن موقف والفنان يجب ألاّ يكون غير مبال بل يجب ان يؤسس لفكر ويفعل في ثقافة الشعوب والفنان يجب ان يتماهى مع حالة المثقف العضوي أوالفنان العضوي ان صحت العبارة، يجب على الفنان ان يكون مواطنا وفاعلا ومسؤولا فدوره ليس الترفيه فقط أو صنع الفرجة ويجب أن يكون حاملا لقضية وملتصقا بهموم الجماهير وصانعا للوعي، الفنان في مفهومه الفعليّ يجب ألاّ يكون سلبيا او محايدا. ولا يمكن ان يسكت الفنان او ينعزل عن قضايا وهموم ومتاعب الجماهير ولا يجب ان ينقطع عن الناس في برج عال. على الفنان ان ينطلق من مفهوم المواطنة التي ستصبح أكثر تجلّ لدى الافراد بعد هذه الثورة وعلى الفنان ان يدافع عن انتمائه الوطني ويكون حاملا لمشروع ثقافي. ❊ أغنيتك اليوم كيف ترسمينها وهل استعدت كل إمكانات الصوت؟ نعم استعدت صوتي وان كنت لم أفقده. فقط هي حالات احباط كانت تعتريني... الان انا مزدحمة بالافكار ولدي جدول أوقات مكتظ. لقد كنتُ سابقا أغني بنفس الطاقة لاثنين من المستمعين أو لمائة مستمع. وكان يحزّ في نفسي ان لا يسمعني الا القليلون الآن صرتُ آمل في أكبر عدد من المتلقّين أشعر اني أؤثّر فيهم. عندما يستوقفني سائق المجرورة البسيط ويعبر ان صوتي وأغاني اعجبته أسعد كثيرا لأنّّه قد اتيح لهذا الشخص أن يسمعني. أنا سعيدة لاني حظيت بفرصة ان اؤسس لمشاريع موسيقية من الصعب بعد اليوم ان تقبر في الطريق كما في السابق. بتُّ أكثر ايمانا ان »على هذه الارض ما يستحق الحياة«. كانت لي اغنية كتبتها بشعور صادق وبوعي اللحظة الفائتة. أذكر من كلماتها: نحب نغني وصوتي هارب منّي صوتي هو أنا وأنا ضايعة منّي منّي ومنك أنا... هذه الحالة عشتها واشترك فيها مع الكثيرين ولكن الان خفّتْ وطأة كل هذا. لدي الكثير من الامل ولكن بشكل موضوعي. لديّ خوف على هذه البلاد من أن تسرق احلامها من جديد لذلك لدينا الكثير ممّا يتعين فعله لحماية الاحلام وتثبيت مناخ الحريّة.