أشعر بالخوف فأهرع إلى حضن أمي يطمرني... أنهال على خدي ابنتي قبلا فتسّاقط العبرات. أدفن رأسي تحت الغطاء وأفرك أزرار المذياع فترتعش فرائصي و تأخذني البرداء فأفلت العنان لخوفي يتدفق على الهواء ... الخوف رابض على الدنيا .... أسمع دقات قلبي و أنا في بيتي تحت سقفه المغطّى , تهلّ دموعي وأمانعها تجري بالرغم مني و كأن الخطوب تلاحقني ومواكب الموت تداهمني . أضير ساكن الطائر أملأ فجاج الأفق برنات النياحة ... قد ارتفعت قامتي للسماء و امتد جسمي في الفضاء وأنا كالطائر الذبيح... دموعي لها انهمار ... عيناي غائرتان ينبعث منهما ضوء. وجهي غليظ جهم وخلفي خيالات الدموع و بأجفاني أشباح الخوف . عقلي يقظان وبصيرتي نافذة . أفكر وأقدر وحينما ينطفئ السراج ويشمل الغرفة ظلام الدجى تجري سوابق دمعي مهراقا. طولي رهيب فخم ضخم والكلمات في فمي بطيئة مسترخية بليدة تبتلعني لحظات الصمت. كل العبارات تصمت حينما يصبح الخوف جبالا في القلب... بيني وبين الخوف مواعيد لا أستطيع تفسيرها ولا تحديد الزمان الذي نشأت فيه ولكنني أحسها عميقة وثيقة بعيدة الغور. وليت ظهري للخوف مرارا وتكرارا لاهثا وراء الطمأنينة فحفّ بي الخوف، صورته منطبعة قد تشربتها نفسي حتى كأنها اللوحة اقتنيتها من معرض أو الصورة يضعها الطفل في جيبه. كلما تحولت كلما توغلت كلما همت وطفت فإن الخوف مكتظ هنا، منفرج هناك ولكنه أبدا متماسك متراص متساند... في خوفي ملامح أمثال، في خوفي أسفار وأسفار... أشكال خوفي، رسومه ورموزه تشل أحشاؤه لا تنفذ إلى الشمس. أنا في ضيافة غوائل الخوف وعشائره وجيوشه المجيشة: منه ما يقبل جماعات ومنه ما يداهمني في وحدتي وانفصالي... للخوف رائحة، للخوف عبير، للخوف أقدام تركض في الدار، تتسلق الجدران، تهبط إلى المخدع، للخوف عيون كثيرة اتسعت أحداقها، تسلب ما جادت به الأيام، تغصّني شهقة البكاء.