المشهد الإعلامي في الجزيرة و خاصّة في النّشرة المغاربيّة تابع بالصّوت و الصّورة و من خلال حوارات مع عديد المناضلين، التحرّكات السياسية و النقابية التي شهدتها تونس قبل 14 جانفي 2011 وأبرزها إضراب الجوع الذي شنّته حركة 17 أكتوبر بمناسبة انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات في نوفمبر 2005 بتونس. و الأحداث الكبرى التّي شهدتها معتمديّة الرديف و انتفاضة عمّال الحوض المنجمي التّي تحوّل إلى لهيب تحت الرماد من جرّاء القمع الوحشي الذي تعرضت له لتنفجر في سيدي بو زيد بدء من يوم 17 ديسمبر 2010. وقد كان لهذه القناة الفضل الكبير في إيفاد المتلقي التونسي الموجود قي شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها بكلّ الأخبار التي تهمّ شؤون بلاده على المستوى الاجتماعي والسياسي بعد أن عمدت السلط التونسية إلى تعتيم الإعلام وتزييفه في مشاركة مطلقة لبن علي. وقد كان لهذا المجهود الذي آل على نفسه تكريس حرية الإعلام إلا أن يُكال له الشّتم وتُلصق به التّهم ومن بين الذين كانت سهام العدى موجّهة إليهم في حملة إعلامية مسعورة خطط لها المسؤولون الكبار في الإعلام و أنجزتها الأقلام المأجورة في عديد الصّحف التونسيّة الصّفراء التّي تأبى اليوم إلا أن تتحول إلى حمراء قانية الزّميل الصّحافي بقناة الجزيرة الأخ محمّد كريشان الذي التقته جريدة الشعب بكلّ سرور بعد أن أبدى استعدادا للحوار معها رغم ضيق الوقت والتزاماته العائلية بصفاقس: ❊ أخ محمّد سمعنا أنك تقدمت بقضية ضد عبد العزيز الجريدي، لماذا أقدمت على ذلك في حين أن بعض السّياسيين اتخذوا طريق التسامح؟ السياسيون دائما لهم حساباتهم، أنا ليست لدي حسابات سياسية و لا ألومهم على قبول اعتذار الرجل غير أنّي صحافي وقد كنت الصّحافي الوحيد تقريبا - تعرض لهجمات متتالية و منتظمة وعنيفة وغير أخلاقية لا صحافيا ولا إنسانيا من حقي أن أرفع هذه القضية حتى تكون عبرة للجميع وحتى نرسي قواعد أخلاقية جديدة في العمل الصّحافي لنتعلم من كل ما فات وكي تشهد تونس في المستقبل صحافة أنظف بكثير وأرقى مهنيا وأخلاقيا مما عرفنا لهذا فحساباتي وحسابات السياسيين مختلفة. ❊ ما مدى صحة ما يقال بأن الجزيرة لها دور مشبوه مع دوائر أجنبية تخطط للتآمر على المنطقة العربية؟ واللّه هذا كلام كبير لا معنى له، قد نتفق مع الجزيرة في أشياء وقد لا نتفق، ولكن تصوير الأمور على هذا النحو والسعي إلى اكتشاف خبايا ودسائس ومؤامرات وغرف مظلمة ومتآمرين يخططون في كلّ شيء .. لا يريحني و لا مصداقية لهذا التحليل في كثير من المسائل فبالتالي للناس أن يقولوا ما يشاؤون. أنا لا أصادر حق أي إنسان في أن يقول أو يعتقد ما يريد لكن بالنسبة إليّ هذا كلام لا معنى له مع احترامي الشديد. ❊ هناك حديث بأن الإعلام التونسي مازال سجين مرحلة ما قبل 14 جانفي2011 . ما رأيك في هذا الموقف و كيف السبيل إلى التّحرّر من هذا الواقع؟ أعتقد أن الإعلام كأي مجال آخر في تونس الآن يعيش مرحلة تحولات و مخاضًا وعمليّة انتقال إلى مرحلة مازالت تبحث عن ملامحها، فمثلما لدينا ورشات سياسية واجتماعية ونقابية... هناك ورشة صحافيّة مفتوحة. لا بدّ أن نقر بأنّه طوال السنوات الماضية لم يكن لدينا شيء اسمه صحافة في تونس باختصار شديد و مستوى الصحافة الذي ساد في هذه السنوات مستوى رديء إلى أبعد حد من الناحية المهنية و الأخلاقية غير أني ألاحظ الآن بأن هناك أجواء جديدة في الصحافة التونسية وأنّ هناك فضاءات أرحب وأنّ هناك حرية كلمة سائدة. لا بد أن نؤسس لمرحلة مقبلة تكون فيها هذه الحرية مؤسسة على قانون صحافة ديمقراطي وليبرالي وأن نرسي أخلاقيات مهنة قوية ومتينة عبر نقابة صحافيين قوية تمسك بهذا الأمر بشكل كبير وأن يهبّ الصّحافيون بشكل خاص للدفاع عن مهنتهم لأن لا أحد يمكن أن ينصر هذه المهنة أو يذود عنها غير الصّحافيين. ❊ لكن أنا كصحافيّ مثلا يحز في نفسي أن ألاحظ وجوهًا كانت موجودة في العهد البائد ولا تزال تتربّع إلى اليوم في البلاتوات وأمام مصدح الإذاعة والتلفزة فكيف السبيل إلى إزاحتهم؟ أنا أيضا يسوؤني ذلك، ولكن أعتقد أن طبيعة أي مرحلة انتقالية لا يمكن أن نجد فيها فجأة أشياء تختفي و أشياء تظهر. السيئ سيطرده الجيد ولكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت إذا ما أرسينا حرية صحافة حقيقية وأرسينا حياة سياسية نشطة وحرّة. سنجد مع الأيام كلاّ يظهر بضاعته كما هي وسنكتشف بأن الجيد سيفرض نفسه وأن السيئ سيسقط على قارعة الطريق. لا يجب أن ننهي صحافة سابقة أو صحافيين سابقين بتعسف أو بقمع أو بإقصاء لأن هذا سيقدمهم في صورة الضحية وفي صورة من دفعوا ثمن سياساتهم أو كتاباتهم، لا نريد ذلك وأعتقد أنه لا يجب أن نعطي هؤلاء متعة الظهور بمظهر شهداء حرية التعبير فليبق الجميع وليتنافس الجميع ولكن الجمهور التونسي والشعب التونسي واعٍ ويعرف من ذاد عن حرية الصحافة وعن حرية الكلمة ومن أجّر قلمه للارتزاق من السلطة وأجهزتها الأمنية وهؤلاء سيلفظهم الناس ويلفظهم جمهور القراء ولن يجدوا أحدا يشتري بضاعتهم و هكذا سيزيحهم الناس و تزيحهم قواعد اللعبة الجديدة دون أن نعطيهم فرصة متعة الظهور بمظهر المقصى أو الضحية. ❊ بما أنك تحدثت عن الوعي السياسي أو وعي الجماهير كيف ترى المشهد السياسي في تونس بعد 14 جانفي 2011؟ أراه مشهدا واعدا و إن كان البعض ينظر إليه ببعض الحيرة أو القلق.أعتقد أنّنا عانينا لسنوات طويلة سواء في عهد الرئيس الراحل الحبيب بو رقيبة أو في عهد الرئيس السابق بن علي من الكبت ومصادرة الحريات والرأي ومصادرة حرية الصحافة. إذن نحن مازلنا في الأشهر الأولى بعد الثورة علينا أن نترك المجال للجميع حتى يظهر ما لديه وأرى أن لدينا الآن أشبه بسوبر ماركت فتح أبوابه فجأة وعلى كل ركن من أركانه يعرض كل طرف بضاعته وهناك جمهور سيدخل وسيتجول وسينظر في هذه البضائع وسيختار من هنا ومن هناك فمن استطاع أن يفرض بضاعته ويكون مقنعا هنيئا له ومن ظهر أنه غير مقنع فليتحمل ذلك ومن كان ليست لديه بضاعة أصلا فسيخرج من هذا السوق. فعلينا إذن أن نراقب هذا المشهد السياسي بكثير من الاهتمام وبكثير من الحذر ولكن بالنسبة إليّ الشرط الأساسي هو أن لا نصادر حق أي كان في أن يبدي رأيه شرط عدم اللجوء إلى العنف في التعبير عن وجهة النظر السياسية حتى تتضح لنا الصورة لأننا لا نعلم بالضبط طبيعة القوة السياسية في المجتمع بحكم القمع السابق. دعنا نرى من يمثل ماذا وماذا تعرض كل الأطراف وفي النهاية هناك استحقاقات انتخابية مقبلة وسيختار الناس الأجدر والأفضل. أتمنى أن نؤسس لدستور راقٍ ونرسي قانون أحزاب وقانون صحافة أيضا يتمتع برحابة أفق كبيرة وبقواعد لعبة عادلة وستفرز هذه القوانين قوة سياسية معينة هي أيضا ستخضع إلى امتحان إذا ما انتخبت و ستتم مراجعتها في المواعيد الانتخابية المقبلة علينا أن نكون »بالنا واسع« في تحمل المرحلة الانتقالية قد تدوم سنتين قد تدوم 3 سنوات نرجو ألا تطول لفترة طويلة جدا لكن لا بد من القدرة على التحمل في الأشهر المقبلة. ❊ أي أن كثرة الأحزاب لا تقلقك كما عبر عن ذلك البعض؟ أبدا في النهاية لن يصح إلا الصحيح، فليتفضل أي كان حتى ولو له ثلاثة أو أربعة من الأنصار، إذا استطاع أن يصمد و يجمع عوض الأربعة مائة ثم مائتين ثم ألف أهلا و سهلا من لم يستطع إلا أن يبقي على هؤلاء الأربعة أو قد يتحولون إلى ثلاثة أو اثنين ويندثر فهذه قواعد اللعبة. ❊ هل ترى بأن الجزيرة لعبت الدور الشريك في قيام الثورة في تونس ومصر وما سيلحق في المستقبل؟ أنا أؤمن إيمانا شديدا بأن وسائل الإعلام لا تخلق ثورات و لا تجهض ثورات ولكنّها تساعد في ذلك وذلك بإعطائها حقها من التغطية الإعلامية فإذا استطاعت ثورة معينة أن تجد صدى لها في التلفزيون وتلفزيون واسع الانتشار قد يخلق هذا حركية معينة تزيد من شد أزر هؤلاء المنتفضين أو الثّوار لكن لو لم تكن هناك جذور وبذور لثورة ولعملية تغيير اجتماعي وسياسي في أي مجتمع لو التقت عشرة من أمثال الجزيرة لن تحرك شيئا من هذا المجتمع لكن لو كان هذا المجتمع مهيئا و ناضجا لعملية انتقال ديمقراطي و هذه العملية وجدت من يغطيها التغطية الإعلامية فهذا عنصر مساعدة و ليس عنصر خلق أو عنصر فاعل. ❊ أخيرا أخ محمد لو كنت مقيما بتونس هل تنخرط في عمل سياسي و بالتحديد مع من؟ أنا كصحافي أعتبر أن نقطة قوتي و قوة أي صحافي مهني ولكن هذه وجهة نظر هو أن يكون لديه قدرة على استقلالية النظرة إلى الأمور، إذا اختار بعض الصّحافيين الانضمام إلى حزب أو آخر فهذا حقهم أنا لا أستطيع أن أصادر حق أي إنسان، صحافيّا كان أو غير صحافيّ في أن ينتمي إلى أي تيار سياسي ولكن أنا أتحدث عن نفسي قد أجد نفسي في هذا الحزب بنسبة 10٪ وهذا الحزب بنسة 20٪ وهذا الحزب بنسبة 5٪ و لكني لا أتصور على الإطلاق أن تكون لي بطاقة عضوية في أي حزب من الأحزاب الموجودة. اعتقد بأن تمسكي بقدرتي على النظر إلى الواقع السياسي باستقلالية الصّحافي المهني تعطي لي مجالا لانتقاد هذا أو الاتفاق مع هذا أو التحفظ على ذاك بينما الانتماء السياسي قد يلوّن قدرة الصّحافي على المتابعة المهنية الرصينة و هذا ما لا أريده أبدا و لست في مزاج التحزب. لم أكن كذلك في الجامعة و لا خلال 30 عاما من العمل الصّحافي ولا أنوي أن أعتزم ذلك في المستقبل بإذن الله. ❊ أخ محمّد شكرا على رحابة الصدر رغم ضيق الوقت و كلمة لجريدة الشعب المسرورة جدا باستقبالك والتّرحيب بك: لن أنسى أن جريدة الشعب قد تكون من بين الصحف القليلة جدا التي أجرت معي حوارات في السنوات الماضية لأن عديد الصحف التونسية كانت تتجنب الحوار معي لأن في ذلك شبهة التعاطف مع الجزيرة أو الترويج لها فكان كثيرون ينأون بأنفسهم عن ذلك. الشعب أجرت معي حوارا جيدا كما أحتفظ لها بذكرى طيبة فقد تشكّل وعيي (في معهد الصحافة نهاية َالسبعينات) مع جريدة الرأي آنذاك ومن خلالهما أحببت الصحافة.أحتفظ لجريدة الشعب بمكانة خاصة تعبر أيضا عن احترامي لاتحاد الشغل و للقيم التي يمثلها منذ القديم.