لا لم تمت. ستظلّ حيّا هاهنا، في الأرض، نجما ساكنا في أمنيات الطيّبين. ومن رمادك سوف يولد ألف ضوء. يا محمّد. لم تستعر فرسا لتعبر نحو عالمك الجديد. ولم تطر. لم تنزل النّيران من عليائها بردا لتحضن روح إبراهيم فيك. ولم يفكّر أيّ نجم فيك إلاّ أن يضيء ويستضيء بما تفيض به عروقك من رؤى. لكن تموت وأنت أبعد ما تكون عن الحياة أمام بوّابات من منعوك من بيع الخضار على الطّريق ومن رموا بالصّفع والرّكلات جوهرة بروحك فانكسرت ولم تردّ. قتلوك قبل الموت حرقا حين رصّفت الخضار وجلت في الحارات تبحث عن حقوقك في بلادك. أنت إنسان كغيرك. قلت لي أو قلت للإنسان فيك. ولم تنم. أيقظت أمّك في الصّباح. وعدتها بقصيدة تكفي لإخفاء الحقيقة كلّها. ومررت بالأخوات. وعدتهنّ بأن تعود وقد تغيّرت الحقيقة أو تغيّرت القصيدة. لك في بلادك أن تعيش كما تريد. لكنّهم لم يتركوك. غلّقوا الأبواب. سدّوا دون برقك غابة الرّؤيا. فمتّ كأنّ شيئا لم يكن. ما متّ لكن قلت لا للموت حيّا يا محمّد. ما قلت لا. وأطعتهم في كلّ شيء. نلت الشّهادة كي تكون بخير حال. لم تجد عملا. فقلت بكلّ جرح فيك صبرا آل ياسر. سوف أعمل بعد حين. واستطال الحين دهرا. ولا عمل ولا دخل ولا أثر لضوء قادم. وطرقت بابا في الظّلام. أردت شمعا كي ترى. لكنّهم كتموا بصدرك صوته، ذاك الإلهيّ المعنّى. أخمدوه. وأهرقوا دمك المقدّس في الثّرى. ومضيت أنت كأنّ شيئا لم يكن. ما متّ لكن قلت لا للموت حيّا. قلت لا للظّلم. لا للخوف. لا للاحتقار وقد تفاوتت القوى. النّار خير من برود اللاّمبالاة الرّديء ومن »وجوه اللّوح« ومن صدأ الإدارات ومن »ارجع غدا«. النّار خير من وقوفك كلّ يوم باحثا عن لقمة تقتاتها أو عن دنانير لكي تحيا كغيرك تحت ضوء الشّمس حرّا. لا توفّر في المعيشة كلّ شهر كي تسدّد راكعا فاتورتين ثقيلتين لماء غيرك أو لضوء لم تكن أنت الذّي قد بذّره. نستجمع الرمّان في غابات من ملكوا البلاد لوحدهم. نستجمع الرّمّان حين يكون رمّان. وحين يكون قمح في السّهول نلمّ قمح ترابنا من أجلهم. ونلمّ في الزّيتون حين يكون زيتون رؤى جفّت ولم يكتب لها التّحقيق في بلد تملّكه وحوش السّوق. ما أنت يوسف كي تعود. فلا زليخة في الجوار ولا قصور. ولست حيّا كي تحنّ إلى الحياة وكي ترى. النّار كانت أبرد الميتات مذ ولدتك أمّك. ها هنا حرق بقلب بارد، حرق ولا صور تذاع على الهواء. ولا يديْن تحرّران حرير قلبك من جمود الشكّ والصّدأ المذاب بكلّ ناحيّة. هنا وهناك حرق دائم لكن، بصمت دائم. ما مرّ عام لم يكن بالنّاس ضيم. كلّ عام حزننا يزداد، يكبر في البيادر في زياتين السّهول وفي الجبال. يصير ريحا. يستحيل إلى عواصف تزرع الرّؤيا بيوم قادم نحيا به أحياء حقّا لا مجازا. وطني معي. لا شكّ سوف أنال حقّي فيه. أومن بالعدالة. فالهواء هو الهواء. وليس صعبا أن تبشّرني بلادي بالحياة. أنا الذّي قد عشت في كون من الغفلات وحدي وسط دمدمة الرّياح وظلم ليلات العذاب. أنا الذي أهوى الرّدى بسعادتي وقضى على بشريّتي. أصغي لنجواك الجميلة يا بلادي مكرها في ما تبقّى من رمادي. قطّعت أسبابي مع الدّنيا ولكن أنت لا. أنت الجميلة يا بلادي. أنت في قلب الزّمان وفي دمي. أنت التّي يهتزّ تحت ترابها جسدي. وترفل في المدى عنقائي. لم أستطع صبرا فمتّ. فلا تصمّي الأذن عن غيري من الأحياء.