لن أبحث في مدوّنة «الملاعين الطيّبين» الأثر الشعريّ للكاتب المنتصر الحملي ولن ألج نصوصه »قطار الأحلام« وهي مربكة أجناسيّا ودلاليّا يأتلف في خضمّها الشّعر والنّثر مع هيمنة التأمّل والفكر. هي ضرب من الخطابات الانشائيّة المتمرّدة التي لا تلتزم بأصول معهودة أو غير معهود. ويكفيها تكييف النصّ والنصوص لحيازة لبّ المتلقّي وشواغفه. مجالِي في هذه الومضة يتناول وجها آخر للكاتب »المفرد في صيغة الجمع« المنتصر الحملي: المترجم والتّرجمة. التّرجمة ابداع على الابداع قديم في الثقافة العربيّة أغناها وألهمها أمّا في عصر النّهضة فقد جسّمت الوعي بالفجوة بيننا وبين الآخر الغربيّ حركة التّرجمة على هشاشة أدائها ترجمت تعزيزًا لمحوريّة ذواتنا بما أنّ ترجماتنا القليلة تشبه مرآة نرسيس لا ترى الاّ صورتها وانتقاؤنا النصوص التي نطمئنّ إليها خير شاهد على هذا: نحن ترجمنا المفكر الفرنسيّ روجي غارودي بعد اسلامه. أمّا المترجم أو التُّرْجُمان فهو يترجم الجدّة والآخريّة أي لا يترجم لغات بل أشياء وأشواقًا. هو إذا مبدع شريك في النص الجديد المترجم لابدّ أن تتوفّر فيه الدّسامة المعرفيّة والبهاء اللغوي والعمق الفلسفيّ. ورغم القصور والتّقصير في حركة التّرجمة يبقى النصّ المترجّم في الأرض التي وصل إليها ويسكن في اللّسان الذي أدركه. هو انتقال في الجغرافيا وفي اللّغة. المنتصر الحملي يتعاطى فنّ الترجمة منذ مدّة ويبادر إلى نقل نصوص العقل الغربيّ المعاصر والحديث. »« للمفكّر الفرنسيّ أدغار موران هو عمل محوريّ لفيلسوف متعدّد الشّعب العلميّة (تاريخ واقتصاد وعلم اجتماع وحقوق وفلسفة) مارس أنشطة صحافيّة وتعليميّة وبحثيّة ومواقفه السّياسيّة النّقدية ومنها نقده للصّهيونية ومناصرته لحركات التّحرر في العالم جعلته رمزا من رموز الحريّة في عصرنا. يحتوي هذا الكتاب تقديمًا للدكتور الرّوائي كمال الزغباني »أدغار موران وسؤال الهمجيّة« وينبني على ثلاثة فصول هي: الهمجيّة الانسانيّة والهمجيّة الأوروبيّة، التّرياق الثقافي الأوروبي، التّفكير في همجيّة القرن العشرين. ورافق المتنَ الفلسفيَّ ل »موران« حَيِّزٌ وثائقيّ يعرّف بمسيرته الفكريّة: السّيرة الذّاتية لإدغار موران، مؤلفاته، أشرطة وثائقيّة وفيديو عنه. يناقش »موران« الهمجيّة قائلا: »ينبغي التّفكير في الهمجيّة من أجل السّعي إلى مجاوزتها ولِمَ لا التّخلص منها«. ويرى أنّها ليست عنصرا مرافقا للحضارة فحسب، بل هي جزء منها لا يتجزأ. فالحضارة تنتج الهمجيّة وخصوصا الغزو والهيمنة، وتأريخ أوروبا القديم والمعاصر رغم تمدّنه ونهضته الفكريّة شاهد على عدوانيّته وهمجيّته التي مارسها بسياسات الاستعمار والاستغلال وبسط النّفوذ اعتمادًا على منجزات العلم وثورة المعرفة. بدءًا بالبرتغال وانتهاء بألمانيا وأمريكا والكيان الصهيوني مارس الغرب باسم لواء الحضارة أبشع الجرائم ضدّ الانسانيّة. إدغار موران يثير مسألة النّازيّة ومحنة اليهود ولا يتجرّأ على الصهيونيّة ومحنة العرب الرّهيبة. هي »نقيصة شائعة لدى أكبر المثقفين الغربيين التقدّميين« كما يقول مقدّم التّرجمة الدكتور كمال الزغباني »« (Culture et barbarie europژennژs) كتاب الفيلسوف الفرنسيّ إدغار موران عرّبه تُرْجُمان حقيقيّ يعتقد أنّ التّرجمة من مقوّمات الابداع وأنّ انتاج المعرفة لا يكون الاّ بالمواكبة والتّكافُؤِ، فالمترجم »الجائع« أو اللاّهث لا يضيف معرفة حقيقيّة.