مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    المسرحيون يودعون انور الشعافي    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعترف أنّي أخطأت
قصة عمر يرويها خير الدين الصالحي:
نشر في الشعب يوم 09 - 07 - 2011

❊ ما دام الأمر على هذا النحو، والاتحاد ينشئ التعاضديات والمؤسسات، فلماذا اختلفتم مع أحمد بن صالح؟
رغم وجود عاشور في الإتحاد والتليلي، فإنّ أغلبية قيادة الاتحاد تألفت من أنصار أحمد بن صالح، وبعضهم عمل معه منذ 1954 لما عيّن لأول مرة على رأس الاتحاد. لذلك كانوا يعملون حسبما يرضيه هو ويمليه أكثر من أي اتجاه آخر والدليل أنّهم سارعوا بمعاقبة أحمد التليلي وأبعدوه عن الكتابة العامة للاتحاد في مؤتمر 1963 وكان في نيتهم إبعاده نهائيا من الاتحاد لكن بورقيبة والحزب عامة تمسكوا ببقائه عضوا في قيادة الاتحاد مع احتفاظه بأمانة مال الحزب وذلك لأنّه وقف بكل قوة ضد نظام التعاضد واعتبره نسخة من النظام الشيوعي، أمّا الكتابة العامة فقد آلت عقب ذلك المؤتمر الى الحبيب عاشور إلاّ أنّّه كان أقليّا، ولم يكن يقف في صفه إلاّ عبد العزيز بوراوي ورابح محفوظ وعمر الجمالي. أمّا بقية الاعضاء، وهم من الفاعلين، فكانوا قلبا وقالبا مع بن صالح.
❊ سي خير الدين، أنا كغيري من الملاحظين لا أفهم سرّ اختلافكم مع بن صالح، رغم ان البرنامج الذي شرع في تطبيقه هو برنامج نقابي، صادق عليه مؤتمر الحزب في سنة 1955 وتبنّاه مؤتمر الاتحاد في سنة 1956.
تقرير 56 وقعت عليه المصادقة بصورة شكلية لا غير، أمّا في مؤتمر الحزب لسنة 1955 فإنّ ما قدّم هو لائحة اقتصادية صادق عليها المؤتمر دون تركيز لان إهتمامه كان منصرفا الى الخلاف البورقيبي اليوسفي.
❊ طيب نعود الى مؤتمر 1963
قلت لك أنّ جماعة بن صالح أطاحوا بالتليلي وصعّدوا عاشور بدله لكنّه كان رهينة بين أيديهم.
فأوّل ما فعله بن صالح، أنّّه في إطار برنامجه، بادر بالاستيلاء على التعاضديات والمؤسسات التي أسسها الاتحاد وجعلها نواة لمشروعه وقد حرّض بورقيبة ضدنا فقال في إحدى خطبه لتبرير الاستيلاء ان النقابيين لا يحسنون التصرف، وإنّ هناك كثير من الفوضى، والحال أننا كنا نكتفي بالمساعدة الإدارية لا غير.
هذه التطورات وفّرت لي فرصة التعرف عن قرب على الزعيم أحمد التليلي، فاكتشف فيه رجلا شهما.
بعد أشهر قليلة قامت الحكومة بتخفيض الدينار ومعنى ذلك بالنسبة لنا كنقابيين أنّه تخفيض في القدرة الشرائية، فاجتمعنا جهويا ووطنيا ووقفنا ضد القرار وطالبنا إما بإلغائه أو بالتعويض عن الفارق وضمننا موقفنا في لائحة معروفة.
فما ان صدرت تلك اللائحة، حتى إنهمرت البرقيات المستنكرة لها والمعترضة على ما فيها من مطالب وعلى نعت الأخ الحبيب عاشور بأبشع النعوت والمساندة طبعا لقرار التخفيض، ولأنني من أنصار عاشور، فلم أبعث برقية من جهة باجة وجرّاء ذلك لم أحصل على نيابة لحضور المجلس القومي الذي انعقد لاحقا والذي كان في الحسبان أن يعيّن مجلس وصاية يتولّى إدارة الإتحاد ويتكون من 3 أشخاص من بينهم أحمد التليلي، لكن هذا الأخير، ووفاءً لشهامته وانسجاما مع مواقفه السابقة رفض عضوية مجلس الوصاية وشارك في مقاومته.
انعقد المجلس القومي وكان العاشوريون فيه أقلية وترأسه المناضل النقابي المعروف أحمد عمارة الذي يحظى بإحترام الجميع.
كانت الأمر تسير في الاتجاه الذي خطط له الجماعة وهم أغلبية تكاد تكون مطلقة، وكان كلّما تدخل واحد من أنصار عاشور، ردّ عليه عشرة من الطرف المقابل وأحدثوا التشويش والمقاطعة، الى أن جاء دور المناضل من السكك الحديدية الأخ عبد الرزاق أيوب في تناول الكملة فأخذ يمططها ويطيلها ويعيد ما قال، خاصة لمّا يتعرض الى بعض الأمور المالية، وكان عندما يشعر بأنّ الجماعة سيقاطعونه، يطلق صوته صدّاحا بنشيد حماة الحمّى فتردّد معه القاعة كاملة نفس النشيد، اعتقادًا منها أنّه أنهى كلمته، فيعود للحديث وهكذا مرتين أو ثلاث إلى أن »داخ« سي عبد العزيز بوراوي واهتم الجميع بالاطلاع على وضعه الصحي وسبب »دوخته« فحصلت فوضى لا توصف، تفاقمت عندما تقدّم المناضل النقابي محمد الرّي وهو من أنصار بن صالح وصفع الأخ عبد الرزاق أيوب الذي لم يتوقف عن الحديث، فاغتنم أحمد عمارة الفرصة وأغلق ملفا كان أمامه وأعلن رفع الجلسة دون أن يتخذ المجلس القومي أيّ قرار.
بذلك، خرجنا من عنق الزجاجة وحققنا رغم أقليتنا انتصارًا باهرًا، لكنّ لم نهنأ بذلك الانتصار طويلا حيث حصلت حادثة كاد الحبيب عاشور يطرد بسببها من الديوان السياسي وبعده من الإتحاد.
وصورة الحادثة أنّ عاشور كان عائدا من صفاقس الى تونس فتوقف في سوسة حيث التقى محمد أيوب الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بسوسة ومحمد بن رمضان المعتمد الأول (وإبن خالته) في سهرة خاصة دار خلالها الحديث حول عدة مسائل، ومنها أنّ عاشور إنتقد كثرة سفرات وسيلة بورقيبة الى الخارج وما يترتب عن ذلك من مصاريف إضافة الى كلام آخر.
محمد بن رمضان نقل القصة الى عمر شاشية والي سوسة القوي في ذلك الوقت، فنقلها بدوره إلى وسيلة بورقيبة، فدعته بدورها الى أن يقولها للرئيس بورقيبة مباشرة ففعل طبعا، شعر بورقيبة أنّ عاشور قدح في شرفه وعرضه، فدعا، ولا سيما تحت تحريض أعداء عاشور، إلى عقد اجتماع للديوان السياسي لبحث الموضوع، وقد تسربت أخبار مفادها أنّ القرار يتمثل في اقصاء عاشور من الحزب والاتحاد وتقديمه للعدالة، فأصابه الهلع وخاف على نفسه.
لكن أبناء بلدته محمد كريم وأحمد فنيش وكذلك أحمد التليلي من جهة أخرى لعبوا دورًا مهمّا في تهدئة الخواطر واقترحوا أن ينعقد إجتماع الديوان السياسي بحضور جميع الاطراف بمن فيهم عاشور وبن رمضان ولما أثير الموضوع، أنكر عاشور إنكارا تاما وتمسك بالإنكار الى النهاية، فانفض الإجتماع دون إتخاذ أيّ قرار بل ربّما بنوع من المصالحة، ويذكر هنا أن محمد بن رمضان التفت إلى عاشور وهما بصدد مغادرة القاعة وقال له بحضور بورقيبة الذي كان يودّعهما: الآن وقد تمّ كل شيء أعترف بما قلت، فزاد عاشور تمسكا بالإنكار.
كنا في ذلك اليوم قد عشنا ساعات عصيبة ونحن ننتظر قرارا قد يبعدنا جميعا عن الاتحاد، لكن أحمد التليلي الذي حضر الاجتماع سارع الى أول هاتف توفّر أمامه وأعلمنا أنّ الأمور مرّت بسلام، بسلام نعم ولكن الى حين... إلى اكتوبر 1964، تاريخ انعقاد مؤتمر المصير في بنزرت الذي غيّر اسم الحزب الى اشتراكي دستوري وشهد سيطرة مطلقة للتيار الراديكالي متمثلا في أحمد بن صالح وخاصة في محمد الصياح الذي أصبح مديرًا للحزب.
ففي الجلسة الإفتتاحية، أطلق الرئيس الحبيب بورقيبة العنان لسبّ الحبيب عاشور وشتمه والإستهزاء به وتقديمه في أبشع صورة ممكنه. نزل علينا حديثه كالصاعقة فانكمشنا وانطوينا على أنفسنا ولازمنا غرفنا في الفندق لا نبرحها، وأكثر ما فعلنا أننا كنا من حين لآخر نزور أخانا الحبيب عاشور في غرفته، فيطئننا تارة ويؤزّمنا طورا آخر.
ورغم سيطرته على أجواء المؤتمر وكواليسه فإنّ أحمد بن صالح لم يستطع تحقيق كل ما خطط له، ومن ذلك أنّ بعضا من أقطاب الحكم كانوا يقفون الى جانبنا، أذكر هنا المرحوم الطيب المهيري والسيد عبد المجيد شاكر مدير الحزب آنذاك واللذين صادفا إحدى لجان المؤتمر بصدد إعداد مشروع قرار يقضي بإلغاء الحجز المباشر لفائدة الاتحاد المعروف بالواحد في المئة من الأجور فنهرا أعضاء تلك اللجنة ونهياهم عن مجرّد التفكير في الأمر ومعروف عن الطيب المهيري رحمه اللّه أنّه قوي الشخصية وأنّه صعب المراس.
أستطيع القول انّ ذلك التدخل كان بمثابة الاعلان عن انفراج ما في الموقف، بدأنا نلمسه شيئا فشيئا إلى أن انعقدت الجلسة الختامية للمؤتمر وخلالها انقلب بورقيبة مئة وثمانين درجة فأطنب في تمجيد الحبيب عاشور وشكره والثناء على أعماله مبرزا كونه »دستوري لكن راسو صحيح«!
انفراج نعم ولكنّه لم يدم طويلا مرة أخرى، فمباشرة بعد المؤتمر، بعث لنا محمد الصياح وقد تسلّم إدارة الحزب رسالة يقول فيها ان المنظمات أصبحت خلايا تابعة للحزب وان كلّ مؤتمراتها يجب ان تتم بحضور ممثلين عن الحزب الذي يجب ان يوافق حتى على المترشحين.
فبدأ التململ وبدأت المشاكل، وفي باجة مثلا رفضت الهياكل النقابية هذا الأمر رفضا باتا ورفض العمال حضور المؤتمرات وقاطعوها، رغم الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، ولكن رغم ذلك، تعرضنا الى كثير من المظالم والتعسف وخاصة من بعض المتحزّبين الذين يبالغون في الولاء للسلطة وفي بعض الاحيان يحرجونها فتبالغ في القرارات الجائرة والظالمة لنا.
وإمتدّ الرفض الى كل الجهات وإلى كل القطاعات ومنها قطاع الكهرباء والغاز الذي انعقد مؤتمر نقابته ثلاث مرات متتالية وكان الفوز فيها للنقابيين الشرعيين، ثمّ لجأ الجماعة الى وسائل أخرى ومنها ان الصياح وبلاغة (والي تونس وقتها) قالا للرئيس إذا كان عاشور فيه مافيه من كر وفرّ فإنّ أكثر الصعوبات يضعها في طريقنا عبد العزيز بوراوي فاستدعاه بورقيبة وعاب عليه صنيعه المتمثل في الحيلولة دون ترشح ونجاح بعض النقابيين المتحزّبين. سأل بوراوي عن أيّ حالة يتحدث بورقيبة، فأجابه بأنّه يقصد حمادي الزيادي في تونس الجوية. ردّ بوراوي وكان هو الآخر مسؤولا في الحزب، بأنّّه طبّق قرارات الحزب في الموضوع وهي عدم ترشيح من كان يكثر من شرب الخمر لما لذلك من تأثير على سيرته وسمعته أمام القواعد والمسؤولين.
فقاطعه أحد الحاضرين قائلا ان أحمد التليلي يفعل نفس الشيء فتدخل بورقيبة وأنهى النقاش وطلب من الجميع وضع اليد في اليد.
لكن الذي حصل من بعد أنّ عبد العزيز بوراوي قرّر الإستقالة من الحزب والإتحاد وجمع أدباشه وافراد عائلته ورحل الى صفاقس وقال انّه فعل ذلك بالنظر الى ما تعرض من سباب وشتم وحط من القدر والقيمة.
بذلك وبعمليات أخرى مشابهة وضغوط متنوعة في كلّ الاتجاهات، أخذ صفّنا يضعف شيئا فشيئا واصبحنا نلاقي المزيد من الصعوبات عند بحث المطالب العماليّة مع الولاة ورؤساء المؤسسات والإدارات الى أن فوجئنا في جوان 1965 لما كان الأخ الحبيب عاشور في جينيف لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية، بخبر احتراق الباخرة الرابطة بين صفاقس وقرزقنة ووفاة بعض السياح والادعاء بأنّ قائدها غير مختص وأنّها غير مؤمّنة وأنّها فاقدة للصيانة وغيرها ودعي عاشور للعودة على عجل الى تونس لبحث الموضوع معه بما أنّه كان رئيس تعاضدية احياء جزر قرقنة المالكة للباخرة.
وفي خط مواز، إنطلق سيل البرقيات المنددة بعاشور وسوء تصرّفه وإهماله مما تسبب في وفاة سياح أجانب والمطالبة بإحالته على العدالة وفعلا أثيرت ضدّه قضية عدلية، لكنّ في الاثناء، فوجئنا جميعا بوفاة الطيب المهيري وزير الداخلية، وهو رجل له أهميته وكلمته في جهاز السلطة، فضلا عن أنّه كان متعاطفا معنا.
ويبدو أنّ المرحوم أحمد التليلي، شعر أنّه بوفاة الطيب المهيري، ربّما أصبح معرّضا لتهديد قوي أو لخطر محدّق فاغتنم فرصه تنظيم جنازة المهيري وغادر البلاد.
وصورة المغادرة أنّ الأخ محمد كريم وكان وقتها رئيسا مديرا عاما لشركة تونس الجوية هو الذي نظّم له العملية فاقتطع له تذكرة سفر مفتوحة على كل الاتجاهات من وكالة أسفار أخرى بإعتباره أمين مال الحزب للتمويه على من قد يشك في الأمر وفعلا سافر التليلي وعاد قبل وفاته بأسابيع قليلة.
فبوفاة المهيري وسفر التليلي ومضايقة عاشور، ضعف صفّ الباهي الادغم كرئيس للحكومة وانفتح المجال فسيحا لأحمد بن صالح وأنصاره في الحكومة والحزب والاتحاد.
وأذكر انني في اليوم الموالي للجنازة، رافقت عاشور إلى مكتبه في الإتحاد، فلاحظت أنّه بادر بجمع أدباشه الخاصة وكأنّه تأكّد هو الآخر بأنّ موعد ابعاده قد إقترب.
كما طلب منّي ان أرافقه الى صفاقس حيث نشرت القضية، وكنت في السيارة مع السائق حماددي »طنك« والمحامي الشاب انذاك منصور الشفي، ورافقنا الى حدود مدينة النفيضة المناضل المعروف الصادق قديسة.
أما في صفاقس حيث قضينا الليلة هناك، فقد إئتمني عاشور على سرّ كبير أبوح به اليوم وهو أنّه أعطاني ورقتين رسميتين من أوراق الإتحاد، أمضى فيهما ووضع طابع الاتحاد، وقال لي احتفظ بهذين الورقتين، فإن خاطبك أحمد التليلي في موضوعهما، اكتب له ما سيمليه عليك وابعثهما له في العنوان الذي يشير به عليك وان لم يفعل، فاحتفظ بهما عندك، واعتقادي أنّه كان ينوي ترشيحه بإسم الاتحاد لمنصب في الإتحاد الدولي للنقابات الحرّة أو يسهل له قضاء بعض الشؤون لدى اصدقائه النقابيين الأوروبيين وهذه الحركة من عاشور تقيم الدليل على الثقة الكبيرة التي كانت قائمة بيننا وعلى المكانة التي يخصني بها حيث يدعوني بإستمرار الى بيته في منفلوري أو فيما بعد في نهج القرطاسي الذي كان انتقل له أيام قليلة قبل المحاكمة، فقلت له »يمشوش يقرطسونا من هنا«.
من الغد، ذهب عاشور لمقابلة حاكم التحقيق مرفوقا بالمحامي منصور الشفي فيما بقيت في انتظارهما بالمقهى رفقة إبنه حبيّب، وفي آخر العشية، جاءنا منصور الشفّي وطلب من حبيّب ان يذهب الى بيت العائلة لجلب مخدّة ولحاف لفائدة والده الذي قرّر الحاكم إيقافه.
بعد ذلك، إنتقلنا الى مقرّ الاتحاد الجهوي بصفاقس لمقابلة مسؤوليه وبحث ما يمكن عمله كنا وصلنا قبل السادسة مساء بقليل، فأشاحوا عنا بوجوههم وقالوا لنا أنّ الوقت حان لاغلاق المقرّ فقفلنا عائدين إلى تونس وعند وصولنا، اتجهنا إلى بيت رابح محفوظ للقائه فوجدناه نائما كما اتجهنا الى بيت عبد الله الخروبي كاتب عام جامعة البلديات لنفس الغرض فكان ردّه أنّه يجب الانتظار حتى يبرد الجوّ، ذهبنا الى بيت عاشور حيث قضينا ما تبقى من الليل وفي اليوم الموالي ذهبنا إلى سوسة لنفس الغرض حيث خاطبنا الهادي القارصي في الموضوع فاقترح ان نقوم بإختطاف نقابي موال ثم نقوم بعملية مقايضة، وهو ما رفضناه لأنّ مثل هذه العمليّة ليست نقابية.
في باجة، ونظرا لغيابي مدّة خمسة أيام، ساور القلق زملائي في الاتحاد الجهوي وعائلتي كذلك خاصّة وأنّ زوجتي كانت صغيرة السنّ وكانت قد وضعت مولودها الأوّل، إبني الهادي، وهو الآن يعمل طبيبًا.
أمّا في الإتحاد العام، فقد انعقدت هيئة إدارية برئاسة محمود بن عزالدين وهاجموا عاشور وقال كثيرون انّ الاتحاد أهمّ منه وأرفع وإنه لا يتوقف عليه، وأثاروا الحديث عن إبعاده، ناسبين له من التهمّ ما لا يحصى ولا يعدّ.
وتعرضت بدوري إلى وابل من السباب والشتائم نتيجة علاقتي مع عاشور والحظوة التي لي عنده حتى أنّ بقية النقابيين يقولون عنّى »سوبر كاتب عام جهة«، وقد كان المؤتمر الاستثنائي الذي انعقد في 31 جويلية 1965 فرصة للبعض للتشهير بعناصره وأصدقائه ومنهم عبدكم.
وقد خدمني صالح القلعاوي من حيث لا يشعر حيث وفرّ لي شهرة لا تقاس بما أنّه تحدث باطناب عن الخطوة التي كنت أتمتع بها لدى عاشور وأنا صغير حسب رأيه وقليل تجربة وان جهتي صغيرة بالمقارنة مع جهات أخرى لا يحظى كتابها العامون بمحبّة الحبيب عاشور وتقديره.
وفي نفس السياق، اجتمعت الهيئة الادارية الجهوية وقررت إبعادي عن الاتحاد الجهوي مع زملائي بل انّ من بين أعضائها من اقترح إبعادي من باجة نهائيا، لكن الوالي آنذاك محمد التريكي اعترض على هذا القرار.
والذي حصل ان التشكيلة الجديدة برئاسة خميس بن براهيم، تركت مقر الاتحاد الذي كنا فيه نحن وأعادوه الى مالكته واقتطعوا مكتبين صغيرين لهما في مقر لجنة التنسيق الحزبي بباجة جعلوهما مقرا للاتحاد الجهوي، وبقوا فيه الى سنة 1970 تاريخ عودتي للمرة الثالثة على رأس الاتحاد الجهوي وكان أوّل ما بادرت به اكتراء محلّ جديد للاتحاد الجهوي بعيد عن لجنة التنسيق ومستقل عن أي تأثير.
لحلقة الثانية:أعدها محمد العروسي بن صالح
أحمد التليلي والحبيب عاشور يقودان الاتحاد رغم أنهما أقلية
الاستيلاء على مؤسسات الاتحاد لبدء برنامج التعاضد وبورقيبة يتهم النقابيين بإساءة التصرف
عبد الرزاق أيوب مطط كلمته إلى أن »داخ« عبد العزيز بوراوي
مؤتمر بنزرت للحزب الدستوري:
بدأه بورقيبة بشتمنا وأنهاه بمدح الحبيب عاشور
كنت قريبا جدا من عاشور الذي يثق بي كثيرا وهاجمني الكثيرون لأني »سوبر كاتب عام جهوي«


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.