يعتبر يوم 12 فيفري 1952 يوما تاريخيا هاما ومشرفا وحاسما ذلك أنه شاهد على انطلاق أول شرارة نارية ضد المستعمر الفرنسي الغاشم. فبعد اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة فجر يوم 18 جانفي 1852 صحبة جملة من رفاقه ونفيه صحبة المرحوم المنجي سليم الى طبرقة ... وكذلك نفى بقية الرفاق الى محتشد «جلال» بالجنوب التونسي .. وتطويق العاصمة واصطدام الشعب بالعدو المحتل الذي اسفر عن قتيل واحد وعدد من الجرحى... وبمجرد وصول الخبر بقية الايالة (الجمهورية) حتى هاجم الشعب وتظاهرت الجماهير في كل المدن والقرى. وفي مدينة قفصة كان المرحوم احمد التليلي قد انهى كامل استعداداته للثورة المسلحة بتعليمات حزبية ونقابية عن طريق المرحومين الزعيم الحبيب بورقيبة والشهيد فرحات حشاد حيث تم جمع ما امكن من السلاح والعتاد والعباد ... وانطلق في العمل التحسيسي بتنظيم عمليات تخريبية شارك بنفسه في أغلبها ومن ذلك قطع اسلاك الهاتف بوادي بياش وتحطيم قنطرة وادي المالح التي يمر عليها القطار وتخريب مولد كهربائي بمنطقة قصر قفصة. وكان الاستعداد الموما اليه والذي دام أكثر من سنتين اثنين قد أثمر بعث لجان سرية ثلاثة ترأس الأولى منها محمد بن عمارة الزعبوطي وتكلفت بجميع التجهيزات اللازمة والاسلحة القديمة والمتواجدة من بقايا الحرب العالمية الثانية. واللجنة الثانية كانت برئاسة الفقيد السهيلي بلقاضي واطلق عليها في الظاهر خلايا نقابة البطالين وفي الباطن «اليد السوداء» وأخيرا اللجنة الثالثة برئاسة المرحوم الازهر الشرايطي لقيادة الثورة والصعود الى المقاومة بالجبال. وفي يوم 13 فيفري 1952 نفذ المرحوم التليلي اول عملية مسلحة بسيناريو محكم مقسم على فصلين اثنين كما يلي: الأولى: كان عصر اليوم المذكور بالمكان المعروف ب «السطح» طريق أم العرائس بقيادة الشيخ بلقاسم العكرمي ورفاق له من ابناء مجموعته وهم الشيخ العربي العكرمي عملية اسفرت عن قتل اثنين من الجندرمة كانا عائدين الى المدينة صحبة زوجة أحدهما وغنمو سلاحهما دون المس بالمرأة أو ايذائها بل عمدوا الى مساعدتها ورعايتها حتى وصلت الى الطريق العام. الثانية: وقد تمت غروب نفس اليوم وسط المدينة وبمقهى قرب سوق البلدي (بالمسيلة) حيث تم قتل سليمان بن حمودة السلامي خليفة منطقة القطار والذي عرف بولائه للمستعمر والعارف أكثر بالعروش والقبائل وشؤون الأسلحة. وقد نفذت العملية بمسدس من طرف مجهول (وقيل أنه المرحوم كيلاني مطوي الذي أغتيل ذبحا فيما بعد من طرف الثوار اليوسفيين). وبمساعدة المناضلين الشبان (آنذاك) : العربي ملايل محرز اسماعيل وبالرغم من العلاقة المتينة بين الثلاثة (أجوار وأصهار وانداد) فانهم لم يكونوا على علم ببعضهم بعضا ... وحسب تعليمات التليلي فانه بمجرد سماع الطلقة النارية من الاول يعمد الثاني المتواجد قريبا بالجهة اليمنى الى اطلاق قنبلة يدوية محلية .. وبعدها مباشرة يطلق الثالث المتواجد قريبا بالجهة اليسرى هو أيضا مفرقعة ثانية .. وذلك قصد التضليل .. وإتاحة الفرصة المنفذ العملية بالهروب داخل الغابات المجاورة. ولعل ما يدل على قوة شخصية معد الخطة التليلي وحذقه للامر وشجاعته كونه كان متواجدا بنفس المكان بمقهى المناضل المنصور قروي صحبة المناضل احمد خذيري يلعب لعبة الدومينو... ولم يكن المناضل المشار اليهما على علم بالعملية . وبعد سويعات القي القبض على المرحوم التليلي صحبة جملة من رفاقه وادعوا بالسجن العسكري بالمدينة ثم وقعت نقلتهم الى محتشد زعرور بالشمال الغربي. وهكذا سجل التاريخ بكل نجاح أول عملية فدائية مسلحة نظمت بتونس عند بداية الثورة المسلحة المباركة.