يُصنّف معهد الأغالبة بالقيروان مؤسّسةً ذات أولوية. فهو معهد أُسيء اختيار موقعه بالمدينة، اذ يقع داخل حي سكني شعبي همشه النظام السابق فجعل منه مرتعًا للانحراف، هذا الحي هو حي المنشيّة، ومدخل هذا المعهد هو مصب للفضلات، يعبره الأساتذة والاداريون يوميا لأداء الواجب التربوي، كما يعبره التلاميذ لتحصيل العلم!! بالاضافة الى غياب الحماية الأمنية خاصة في أوقات الذروة وفي السادسة مساء عندما يعمّ الظلامُ المكانَ. وقد شهد أحداثًا كثيرة خلال السنة الماضية مساهمة منه في إنجاح المسار الثوري بالبلاد، ورغم تعطّل الدروس لمدّة طويلة استطاع المعهد كغيره من معاهد الجمهورية إنجاح السنة السنة الدراسية بفضل تضحيات أبنائه من أساتذة وإداريين وعملة وتلاميذ. وفي بداية السنة الدراسية الحالية يُفَاجَأُ أساتذة المعهد بسوء اختيار آخر، تمثّل في تعيين مدير وناظر دراسات معروفين بانتمائهما إلى حزب الفساد المنحل (التجمع) وبنشاطهما في هياكله منذ أيّام الجامعة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل إنّ المدير المذكور سارع بتقديم وثيقة من اجتهاداته الخاصة التي عودهم عليها التجمع، تتضمّن توصيات فيها كثير من التجاوزات لصلاحيات المدير، وفيها مساس بالأساتذة وبناء على ذلك رفض الأساتذة التعامل معه ومع الناظر وحرّروا في ذلك عريضة مطالبين فيها بإبعادهما عن المؤسسة وتعويضهما بآخرين. وبعد اصرار الأساتذة ودخولهم في اضراب مفتوح اقتنعت كلّ الأطراف المسؤولة من نقابة ومندوبية جهوية بمشروعية مطلب الأساتذة، وعمل كلّ من الطرفين على إيجاد حلّ للمشكل. وبعد طول انتظار وأمام تمسّك المدير والناظر بخطتيهما وإصرارهما على عدم تقديم الاستقالة، اضطرت المندوبية الجهوية للتعليم على حدّ زعمها الى مراسلة الوزارة وإرفاق المراسلة بملف في الغرض لتتخذ الوزارة في شأنهما الاجراءات اللازمة باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على إعفائهما من مهامهما. واستأنف الأساتذة عملهم في انتظار تعيين مدير وناظر ولو بصفة وقتية. وبعد أيّام وقع الاختيار على مدير جديد قبل المهمّة في انتظار وصول التسمية إليه بصفة رسمية. لكن المدير الأول عمل على تعكير الأجواء داخل المعهد باستفزازاته المتكرّرة للأساتذة خاصة ولكل العاملين بالمؤسسة مستغلا في ذلك تواجده بالمسكن الاداري بالمعهد حيث رفض تسليمه حتى بعد تكليفه بعمل إداري بمعهد آخر وقبوله بذلك. وقد شهد المعهد مطلع هذه السنة، بالاضافة إلى هذه الوضعية المعقدة، خروجا لجلّ القيمين دون تعويضهم، وكذلك خروج المرشد التربوي لبلوغه سن التقاعد دون أن يقع تعويضه هو الآخر. هذا بالاضافة الى النقص الفادح في التجهيزات بل وانعدام بعضها حتى أصبح عمل المدرسين في هذه الظروف أمرا مستحيلاً، إذ لا يتوفر بالمعهد لا دفاتر المناداة، التي تمكّن الأستاذ من معرفة التلميذ المرسم بالقسم من غير المرسم، لا كراسات القسم، ولا وجود لجهاز إداري يتابع غيابات التلاميذ ويحرص على حضورهم وانضباطهم، بالاضافة الى غياب وسائل العمل من طباشير وأقلام وورق وطباعة فحتى طباعة الامتحانات غدت أمرًا مستحيلا في ظلّ هذه الظروف. والمشاكل كثيرة ولا يمكن حصرها وحتى لا نطيل نقول لسلطة الاشراف إنّنا وإن كنّا مدرّسين وإداريين وتلاميذ ننتمي الى معهد مهمّش فنحن أيضا أبناء هذا الوطن العزيز على قلوبنا، ونستحق أن نحظى بالعناية نفسها التي طالما تمتعت بها بعض المؤسسات بالجهة ومازالت، ونذكر في هذا الاطار على سبيل الذكر لا الحصر كيف تعاملت الوزارة بجدية مع المشكل الذي طرأ في المعهد النموذجي اذ أرسلت في مدّة وجيزة متفقدا إداريا ليحسم الأمر في حين شارفت الثلاثية الأولى على الانتهاء ولم يُعِرْ أحدهم أي وزن لما نعيشه من مآزق يوميّة في معهدنا حالت دون الحد الأدنى للعمل التربوي. إنّنا وإن كنّا نأسف لحرمان أبنائنا التلاميذ من الدروس، فإنّنا ندخل اليوم مرغمين في اضراب مفتوح ونلجأ إلى الاعلام لعلّ صوتنا يُسمع.