اختار المكتب التنفيذي الوطني للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل أن يحيي هذه السنة اليوم العالمي للمرأة ( 8 مارس ) تحت شعار «شراكة في النضال ولكن المرأة مازالت خارج مواقع القرار». شعار يختزل العديد من التساؤلات والارهاصات التي تقع على عاتق المرأة وشعار يوجه اتهاما معلنا للرجل؟ فما هو الواقع وأين مكامن الداء! لتفكيك رموز هذا الشعار حاورت «الشعب» الأخ المنصف اليعقوبي الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن قسم المرأة العاملة والشباب والجمعيات فكان الحديث التالي : يمكن القول أن الاتحاد العام التونسي للشغل وعبر قسم المرأة والشباب العامل أصبح منذ سنوات حريصا على إحياء اليوم العالمي للمرأة بانتظام ومن خلال رصد جملة من التظاهرات الثقافية والنقابية لتحصين المرأة من رواسب الموروث الثقافي وتحفيزها نحو المساواة الحقيقية مع الرجل ونحو الشراكة الفاعلة في النضال وفي تحمل المسؤولية فما مدى تلاؤم هذه المعادلة مع الواقع؟ في البداية أود أن أشكر جريدة «الشعب» وأحيي كل العاملين فيها على الدور الذي تقوم به من أجل إيصال المعلومة للرأي العام ومن أجل مواكبة كل الأنشطة النقابية للاتحاد ومتابعة ملفاته بكل جزئياتها وتفاصيلها التي توصد في وجهها ابواب الجرائد الأخرى وشكري يتضاعف لزميلي محمد شندول على ما يبذله من جهود من أجل تحسين اداء الجريدة وتبليغ الاعلام النقابي الى متلقييه وأيضا على حرصه بفسح مساحات أكبر لأقسام الاتحاد وهياكله من أجل التعبير الحر وإعلاء كلمة الحق. أما في ما يتعلق بالسؤال فإني اشير الى أن الاتحاد العام التونسي للشغل اعتاد منذ التسعينات إن لم أقل من قبل وحتى لا أنكر على أحد نضاله وحقه أن يقيم احتفالا رمزيا بهذا اليوم ورغم هذه الرمزية فإن مواكبته والمشاركة الفعلية فيه من طرف المرأة كان كبيرا جدا وانجزت فيه إضافات ملموسة على مستوى التعريف بأبعاده النضالية التي ضحت من أجلها حتى أنه يمكن لي الجزم بأن المرأة استطاعت أن تؤمن لنفسها طريقا صلب المنظمة الشغيلة وحتى صلب المجتمع المدني عموما. ومن هذه المنطلقات كان لا بد لنا في الاتحاد العام التونسي للشغل أن نعمل على اسناد ظهر المرأة من أجل التفاعل الايجابي مع ابعاد هذا اليوم وتجلى هذا الاسناد بالخصوص منذ مؤتمر جربة الذي كرس لامركزية الاحتفال بهذا اليوم حيث أصبحت كل الجهات لها أحقية إحياء هذه الذكرى وإضفاء الطابع التثقيفي والتكويني عليها طبقا لخاصيات المرأة العاملة أولا وفي اطار من التفتح على تفاعلات المجتمع المدني مع خصوصيات هذا اليوم. ومن باب التذكير في أدائنا كقسم مسؤول بالاتحاد العام التونسي للشغل أقول أننا حرصنا في السنوات الاخيرة وبتعاون مع بقية اقسام الاتحاد على تنفيذ جملة من البرامج التثقيفية والتكوينية خاصة بالمرأة أدت فيما أدت الى تعريف المرأة العاملة ببعض الاتفاقيات الدولية على غرار الاتفاقية الخاصة بالأمومة وتمكينها أيضا من معارف جيدة ودقيقة حول القوانين والتشاريع الوطنية الخاصة بالمرأة. وقد عملنا على إكساب المرأة خبرات وتجارب ودراية بمسألة المساواة الحقيقية مع الرجل وعملنا على ابعاد ما يمكن أن يعترضها من عراقيل وصعوبات على مستوى الانخراط في العمل النقابي وتحمل المسؤولية دون تمييز أو تفضيل وعملنا على دعم قدراتها في التأهل لتحمل المسؤولية بكل ثقة وجدارة تستطيع معها النفاذ من خلالها الى مواقع القرار. كما عملنا على تحصينها من أجل التصدي لكل أشكال الميز والاستغلال والسمسرة بعرق جبينها وتمّ لنا ذلك بالتنسيق مع المكتب الوطني للمرأة. أمام كل ما تقدم هل يمكن أن نقول أن المرأة قد استفادت واستطاعت أن تغالب واقعها وتحقق لنفسها موقعا داخل النسيج النقابي ؟ بصراحة لا أجازف بالتأكيد فالمسألة بنظري تبقى نسبية مع أن الساحة النقابية تزخر بالعنصر النسائي المتحمس لتحمل المسؤولية والقادر في كل المستويات على تقديم الاضافة والتعبير عن كوامن ومشاغل وهواجس المرأة أينما وجدت ومن غير المسموح لي كأمين عام مساعد مسؤول عن قسم المرأة العاملة والشباب والجمعيات أن أجانب الواقع واعتلي صهوة الغرور وأقول إن المرأة العاملة أصبحت في موقع متميز ومتحكمة بالفعل النقابي ومؤثرة فيه ذلك أن هناك عوائق لا تزال تحاصر أداء المرأة ومازالت تحول دون وصولها الى دائرة القرار وقد يكون ابرز هذه العوائق احتكام الرجل الى الموروث الثقافي برغم ايجابية تاريخ الحركة النقابية التونسية في هذا المجال وبرغم ايجابية نسبة الانخراط النسائي بالاتحاد في الوقت الراهن حيث تشكل انخراطات المرأة نسبة 40 من مجموع الانخراطات وبرغم أيضا ما أكدته المرأة من جدارة في تحمل المسؤولية على مستوى الهياكل الاساسية والوسطى مثبتة استعدادات وقدرات تضاهي أو تفوق اداء الرجل وليس أدل على ذلك من شواهد أزمة 1985 التي سجلت تعرض بعض النقابيات للطرد وحتى الايقاف في السجن. معنى هذا أن الرجل مازال غير قابل بالمرأة كشريك قادر على تحمل المسؤولية وبالتالي فإن الآليات التي قدمت للمرأة عبر برامج التكوين والتثقيف لم تحقق اهدافها؟ ليس هذا بالضبط فقد قلت أن المرأة تمثل نسبة 40 من منخرطي المنظمة الشغيلة وهذا في حد ذاته دافع للإهتمام بمشاغل المرأة ودافع لمزيد العمل من أجل حقوق المرأة ومن أجل تفعيل دورها النقابي لكن هذا غير كاف إذا لم تعمل المرأة نفسها على انجاز خطوات عملية في اتجاه فرض نفسها وتأكيد ذاتها وكاد يتجسم هذا الخيار منذ اواخر السبعينات مع تجربة بعض النقابيات اللاتي اسسن لنواة صلبة داخل المنظمة للإحاطة بالمرأة العاملة عموما والنقابية خصوصا لكن هذه التجربة لم تصمد بحكم الازمات التي مر بها الاتحاد ومنذ أوائل التسعينات وإيمانا من الاتحاد باستحقاقات المرأة عليه عاد الاهتمام الى هذه الشريحة ووجدت لجنة وطنية للمرأة العاملة ومنذ مؤتمر جربة تلاحم القول والفعل وتوجهت المنظمة بخيارات استراتيجية لتأهيل المرأة عبر جملة من الاهداف التكوينية والتثقيفية في إرادة واضحة لإكساب المرأة قدرات ترتقي بها الى منافسة الرجل والعمل الى جانبه بكل ثقة في النفس ومقابل ذلك توجهنا ببرامج تكوينية للرجل من أجل دفعه بالقبول بتواجد المرأة في المسؤوليات الأولى وفي كل المستويات وأقول إننا استطعنا أن نغير من عقلية الرجل وخلصناه من رواسب الموروث الثقافي لكن المرأة مازالت بعيدة عن موقع القرار. إذن في من يكمن العيب وأين الخلل في هذه المقاربة؟ أجزم وأؤكد أن المرأة تجاوزت عيوبها الموروثة واستثمرت جيدا واقعها وطوعته عبر برامج التكوين والتثقيف التي تلقتها الى تحقيق أهدافها واستطاعت أن تفتك لنفسها مراكز محورية في الفعل النقابي وهنا استدل بما احرزته المرأة النقابية التونسية من مواقع مسؤولة في عدة منظمات قطرية واقليمية ودولية ويعود ذلك بالاساس الى الارث النقابي التونسي الممتد على طول مساحة الحركة النقابية الوطنية. أين هي إذن هذه الصورة للمرأة في الساحة النقابية الوطنية؟ أقول بكل أسف أن هذه الصورة وهذه الريادة وهذا الاعتزاز بأداء المرأة النقابية التونسية لم يقابله لدينا شحذٌ للعزائم نحو القبول بأحقيتها في التواجد داخل المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد ويتعمق اسفنا عند ما نرى تقدما ملحوظا في هذا المجال لمنظمات إقليمية ودولية وافريقية لا تملك من تقاليدنا في التعاطي مع الفعل النقابي وتجربتنا الثرية شيئا وهذا الاسف المضاعف يرادفه شعور بالقلق تجاه الدعوات الدولية الرامية الى ضرورة أن تتوفر كل منظمة قطرية وعلى مستوى قيادتها العليا امرأة منتخبة وهو ما لم نتعامل معه بموضوعية. هل من رسالة خاصة في هذا اليوم ؟ دعوة للمرأة من أجل مضاعفة الجهود وعدم الاستكانة للواقع وإقران القول بالفعل وتجاوز العراقيل والسلبيات والاقبال على المزيد من الانخراط بالمنظمة الشغيلة وتحمل المسؤولية. ثم دعوة للرجل بتجاوز موروثه الثقافي والاقتناع بأن المرأة شريك في النضال وشريك في المسؤولية. وأخيرا ابعث بتهاني القسم الى كل امرأة عاملة والى كل امرأة مسؤولة والى كل رجل داعم لحقوق نصفه الثاني .