مازال تاريخ محمد علي لم يبح بأسراره ومازالت تجربته تثير التساؤلات هل أنها كانت اجتماعية اقتصادية؟ انطلاقا مما عايشه خلال إقامته ببلاد الغرب من تجارب تشاركية تساعد الفرد على تجاوز المصاعب المعيشية خاصة في الظروف التي يمر بها العالم في تلك الحقبة التي أراد أن ينقلها إلى بني وطنه الذين يعيشون الخصاصة تحت مستعمراستأثر بخيرات البلاد ظاهرها وباطنها تلك الوضعية التي جعلته يُنشىء بعض التعاضديات ليتجاوز بها الفرد الصعوبات التي تعيق حياته يمكن أن محمد علي كان قد خطط لأجندة معينة بدايتها الاقتصاد الاجتماعي الذي يعتبر من أشكال التّصدى للانتهازية التي يمارسها المستعمر في حين يُرجح البعض الآخر بأن عمله سوف يقتصر على هذا النوع من العمل الاجتماعي مساهمة منه في التخفيف من وقع في نفوس الجميع ويكمن أيضا أنه أنكر على الوطنيين إهمالهم لجانب الاقتصاد الاجتماعي الذي هو أهم بكثير من استجداء التخفيف من الفوارق بين الأجانب والوطنيين الذين لا مكان لهم في سوق الشغل سوى الأعمال الشاقة لقد لاقت تجربة محمد علي الاقتصادية إقبالا كبيرا من عموم الشعب ولم يحدثنا التاريخ عن تحرج المستعمر من محاولة محمد علي الحامي في شكلها الأول التي يمكن أنه تغاضى عنها علها تساعده على تهدئة الأوضاع وسحب البساط من تحت بعض الوطنيين الرافضين لوجود المستعمر في تونس لكن أحداث المواني استرعت انتباه محمد علي لما طلب منه العمال مساعدتهم على تحقيق مطالبهم وبما أنه لا بد لكل ثورة من بداية كانت تلك الشرارة التي استنفرت داخل محمد علي روح التمرد على الوضع الذي يعيشه التونسي نظرا إلى مستوى الوعي الجماعي المتدني الذي كان عليه الشعب فانبرى يؤسس لتنظيم عُمّالي نقابي واسع لأنه يدرك بأن حراك من هذا النوع سوف يكون تأثيره أبلغ في النفوس ومداه أبعد من أي نشاط آخر وهو ما تم فعلا حيث سارع محمد علي بالإعلان عن تأسيس منظمته النقابية وهي خطوة ثورية لم يسبقه إليها أحد من قبل لكن المستعمر سابقه ليقلص من مجال تحركاته لأنه وإن لم يضايقه في تجربته التعاونية فإنه لن يسمح له بتطويرها لعلمه بأنها أخطر عليه من المقاومة المسلحة لكن محمد علي كان مصرا على وضع البذرة الأولى ليس للحراك النقابي فحسب بل لثورة تحرير عامة لقد ذهب محمد علي لما هو أشد تأثيرا على نفسية المستعمر فاقتحم عليه منطقة الحوض المنجمي المنهوبة التي تميزت بالتهميش الممنهج لشبابها الذي كان يعمل مثل العبيد في النهار وينغمس في بؤر الإدمان والشعوذة ليلا لكن محمد علي خاطب فيهم وطنيتهم فكان التجاوب معه إيجابيا مما أثار سخط المستعمر عليه وعلى رفاقه إن حركة محمد علي التي كانت في ظاهرها اجتماعية نقابية حملت بين طياتها حس وطني نضالي جامح يروم إحراج المستعمر وزعزعة ثقته في نفسه لقد توسعت حركة محمد علي النضالية لمناطق بالبلاد لم يتخيل المستعمر أنه بالغها وانتسب لمنظمته خلق كثير في ظرف وجيز جدا اعتبره المستعمر منبها لمدى خطورة هذا المد النقابي المهدد لوجوده بتونس الحامل لمؤشرات الثورة العارمة فاستباح كل الأعراف لطمس هذه التجربة وتشريد صاحبها للأبد لكنه لم يدرك أن تلك البذرة عروقها ضربت في الأعماق فخلفت من بعدها أجيال متعاقبة على هذا الصرح جيلا بعد جيل من القناوي لحد حشاد الشهيد الذي انتصر دمه على الرصاص الغادر الذي كان وقود الربع ساعة الأخير للثورة على المستعمر فانتصر وخرج المستعمر وتواصل النضال في 1965 و1978 و1985 لحد يوم 14 جانفي 2011 يوم النصر العظيم الذي كان نصيب الأسد فيه لاتحاد حشاد العظيم الوارث الشرعي لتلك التجربة الاقتصادية ثم النقابية عاشت الروح العمالية النقابية أبد الدهر ثائرة منتصرة عاش الاتحاد العام التّونسيّ للشّغل.