إن المشهد الإعلامي العربي في قسم الصحافة المكتوبة كما رسمه التقرير الثالث لتنمية المرأة العربية هو «مشهد مذكّر عددا اذ يفوق عدد الاعلاميين عدد الاعلاميات وهو مشهد مذكّر قرارا اذ لا وجود الا استثناء لسيدات يشرفن على مؤسسات إعلامية ، وهو مشهد مذكّر نشرا إذ تتولى الاعلاميات عادة مهام اخبارية ونادرا ما يتولين كتابة المقالات او الاعمدة ولكنه مشهد يتأنّث أحيانا مظهرا في مستوى دفع ثمن صعوبات المهنة». هذه الخلاصة / الفاجعة التي توصّل اليها فريق عمل التقرير تعكس «سكيزوفرينيا» العقل العربي المتتبّع للمادة الاعلامية، بين ما يروّج له من مادّة اعلامية تحث على المساواة بين الرجل والمرأة وبين حقيقة ما يمارسه صانع هذا الخطاب على الأرض وفي واقع علاقته بالمرأة الاعلاميّة، فقد نجد مقدّم برامج يتّبع خطّ مؤسسته الاعلامية المهتمّة بتمكين المرأة و القضاء على التمييز المقام على أساس الجنس وعديد الشعارات الاخرى... وهذا المقدّم نفسه يرفض رفضا قاطعا ان تكون رئيسته في العمل امرأة ويتغاضى عن فسح المجال لاثبات قدرات فريق عمله من النساء فلا يكلفهن الاّ بالاعمال الهامشية مثل تنسيق المكالمات الهاتفية وتقديم الورود للضيوف...وهذا صاحب مؤسسة اعلامية يعتقد ان الاعلاميات لا يصلحن في العمل الصحفي لاكثر من مشرفات على الصفحات الميّتة» أو تلك التي تهتمّ بما هو بعيد عن الشأن الحيوي او الجاري على حدّ عبارة الاستاذ محمد حسنين هيكل. فصفحات الاسرة والمرأة توكل للنساء دائما.. أما ان تكتب المرأة بطاقة يومية ترصد وتتابع فيها الأحداث او تحلّل السياسة فهذا أمر نادر الوقوع ولكنه اذا حدث يشهد الجميع بنجاحه، ولكن الفرصة لا تمنح للنساء. والمرأة اذا اهتمت بالرياضة ذاك الشأن الذي احتكره الرجال تميّزت وأبدعت من خلال بُعدها النقدي ومشرحها المقوّم بعيدا عن اعتبارات أخرى. والمرأة في أذهان بعض ذكور الاعلام لا تستطيع ان تدير مؤسسة اعلامية وحدها، بل لا بدّ من رجل يعاضد سعيها، كما أنها في نفس تلك الاذهان عاجزة عن إدارة محطة إذاعية أو تلفزية، فنجاحها في ذلك تقليد وفشلها فيه مضاعف. معهد الصحافة في تونس ومنذ اكثر من عقد، سبعون بالمائة من طلبته اناث ومع ذلك لا يفوق عدد الاعلاميات في بلادنا ال 35 وهو رقم يشي بصعوبة انخراط النساء في المهنة الصحفية أو يعلن أنهن يتراجعن عن ممارستها ويفضلن مهنا أخرى أو الانقطاع. فماهو السبب؟ ولماذا غالبية الوضعيات الهشّة في قطاع الاعلام مؤنثة؟ ولماذا تكون المرأة أولى ضحايا الطرد بتعلات كثيرة؟. تأهيل بعض المؤسسات أو الضغط على الكلفة أو أي شيء تكون نتيجته المرأة خارج مواقع العمل الاعلامي. لماذا تقلّ امتيازات النساء وحقوقهن مقابل الرجل في الاعلام ويتساوى معه في مخاطر المهنة وصعوباتها التهديد والقتل والترويع.؟ اسئلتي لاتنتهي ولكني سأنهيها قسرا، لأبدأ طريق الإجابة في حديث ثان ربما بعيدا عن الاعلام.