برغم تنوّع الاعياد في بلادنا وكثرتها وتوزعها بين وطنية ودينية، الا ان عيدي الفطر والاضحى يظلان الأبرز من بين الاعياد باعتبار ما يحيط بهما من استعدادات كبيرة ومصروف مالي اكبر وهالات دينية مشعة، وها هو العيد حلّ بين ظهرانينا هذه الايام ونصف استعدادته لدى النساء، إذ يتوزع اهتمام المرأة بين حسن تصريف شؤون الشهر الكريم والضغط على الانفاق الذي يصاحبه وبين التفكير في «حلوّ العيد» عبر إدخار ما يلزم له من لوز وجوز وعسل وتحضير الالات المساعد على إنجازه (أطباق كبيرة الحجم وآلة عجن وقصاع كبيرة) اضافة الى التنسيق مع الحبيبات والجارات من اجل استعارة مجهود المساعدة في التحضير بمعنى (اليوم في دارنا وغدوة في داركم) وينطلق مارطون السهر... والتعب حتى الصباحات من العشر الاواخر في رمضان... وبعد خزن «الحلو» في ما يلزم له من الحقق وصناديق الخفّاف تنطلق رحلة اخرى من المشاغل اليومية والليلية وهي رحلة اكساء الاطفال وشراء ملابس العيد، فتتوزع المجهودات بين دكاكين الاحذية ومغازات الملابس، تخرج المرأة من أحدها لتدخل اخرى، هذا مقاسه صغير والسروال فضفاض على حزام الابن الاوسط، اما الابنة فمشقة ايجاد ما يلزمها اعظم، اذ لا يروقها العجب، تريد فستانا قصيرا وسروالا طويلا وقميصا ملونا وشرائط بلون الفستق وجوارب بطعم الحليب... وان حملت هذه الام اطفالها معها الى السوق كانت الطامة وان تركتهم كانت الطامة، فالاسواق مزدحمة والباعة يضجون من كثرة الزبائن والاسعار تصير مائعة بحسب الزبون ومجموعها يخضع لفطنة الحريف وتخفيضات العيد لا تطبق على القطع المعروضة أما وسائل النقل فالعمومي منها لا يكاد يحتمل زحامه والخاص لا تستطيع فيه التنقل الى مركز المدينة أو الاسواق لان طوابير السيارات امام الاشارات الضوئية لا ينقطع تسلسله وتصبح السيارة نقمة على مستعملها الذي وان وصل بها الى المدينة سالما فلن يجد لها أبدا مربضا تمكث فيه رثيما ينتهي من قضاء شؤونه كل هذه الاشياء تبدو واجبا على الامهات اللواتي قد يستمتعن ببعض العناء لإسعاد فلذات الاكباد «بالحلو» والملابس الجديدة ولكن من اين المال وعيد هذه السنة يأتي قبل موعد الاجور في نهاية الشهر وكيف الحل والمخزون البسيط قضت عليه العودة المدرسية وبقايا الصيف والاستهلاك المشط خلال شهر رمضان، لابد من قرض صغير او تسبقة او سلفة من البنك من اجل اكساء الاولاد... وسيستمر باقي حديث الشهر في «صبّو والا ما صبوش» الشهرية.