على امتداد ثلاثة أيام احتضنت مدينة سليانة ملتقى وطنيا له أكثر من دلالة لعل أبرزها استحضار سجل نضالي لأحد أبناء الجهة ومن أهم مناضليها انطلق من ريفها الحزين الحالم ليعانق أرقى مراقي النضال وانخرط في معارك التحرّر والانعتاق والتحم بفصيل الحكيم حكيم الثورة الفلسطينية جورج حبش ليعود إلى تونس بالإضافة ويسهم مع من أسهموا في المراكمة باتجاه مسار ثورة الحرية والكرامة الممتد. وكانت بداية اللقاء لقاء المبدعين والمثقفين بنقابيي الجهة بإقامة عين بوسعديّة الجميلة عين بوسعدية الجبل والخضرة والهواء النقي والتاريخ أيضا تاريخ المعارك ضد المستعمر معارك برقو وشهدائها فكانت الأغنية الملتزمة مع جمال قلة والصورة الشعرية المتحدّية مع الصغير أولاد أحمد وعبد المجيد البرغوثي، ليكون افتتاح المهرجان من الغد بحضور الأخ سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل ووالي الجهة ممثلا لوزير الثقافة. فاستمتع الحاضرون بكلمات الافتتاح وكانت الرؤية النقدية لواقع الثقافة والمثقف وتشخيص إشكالياتهما العامة في ظل تجاذبات اللحظة المفصلية من تاريخ قطرنا محور تدخل الأخ سامي الطاهري ومشدّ انتباه المتابعين برقي المعنى ودقة العبارة ولكم انشدّ المشاركون إلى إبداعات الصغير المعهودة وقصائده الرافضة وكذلك شاعر قبلّي المتحكّم بناصية القافية عبد المجيد البرغوثي الذي غزت قصائده قلوب المستمعين فكان التفاعل جليا واضحا. وفي المساء كان لجمهور الملتقى محدود العدد ولكن الواسع الشغف بالكلمة الصادقة والفعل الثقافي البديل موعد مع منسيات الشمال الغربي والكاف تحديدا مع عبد الرحمان الشيخاوي ومع المسرح الشبابي لأشبال سليانةالمدينة في عرض رائع لمسرحية الكنعاني المغدور والتسمية مستعارة من الشاعر المحتفى بذكراه. ويوم الاختتام أي يوم 26 ماي 2013 كان فضاء النضال مقر الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة هو الحاضن للندوة الفكرية التي تداول على المصدح خلالها في مداخلات لئن حامت حول المختومي فلتسمو إلى دور الفعل الثقافي عموما والمثقف في الثورة والتجذير للحلم الإنساني بالعدالة والسمو إلى كلّ الأبعاد القيميّة أيضا. ولقد كان للأستاذ كمال الزغباني مداخلة فلسفية عميقة حول دور المثقف وفعله النضالي معتبرا العمل النقابي مقاومة في حد ذاته لما يتوفر عليه من نزعة تغيير لا تتوقف، ناحتا في مداخلته مفاهيم ومصطلحات تتصدّى للرداءة وتبليد الأذهان معتبرا أن العولمة قد خلقت أنماطا من الفكر والسلوك تعمل على تسطيح الإنسان وتنميطه وسلعنته وأن الثقافة «الحقة» هي التي تبرز التفرد والتميز والتنوّع. كما كان للأستاذ مختار الخلفاوي مداخلية رشيقة انطلق فيها من مقولة مستهلكة صارت على ألسن بعض السياسيين يوظفونها كما شاؤوا تقول بأن «نكبة الأمة في نخبتها» معتبرا هذه المقولة السطحية محاولة لإدانة المثقفين ومحاصرتهم وعزلهم عن محيطهم من خلال اتهامهم بأنّهم وراء كل الشرور والعثرات وقد خلص الأستاذ الخلفاوي إلى التقاطع مع الزغباني حول أهمية الفعل الثقافي بما هو فعل مقاومة معتبرا أن الوضع الدقيق في هذه المرحلة يتطلب من المثقف جهدا إضافيا يعطيه الريادة والقيادة الفكرية. ثم قدّم الصحافي ناجي الخشناوي ما أسماه ب «الجرار المعتقة» كناية عن إسهامات الشاعر عبد الحفيظ المختومي في الملحق الفكري لجريدة الشعب «منارات الشعب. فرحل مع الشاعر والمفكر والأديب في مقالات صنفها إلى مقالات في السياسة وأخرى في الفكر عامة وثالثة في فنون الأدب وتراوحت بين التأليف والترجمة والسجالات والاستشراف ظهر فيها الكنعاني المغدور مبدعا وسياسيا ومقاتلا شرسا. وقد تداول الحاضرون على الكلمة لمناقشة مداخلات الأساتذة ولتقييم الندوة ولتقديم المقترحات لمواصلة هذه التجربة وأبرز هذه المقترحات هو تحويل المهرجان إلى منتدى فكري سنوي تتشكل له هيئة قارة تُعدّ تأثيثه على امتداد السنة ليرتقي إلى مصاف المنتديات الوطنية والدولية.