احتفل المربيات والمربون التونسيون مع كل زملائهم في العالم وفي مختلف مستويات التعليم باليوم العالمي للمربي وذلك في الخامس من أكتوبر الجاري. وكان يراد من هذا اليوم الذي أقرته اليونسكو سنة 1994 تعزيز توصية اليونسكو / منظمة العمل الدولية المعتمدة سنة 1966 لفائدة مربيي التعليم الاساسي والثانوي، ثم أصبح أساتذة التعليم العالي يحتفلون به من أجل تعزيز التوصية التي اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو سنة 1997 لفائدة هذا القطاع. ويقع هذه السنة الاحتفال باليوم العالمي للمربي تحت شعار «مدرسون جيدون لتربية نوعية: التكوين من أجل مدرسين أكثركفاءة» كما حددته «المنظمة الدولية للتربية» وهي منظمة نقابية عالمية للمربين منضوية تحت المنظمة العالمية للنقابات الحرة، تمثل 29 مليون مدرس وموظف تربوي بدءا بمدارس الحضانة الى الجامعات منخرطين في 338 منظمة نقابية منتشرة في 161 بلدا عبر القارات الخمس. إن شعار «مدرسون جيدون لتربية نوعية» هو من جوهر المسألة التربوية، وقد أصبح طرحه أكثر إلحاحا خلال الفترة الأخيرة في أغلب دول العالم، إن لم يكن في كلها، بعد أن أقر الجميع بتراجع مستويات جودة التكوين بصفة تدريجية لكنها جد محسوسة. ولم تعد الأسباب العامة والهيكلية لهذا التراجع خفية على أحد، سواء كان من داخل الأسرة التربوية أو من خارجها. فالمنحى الذي اتخدته السياسة الاقتصادية في أغلب بلدان العالم بتوجيه والزام من الدوائر المالية والاقتصادية والسياسية العالمية المهيمنة يدفع الى التخلي التدريجي والصريح عن كل المكاسب التي حققتها الشعوب في الحقل الاجتماعي من تعليم وصحة واستقرار الشغل... لقد عايشت تونس خلال السنوات الأخيرة مختلف هذه الارهاصات السلبية لواقع التربية والتعليم وذلك لسببين جليين ومتفاعلين هما الدفق الهائل والمفتعل لعدد الوافدين خاصة على التعليم العالي والانصياع الكلي لتوصيات الجهات الممولة لمختلف البرامج و»الاصلاحات» بما يجعل السلط العمومية تفقد كل سيطرة على العملية التعليمية من حيث التصور والتخطيط. وقد تجلت آثار هذه السياسة الليبرالية المتمثلة في التخلي التدريجي للدولة عن التعليم العمومي وفي التراجع الكبير الذي يشهده من ناحية نسق الاستثمار العمومي ومن ناحية أخرى معدل الانفاق على المتعلم الواحد فانعكس ذلك نقصا مستفحلا في التجهيزات التعليمية واختصارا متواصلا لمسالك التعليم وتفريطا متزايدا في المهمة التعليمية لفائدة الخواص ... كما شملت المراجعة السلبية للتعليم محتوى الدروس وطريقة تناول المواضيع بما يقلص من حيز المسائل الاشكالية ومن الطروح المنمية للفكر النقدي. وأتبع كل ذلك بمنظومة تقييمية تعتمد الإنجاح شبه الآلي ولا تحرص على التكوين النوعي للمترشحين والخريجين . ومما زاد أوضاع التربية والتعليم تدهورا تراكم أعداد العاطلين من اصحاب الشهائد العليا. وبالتوازي مع هذا المسار تشهد أوضاع المربين تدهورا مستمرا لمقدرتهم الشرائية ومستواهم المعيشي ومنزلتهم الاجتماعية. ومن شأن هذه المحصلة إقحام التعليم في حلقة تنحدر بمجتمع المعرفة درجات يصعب تداركها. كما أن الأوضاع المتردية للديمقراطية في بلادنا عموما والمستفحلة خصوصا في كل من وزارة التربية والتكوين ووزارة التعليم العالي أدت الى عدم اشراك أهل الاختصاص والذكر في رسم الخيارات المتعلقة بالعملية التربوية والى عدم استعداد هاتين الوزارتين لسماع أي رأي مخالف أو أي موقف ناقد أو أي بديل من أي شريك أو فصيل وطني، حتى وإن كان نقابة منتخبة. لقد حرصت نقابات التربية والتعليم بمختلف مستوياته على التحذير في الإبان، من تمادي السلطة في هذا التوجه وعند كل المحطات الهامة التي مثلتها سلسلة «الاصلاحات» الدافعة باتجاهه ، من خطر وبؤس النتائج التي يوصل اليها. كما لم تتوان عن تقديم البدائل الوطنية التي تلائم بين تحديات المرحلة والنهوض الفعلي والمتواصل بالمنظومة التعليمية ومخرجاتها. وناضلت في سبيل ذلك بمختلف الوسائل المتاحة. فالمطالبة بإصلاح نظام الدراسات تكوينا وتقييما، وبإعادة النظر في المسالك التكوينية وفي منظومة البحث العلمي، وبضمان واحترام الحريات الأكاديمية ظلّت من الثوابت في اهتمامات نقاباتنا. غير أن انسياق السلطة وتماديها في مثل هذا التمشي غير المتوافق مع مصالح المجتمع العليا في مجال التعليم من شأنه أن يواصل هدم جودة التكوين ويتراجع أشواطا أخرى بنوعية المكونين وينأى بنا بالتالي عن التربية السليمة وأسسها التي كانت ومازالت مطلبا وطنيا ضحت من أجله المجموعة الوطنية. إن الشعار المرفوع «مدرسون جيدون لتربية نوعية» يأتي ليدفع كل النقابيين بقطاع التربية وكل الغيّورين على مكانة التعليم وقدسية العلم في المجتمع كي يعاضدوا جهودهم ويواصلوا نضالهم لصون المكاسب وتحقيق الأفضل في الغرض، وبالخصوص ضمان حق كل أطفال تونس وشبانها في تعليم عمومي مجاني وجيد وضمان التطبيق الفعلي في بلادنا لتوصيتي اليونسكو لسنة 1966 المتعلقة بظروف عمل قطاعي التعليم الاساسي والثانوي ولسنة 1997 المتعلقة بظروف عمل قطاع التعليم العالي. إن المربين التونسيين يعبرون في هذا اليوم العالمي التضامني عن مؤازرتهم لزملائهم في فلسطين ولبنان والعراق فيما يلقونه يوميا من تصفية جسدية طالت عشرات المربين والعلماء والأكاديميين خاصة في العراق ونسف لمؤسساتهم التربوية وتدخل سافر في المناهج والبرامج التربوية لخدمة الغايات الامبريالية والصهيونية ويجددون دعوتهم لأسرة التربية والتعليم في تونس لتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لزملائهم في فلسطين ولبنان والعراق إجلالا لرسالتهم ولدورهم في مقاومة الاحتلال. أمضى البيان الكتاب العامون للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي والنقابة العامة للتأطير والارشاد التربوي والنقابة العامة للأطباء الاستشفائيين والنقابة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للتعليم الاساسي.