لا يتمالك المرء إلا أن يبقى فاغرا فَاهُ من هول فظاعة الإقرار الذي جاء على لسان رئيس البنك العالمي من «أن مستوى عيش ستمائة مليون إفريقي قد تدهور بسبب الفساد!» الذي يأتيه المسؤولون على مختلف المستويات! والمقصود بالفساد شتى صيغ إستيلاء هؤلاء المسؤولين على المال العام، وعلى مقدرات البلاد، وصيغ ممارسات الارتشاء والانتفاع بالعمولات وغيرها من خلال التفريط في الملك الوطني العام لشركات بعينها ولبلدان محددة، وفي حالات لأشخاص مخصوصين. وقد تناقلت التقارير الصحفية أكثر من مرة أن عدة رؤساء دول إفريقية ضلعوا في تحقيق ثروات شخصية طائلة جرّاء التفريط بالمقابل في الثروات الوطنية لبلدانهم التي إئتمنتهم عليها شعوبهم فأهملوها لقاء تحقيق منافع وامتيازات شخصية وخاصة. كما تعددت الاشاعات والأخبار التقريبية في علاقة ببعضهم الآخر طبيعة أن الإعلام في غالب البلدان الافريقية محاصر ومراقب في اطار مصادرة الحريات واستخلاء السلطة حصريا بمكونات الشأن العام. وليس بإمكان المواطن العاقل الذي تفاعل مع الحركة الوطنية لهذه البلدان من أجل دحر المستعمر باعتبارها حركة شرعية مندرجة في سياق حركة التاريخ ومنطق العصر، إلا أن تأخده خيبة أمل شديدة لما آلت اليه سياسات الطغمات التي سيطرت على أجهزة الدولة ودواليب الإدارة فآثرت بها بطاناتها وقبائلها وخاصتها وعشائرها وجهتها للنهب المقنع والمفضوح على حد سواء لمقدرات البلاد، وللاثراء اللامشروع تحت حماية جيوش وقوات أمن ينعتونها بالوطنية من باب التجاوز والتغطية والترهيب. وعندما يطالعنا تقرير مؤتمر الأممالمتحدة حول التجارة والتنمية بما مفاده أن المساعدة العمومية للتنمية المخصصة للقارة الافريقية سوف تتضاعف في غضون أفق سنة 2010 لتتجاوز خمسين مليار دولار، تقفز الى الذهن شتى أنواع التخوفات من أن يذهب نصيب من هذه المساعدات العمومية في جيوب خصوصية لتتوسع دائرة فقر الغالبية من المواطنين. وتحتد في وجوههم ضغوطات الجوع وتنتشر الآوبئة والأمراض ويفتك الجهل بالأهالي وتُغتال الطموحات وتُذبح الآمال مادام: «يسود بحكم العسف غزو جاهلٌ وتؤكل أكباد لنا وقلوب». على حدّ تعبير الشاعر التونسي جعفر ماجد. ولم ينس تقرير المؤتمر لسنة 2006 المنشور في موفى سبتمبر الماضي من ملاحظة أن البرامج الاصلاحية التي شملت اقتصادات البلدان الافريقية على مدى ربع قرن لم تبلغ خطوط النماء المنشودة لا سيما وأن 38,9 بالمائة من مجموع المساعدات المخصصة لافريقيا إنتفعت بها في الفترة الواقعة بين 1995 و2004 عشر بلدان افريقية! ومعروف أن هذا المؤتمر الأممي قد مكن بلدان القارة الافريقية منذ سنة 1960 من مبلغ مساعدات جملي يقدر بخمسمائة وثمانين مليار دولار .ومن ثمة فان البحث في معاني وأسباب التخلف المضاعف للقارة الافريقية مرده في واحد من أبعاده الى سوء التصرف في المال العام وفي المساعدات والهبات والقروض المفروض أنها موجهة لوضع لَبِنَات الطريق المؤدية الى النماء. وهي حقيقة يؤكدها التقرير الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) الذي اعتمد محرّروه على جملة مؤشرات استقتها من أحد عشر ألف رجل أعمال تمثلت بالأساس في قيم احترام القانون، النظام القضائي ونوعية المؤسسات والشفافية بمعانيها ومستوى البنية التحتية والتكوين والتربية. وانتهى التصنيف الى أن حال بلدان القارة الافريقية هي عامة
خيبة الآمال. وبالفعل فَأَنَّى لهذه البلدان الافريقية جميعها أن تقارن مستوى قضائها ونوعية مؤسساتها وشفافية تعاملاتها وبنيتها التحتية بالمستوى الذي بلغته مثل سويسرا وفنلندا والسويد والدنمارك ؟؟؟