مباشرة بعد أن أقرت الهيئات الإدارية القطاعية لمختلف أسلاك التعليم إضرابا إنذاريا كامل يوم 11 أفريل 2007 بدأت وزارة التربية في شن حملة إعلامية منظمة بغرض تشويه صورة نقابات التعليم لدى الرأي العام و محاولة شق صفوف القطاعات علها تنجح في إفشال الإضراب. و قد اتبعت الوزارة في حملتها أساليب تتراوح بين التضليل و قلب الحقائق و تغييب بعض التفاصيل الهامة و الادعاء بالباطل كما سخرت الوزارة لهذا الغرض إمكانيّات مختلفة بدأتها ببيان نشر ببعض الصحف اليومية التي لا تؤمن و لا تسمح بحق الرد ولأن الوزارة تعرف أن هذه الصحف غير مقروءة قامت بإصدار العدد الثالث من نشريتها « رسالة التربية « التي جاءت أنيقة في شكلها هزيلة في محتواها و قد وزعت على عدد كبير من المدرسين. و مع اقتراب موعد إضراب 11 أفريل 2007 لجأت وزارة التربية إلى أفضل وسيلة إعلامية لكن فاتها أن القناة التلفزية التونسية هجرها المشاهدون إلى فضائيات عربية تحترم ذكاء جمهورها و تمكنه من إعلام راق فيه الرأي و الرأي الآخر و ختامها لم يكن مسكا إذ عمدت الوزارة إلى إصدار بلاغ غير ملون تسلم كل مدرس نسخة منه. إن أغرب ما تدعيه الوزارة في كل ما قالت و كتبت حرصها على إطلاع المعلمين و الرأي العام على الحقيقة كاملة و حق كل هؤلاء في إعلام موضوعي ! من يصدق هذا الزيف ؟ وزارة التربية التي احتكرت كل وسائل الإعلام المكتوبة و المقروءة المسموعة و التي تهربت من التفاوض الجدي و تهربت من المناظرة التلفزية تتحدث عن الإعلام الموضوعي و لنتناول ما قالته الوزارة في مطالب المعلمين لنتبين مفهومها للموضوعية. الحق النقابي تتعمد الوزارة هنا إسقاط نصف المطلب الذي ورد باللائحة المهنية و الذي يؤكد على ضرورة «احترام الحق النقابي و تقنينه». و لنسلم بأن تقنين الحق النقابي في قطاعنا يتطلب قبل ذلك توصل اللجنة المشتركة بين الاتحاد و الحكومة إلى اتفاق و هو كلام يناقض صراحة الفصل من قانون الوظيفة العمومية الذي يشرع لقطاع التعليم بأن يكون له نظام أساسي يمكن أن يخالف أحكام القانون المذكور لكن لماذا لا تحترم الوزارة الحق النقابي المضمون دستورا و قانونا و لماذا لا تحترم الوزارة محضر اتفاق أمضته مع الاتحاد سنة 1998 ثم تم تنقيحه بمحضر جلسة سنة 1999 ما الذي يدعوها إلى إحالة النقابيين على مجالس التأديب بملفات مفبركة تكون عادة في علاقة بالإضرابات و ما الذي يدفعها إلى سحب إدارة من صاحبها بمجرد تمسكه بتطبيق القانون دون سواه و لماذا تمنع النقابات من الاجتماع بالمدرسين بالمؤسسات التربوية في حين تفتح أبوابها لاستقبال منظمات و جمعيات لا علاقة لها بالتربية و التعليم و بأي منطق تحرم النقابيين من حقهم في إدارة المدارس بصفة وقتية اعتمادا على تقارير أمنية و سياسية و لماذا تدخل في شراكة مع الغرباء عن قطاع التربية لتهديد المدرسين و ترهيبهم و تخوينهم و كيف تجعل المدارس مستباحة من السلط المحلية و الجهات الأمنية و الحزبية للحصول على معلومات دقيقة تهم المضربين و عددهم و انتماءاتهم ...؟ إن احترام الحق النقابي مطلب رئيسي لا يمكن للوزارة أن تسقطه من حساباتها و الاختفاء وراء اللجنة المشتركة. فلماذا سكتت عنه و لم تمكن المدرسين و الرأي العام من حقهم في الإعلام الموضوعي انتداب النواب عند تناول هذه النقطة تحاول الوزارة إخفاء ما يعرفه الرأي العام عن انتداب المئات دون أي ضوابط أخلاقية أو قانونية. كما تخفي الوزارة إلى الآن بعد مضي خمسة أشهر على إمضاء الاتفاقية قائمة النواب المرتبين تفاضليا الذين تم انتداب ثلثهم هذه السنة و هو سلوك يثير الشكوك و يؤكد حصول تجاوزات أما حديث الوزارة على اعتمادها وثائق الصرف لتحديد قائمة النواب الذين تتوفر فيهم الشروط المحددة في الاتفاقية فينطوي على مخاطر واضحة تهدف إلى حرمان مئات النواب من حقهم في الانتداب إن عملية إسناد النيابات كانت تتم عن طريق مدير المدرسة و متفقد الدائرة و لم تشهد هذه العملية تنظيما إداريا و ماليا إلا السنة الفارطة بعد تكليف الإدارات الجهوية بالإشراف المباشر على هذا الأمر لذلك فإن اعتماد وثائق الصرف سيحرم المئات من حقهم دون ارتكاب أي ذنب فهل يعقل أن يعاقب هؤلاء النواب لأن الإدارة كانت تتعامل مع هذا الملف بتسيب و دون توثيق كامل إن إثبات النيابات أمر بسيط إذا كانت نية الوزارة صادقة في إنصاف أصحاب الحق. فكل مدارسنا الابتدائية بها أرشيف و سجل تاريخي و دفاتر مناداة و دفاتر تقييم التلاميذ و مذكرات فردية للتلاميذ ... و هو ما يسهل التثبت من صحة ادعاء كل من قدم اعتراضا على إسقاط اسمه من قائمة المنتدبين. فهل عجزت الوزارة بكل إطاراتها و إمكانياتها على التثبت في قائمة الاعتراضات التي تقدمت بها النقابة العامة منذ شهر ديسمبر كما تدعي الوزارة بأن انتداب النواب كان مبادرة منها و لم يكن مطلبا نقابيا و يكفينا هنا إحالة الوزارة على اللائحة المهنية لشهر أفريل 2006 لتتأكد من الحقيقة التي تعرفها جيدا كما يعرفها الرأي العام الذي لا يجب أن يذهب في ظن الوزارة أنه فقد ذاكرته. فتصريحات وزير التربية أمام أعضاء مجلس النواب و لبعض الصحف اليومية في السنة الدراسية الفارطة تضع الوزارة في تناقض محرج لها أخلاقيا حركات نقل المدرسين تحدثت الوزارة في باب المغالطة عن رفض النقابة تطوير حركات نقل المدرسين و لم تشر و لو بكلمة عن مقترحها الخطير الذي يهدف إلى القضاء على ديمقراطية الحركة و شفافيتها. فالوزارة تطرح مفهوما غريبا للمركز الشاغر. فهي تعتبر أن المركز الشاغر هو كل مركز كان يشغله مدرس توفي أو تقاعد أو هو مطالب بالعمل الدوري ! إن تطبيق هذه «النظرية المتطورة» التي ترفض «الجمود» يجعل عدد المراكز التي ستنشر ينخفض إلى حدود15 ، أي أن 85 من حظوظ المدرسين في الحصول على مركز عمل يرغبون فيه ستطير مع التطوير إن التطوير لا يعني جعل المدرس تحت رحمة الإدارة في الحصول على مركز عمل كما لا يجب أن يحرم من قضى سنوات في الأرياف من حقه في تحسين وضعيته. لقد سبق للقضاة - و هم الموكول لهم إشاعة العدل بين الناس - أن طالبوا بحركة نقل عادلة كالتي يتمتع بها المعلمون، فهل لقضاتنا المحترمين رغبة في الهروب من جنة «التطور» الذي تدعيه الوزارة إلى جحيم «الجمود» الذي تتمسك به النقابة ؟ إن التطوير يعني ضمان الحقوق و المزيد من الشفافية و الوصول إلى العدالة الكاملة و احترام الاستقرار العائلي للمدرسين. كما أن التطوير يعني حق أي مواطن في التنقل من جهة إلى أخرى و هو حق دستوري لا ينبغي أن تكون رغبة الوزارة في «التطوير» مدخلا للالتفاف عليه. إن مفهوم وزارة التربية لتطوير الحركات يفهم دون عناء من سلوكها في إسناد إدارات المدارس الوقتية الذي تم على قاعدة حرمان أصحاب الحق لفائدة من ترضى عنهم بعض الجهات و من سلوكها في حركة النقل الإنسانية في بداية السنة الدراسية الحالية. منحة التكاليف البيداغوجية تتعجب وزارة التربية من مطالبة النقابة بأجرة شهر كامل لمواجهة مصاريف العودة المدرسية و تعتبر أن النقابة انقلبت على موقفها الذي كانت تطالب فيه بوسائل عمل رفضتها بمجرد أنها وصلت في «صناديق عجيبة» ! أجد نفسي مجبرا على مطالبة الوزارة مرة أخرى بأن تقرأ ما تتسلمه من وثائق لأن لائحة المؤتمر القطاعي الذي انعقد في ماي 2005 تحدثت بوضوح عن منحة تصرف نقدا في مفتتح السنة الدراسية. أما الخطأ الذي ارتكبته الوزارة و المتمثل في توفير «الصناديق» فمرده توهمها أنها قادرة على فرض إرادتها على المعلمين بتوفير وسائل تعوض المنحة النقدية لذلك فهي التي تتحمل مسؤولية ما يحصل. و هل تعتقد الوزارة أن المعلم بأنفته يقبل أن يعامل مثل المعوزين الذين ينتظرون تسليمهم صدقة معلبة في صناديق تحتوي مواد غذائية في المناسبات الدينية و غيرها ؟ أي عاقل يمكن أن يرضى بمثل هذه المعاملة و تسقط الوزارة في طرح متناقض حين تدعي أن طلبات المعلمين تعجيزية و لكنها مستعدة لمنحة ملائمة لمصاريف المعلمين بمناسبة العودة المدرسية ! و هذا عين ما يطالب به المعلمون : منحة ملائمة لمصاريفهم. لقد تهربت الوزارة و ستتهرب من نشر القائمة التفصيلية لمصاريف المعلم التي حددتها النقابة و التي تدعي الوزارة اعتمادها. إن نشر هذه القائمة سيضع حدا لأي جدل أو مغالطة و سيتبين الرأي العام - لأن المعلمين يعرفون الحقيقة - ما يكابده المعلم. و لإخفاء عدم قدرتها على الإقناع بوجهة نظرها عمدت وزارة التربية إلى اتهام النقابة بأن لها غايات أخرى من اللجوء إلى الإضراب. و مثل هذا الكلام لم يعد يقلق أحدا من كثرة ما استهلكته الوزارة لكن لا بأس أن نقول لها بأن الاستجابة لمطالب المعلمين كفيلة بإلغاء أي إضراب. و تحاول الوزارة الإيهام بقدرتها على قراءة أفكار الآخر و حتى نفسيته فتصرح بأن النقابة تبدو غير مقتنعة بتبريرها للإضراب و الدليل إدراجها لمطالب أخرى لا علاقة لها بالاتفاق. أتعتقد الوزارة أنها أمضت مع النقابة العامة اتفاق الألفية الثالثة ؟ ألا توجد لدى الوزارة لائحة المؤتمر التي تتضمن أكثر من عشرين مطلبا ؟ ألا تذكر الوزارة في أغلب جلسات التفاوض أنها تستجيب للمطالب على مراحل و كلما سمحت الظروف بذلك ؟ أم أن الوزارة تعتقد بأنها سوت كل مشاكل المعلمين المادية و الأدبية و كل مشاكل النظام التربوي بهذا الاتفاق ؟ و ما ذنب المعلمين في إدراج مطالب تتعلق بالمدارس الريفية و الانتداب و مجلس المؤسسة إذا كانت الوزارة تمضي اليوم اتفاقا لتنقلب من الغد على مكاسب أخرى ؟ ثم تتوقف الوزارة عن تحاملها المتشنج و تدخل في جوّ من المزاح مع المعلمين بترديد آخر نكتة عن الديمقراطية. فتتساءل الوزارة إن كانت النقابة أعلمت المعلمين بما تحقق من مكاسب، و نطمئنها بأن نص الاتفاقية موجود بكل المدارس بما في ذلك النائية منها و قد خرج المدرسون بالآلاف في مسيرات حاشدة للتعبير عن فرحتهم و رفعوا اللافتات و الصور ... طبعا أنا أمزح تفاعلا مع نكتة الوزارة. ثم تساءلت الوزارة إن كانت النقابة استشارت المعلمين حول الإضراب. و أنا أقدر خوف الوزارة من مزاحمة النقابة لها في عدم استشارت المعلمين. و أطمئنها بأن النقابة لا تنسج على منوال الوزارة التي لا تستشير المعلمين في الإصلاحات التربوية المتعاقبة و في البرامج و في المناهج ... و أأكد لها بأن النقابة لا تتبع إلا المثال الطيب. إن مشكلة الوزارة أنها لا تقرأ إذ يكفي أن تطلع على القانون الأساسي للاتحاد حتى تعرف كيف تتخذ القرارات الديمقراطية داخل منظمتنا. لكن لماذا كل هذا الإيهام بالحرص على ضمان استشارة المعلمين و الحال أن الوزارة تمنعهم من الاجتماع مع هياكلهم النقابية داخل المؤسسات ؟ و تساءلت الوزارة عن سبب اختيار نقابات التعليم الأربعة لنفس التاريخ لشن الإضراب وربطت ذلك بوجود غايات أخرى ! إن مثل هذه التساؤلات تكشف حجم الارتباك الذي أصاب الوزارة فعوض أن تبحث عن الخلل في سلوكها انبرت تتهم النقابات التي لن يحرجها مستقبلا مواجهة تعنت الوزارة بمزيد من التنسيق و تطويره. ثم خلصت الوزارة بعد أن أعيتها الحيلة و أعوزتها الحجة إلى استعطاف المدرسين كي لا يضربوا دفاعا عن مطالبهم و عبرت عن ثقتها في تفاعلهم الإيجابي. كان الرد يوم 11 أفريل 2007 في حجم المغالطات و محاولات الاستخفاف بالعقول إذ زيادة على مشاركة عشرات الآلاف من المدرسين في الإضراب فإن الاجتماعات العامة التي تمت يومها بالجهات أو ببطحاء محمد علي و عديد الشعارات التي رفعت تؤكد حجم الأزمة و انعدام ثقة المربين في وزارة التربية و التكوين. بهذه الطريقة القانونية و الحضارية أجاب المدرسون وزارة التربية و شركاءها على حملات التشكيك و التشويه و التخوين. سليم غريس عضو النقابة العامة للتعليم الأساسي