«من المساواة الى الشراكة» شعار بات عنوانا مغريا لأنشطة الهيئات العاملة في المجال النسوي في تونس، الهيئات الحكومية طبعا الشعار فعّال ونافذ، هو فقط يتكون من كلمتين تقعان في شكل مصدرين: مساواة شراكة، اضافة الى حرفيّ جرّهما من الى، في ارادة واعية أو لا واعية ان تجرّ الأولى الثانية أوالعكس ربما... وقبل ان نتحدث عن الشعار في دلالته الكاملة. رأيت ان نفكك معا في سياق توليدي كلمتي المساواة والشراكة في علاقتهما بالمرأة. المساواة كلمة كانت عنوان الكثير من تدخلات الدولة في المجال الاجتماعي منذ الاستقلال: مجلة الاحوال الشخصية من اجل إقرار المساواة، حقّ التعليم من اجل إقرار المساواة، تنقيح المجلة الانتخابية، حق الشغل، تنقيح قانون الجنسية... إصلاحات كثيرة تمّت من اجل إرساء مفهوم المساواة بين الجنسين في تصريف مختلف نواحي الحياة الانسانية. بلادنا كانت سبّاقة في هذا المجال: أشهر قليلة بعد اعلان الاستقلال أُقرّت مجلة الاحوال الشخصية بقوانينها المنصفة للمرأة في اكثر من مجال مقارنة بما كان سائدا... ولكن المجلة تغافلت عن عامل مهم تحدث عنه المفكر الليبي الكبير الصادق النيهوم في اكثر من كتاب من كتبه وهو تأهيل العقليات والمحيط الحافّ، اللذين يساهمان في تحميل المرأة المحررة اعباء اضافية نتيجة تذبذبها بين ما تتلقاه من معارف تنير لها طريق حقوقها وما تلقاه من سلوك مباشرة اثر مغادرتها جدران الفصل او مدارج الكلية. كانت الامهات منذ عقود لا يعرفن عمّا تتحدث عنه السلطات الرسميّة من شعارات، فلم يساعدن بشكل كبير في تمتع بناتهن بها. ولكن أمّهات اجيال الاستقلال في تونس والعالم العربي هضمن الدروس نسبيا وبتنا مسؤولات عن تربية أجيال أخرى من الفتيات... صرن يعرفن ان القانون منصف للمتظلم رجلا كان او امرأة وأن المرأة في امكانها المبادرة في طريق نيل الحقوق... ولكنهن وقفن عاجزات عن تقديم تربية قوامها المساواة بين الجنسين لأبنائهن... مازالت الأم اليوم تهيئ إبنها ليكون سيّدا وابنتها لتكون مطيعة.. مازالت الاخلاق مجزأة بين قيم لا تليق الا بالرجال كالكرامة والآنفة وعدم السكوت عن المظالم... وقيم لا تصلح الا للنساء كالصبر والخنوع وكضم الغيض وتحمّل الإساءة... مازال التفعيل الجنسي للقيم الانسانية يسود العائلة التونسية، ومازال التقسيم الجنسي لأدوار التربية ايضا يسود العائلة، فعلى الرجل ان يحظى بالهيبة ليبثّها، وعلى المرأة ان تحظى بالشطارة لتنقلها... مازالت الام تعيد انتاج ثقافة «المرا مرا والراجل راجل» داخل الاسرة ومازالت تقبل ان يعتدي الاخ على أخته فقط لأنه ذكر... لم نَرَ الكثير من الامهات يسعين لارساء ثقافة الاحترام بين ابنائهن ومراعاة خصوصية كل طرف، الاخ يحترم أخته وهي كذلك... لذلك ظل شعارا كشعار المساواة بين الجنسين شعارا فضفاضا يسبق التنظير فيه الممارسة... فمازال الرجل في كل الاوساط الاجتماعية: الجاهلة والمتعلمة، الفقيرة والغنية يتصرف كسيّد يجب ان يطاع، ومازال يمارس سلطة معنوية ومادية على قرينته فيسيّر سلوكها وتنقلاتها ويمارس الوصاية على أموالها وان بشكل غير مباشر.. مع بعض الاستثناءات هنا وهناك، حتى لا نقع في الاطلاقية او التعميم. فالمساواة امام القانون موجودة ولكن هل هي موجودة فعلا داخل الاسرة وفي الشارع وفي العمل وفي الترقيات وفي... من اجل ان نبلغ معها شعارا ثانيا نبيلٌ هو بلا شك وهو الشراكة، هذا المفهوم الذي يقتضي ان تكون المساواة متحققة أصلا، فالشراكة لغة هي التشارك والتشارك يعني النديّة والنديّة تقتضي حقوقا متساوية وواجبات متساوية، تقتضي إيمانا مشتركا بالعدالة بين الطرفين، تقتضي ايمانا مشتركا بالهدف المنشود الواجب تحقيقه داخل الاسرة على الاقل. فهل نجد اليوم نساء كثيرات تلقين تلك التربية السابقة، ولهنّ من الثقة في امكانياتهن ما يكفي للانخراط في منظومة شراكة متكافئة لا تخضع لنظام المحاصصة بمعنى ان تكون شراكة ولكن للرجل فيها غالبية الحصص: حصة السيادة والاشراف والانفاق والحرية، والاحترام والراحة... وللمرأة حصتها ولكن فقط في الاعباء المنزلية. هل هذه هي الشراكة بين الجنسين؟ هل اقتنع الرجل بالمساواة أصلا حتى يقتنع بالشراكة؟ مازلنا نسمع الرجال يرددون افكارا تتنزّل منزلة الحتميات لديهم من قبيل افتكت النساء أماكننا في العمل، احتلت النساء مواقعنا في الشارع، لا نستطيع انجاز كل الاعمال، المرأة لا تحسن القيادة، ولا تتفوّق في دراسة العلوم، وخير المرأة تلك المرأة الجاهلة التي لا تتعبك بالنقاش... وغير هذا كثير من الافكار التي يورّثها الاب لأبنه وينقلها الاخ لأخيه والانكى ان النساء يردّدنها ايضا. فكيف ستخوض النساء غمار الشراكة والنساء هنا لسن فقط أولئك المواظفات المسؤولات او الحقوقيات او الجامعيات، إنهن أمي خلف مغزلها وأختي خلف ماكينة الخياطة في مصنع بارد، وجارتي وراء المكنسة، وعمّتي امام السبورة وصديقتي في حقول القمح المشعّ في الشمال الغربي، وقريبتنا هناك تلتقط ما يسّاقط من جني الرطب في واحات الصحراء... هل يمكن ان نتحدث عن الايمان بالشراكة لديهن... هل يقبل أزواجهن بل كل محيطهن من الرجال مبادئ المساواة أصلا قبل الشراكة؟... ما الحل اذن لتطبيق هذا الشعار النبيل «المرأة في تونس من المساواة الى الشراكة» يجب أن نركّز اكثر على تثقيف النساء والرجال ثقافة المساواة، يجب ان نبرمج دروسا في الغرض داخل المدارس وفي حوانيت محو الأمية... يجب ان نطوّر النقاش القانوني حول هذه المسألة ليرتقي الى نقاش حقوقي تتضح داخله حدود كل طرف، وجب ان نسعى الى مراقبة مصادر بثّ الافكار الظلامية لدى الناشئة التي تضرب عمق فكرة المساواة، يجب ان نتحمل جميعا مسؤولية الارتقاء بفهم الاخرين، يجب ان لا نركن مع بعضهم داخل الابراج العاجية ونقتصر على رصد الظواهر بإعتبارها منتجات اجتماعية للدراسة فقط. نأمل ان يضطلع المثقّفون بدورهم في انارة سبيل الجموع الكثيرة... نتمى... هاتفي يرنّ انه زوجي يطلب مني ان أسرع بالعودة الى المنزل، لأنه يأمل ان أعدّ له طبقه المفضل ليجده جاهزا على المائدة بعد عودته من المقهى التي قصدها بعد فراغه من العمل وبعد ان أوصلني الى المطبخ...