حين رمنا زيارتها في مخبرها الزاخر بالدفء الابداعي، كانت تدرك معدن اشتغالها وفلسفة لمستها، انها الرسامة: أحلام بن عافية أصيلة مدينة القلعة الكبرى التي أبهرتنا بقدرتها العجيبة على حسن انسياب الالوان على المادة البلورية اللزجة، رغم صعوبة التقنية التي تتطلب سيطرة الاصابع على الفرشاة... وتشترط وعيا عميقا من الفنان التشكيلي بلعبة مزج الالوان خاصة إذا تعلق الامر بالاصماغ المرتبطة بمادة البلور. الرسامة أحلام بن عافية، توصلت باقتدار الى فهم قانون اللعبة وفهمت مسار عشقها للرسم على البلور واشبعته من معين ولهها بالفن وبصمتها الانثوية المتأنيّة نصيبا وافرا من التيه اللذيذ على حرير الاواني الفخارية او البلورية فاستقامت شبيهة بقصائد شعر أو عود جميل على برهة زمن معتقة بعنب الصبابة، كأس المدام المترعة بالشوق ومذاق السحر، فالزخارف والاشكال الهندسية كانت تروي حكايات شهرزاد او تختزل الايقاع المتلألئ في بلاطات الاندلس المفقود... فكأننا نشبّه لوحات الرسامة احلام بصدق مثل رجع صدى أو وقف على طلل السابقين. لما سئلت الفنانة هل تنوي ذات يوم الابحار في مدارات مختلفة ومغايرة وتحويل وجهة فرشاتها نحو الرسم الزيتي او المائي؟.. أكدت اصرارها على صنع الاستثناء ونسج موقعها المتفرّد في ميدان الرسم على البلور واعتناءها أكثر بالموروث ورصد نقطة نور والوفاء لصناعة الاجداد، بإضافة نفس جديد وبهارات العصر حتى تستطيع هشاشة البلور مقاومة النسق المتسارع لنبضات الحركات اليومية. يبقى المستقبل واعدا لهذا القطاع ان آمن رّواده بأن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة، لذا فإن التأني هي الخصلة المطلوبة لضمان الحياة لصنّاع وحرفيّي الابتكار في قطاع الصناعات التقليدية، وأحلام بن عافية من العناصر الشابة واليافعة التي غامرت بعد اكتساب الخبرة الكافية والدراسة اللازمة لاقتحام غمار فنّ الرسم على مادة البلور وجعله مرآة عاكسة للهوية الوطنية و.. شبّاك غير معهود نطل من خلاله على تفاصيل المعايش وعطر الحياة البدوية اعتزازا بإسهام السابقين وفسحة ممتعة على مسرّاتهم ثم السعي إلى تمرير روايات الماضي وعذوبة تقاليدنا الى معشر اللاحقين من أطفالنا وشبابنا لاستلهام دروس الاوّلين عملا بالقول المأثور: «من لا تاريخ له، لا مستقبل له» نحن بدورنا وتثمينا لاعمال الفنانة الشابة: أحلام بن عافية، نشدّ على أصابعها ونقدّر لمستها الابداعية ونهيب باصرارها على المثابرة والجدّ في حقول الابتكار في الصناعات التقليدية.