انتظم في المدّة المتراوحة بين 25 مارس و7 أفريل 2007 بدار الثقافة المغاربية «ابن خلدون» بالعاصمة التونسية المعرض الشخصي للفنان: رضا دحمان الذي نزّله صاحبه تحت عنوان «من أجل ترسيخ الهوية» وقد تزامن موعد العرض مع احتفالات بلدية حمام سوسة بالذكرى الخمسين لانبعاثها، لذا كان الرسام أصيل مدينة حمام سوسة من ولاية «حضر موت» سوسة بالساحل التونسي، وفيا لمسقط رأسه ملتصقا إلى حدّ النخاع بذاكرة هذه المدينة ونبضات الحياة اللذيذة التي استوقفت فرشاة رضا دحمان وأحالته على نوافذ وسهول التفاصيل المهملة ليختزلها باقتدار الرسام المحترف ويهديها لنا بمثابة مذكرات السابقين وروايات المعيش اليومي الذي بثّه بجمالية متقنة ومرافئ لتلمّس طلل قديم ورجع صدى لحركات وسكنات الناس في أزقة وحقول حمام سوسة الغزيرة بالسحر الأخاذ. يستوقفنا رضا دحمان من خلال معرضه الأخير بصدق وحسن صياغة اللحظة التي يختطفها عند مروره أمام المنازل والأبواب العتيقة فهو لا يهمل أيّة جزئية ولا يحيد قيد أنملة عمّا يشغل العين من بهارات وجمال المشاهد بل أكثر من ذلك فهو يغني ويثري لمسته برقيق إحساسه لتستقيم اللوحة شاهدة على التاريخ وبطاقة عبور نحو الإبحار في خصوصيات البلدة، اذ تطالعنا «الحومة» وغزل النساء للصوف وأناقة الاحمرار الباهر الذي هو لباس المرأة الحمّامية وتنقلها بتؤدة وثبات وعزّة نفس بين السوق والديار تحمل «الشارية» مثقلة بالشؤون والحاجيات اليومية أو قاصدة بئر «المغارسة» لجلب الماء في القلّة. في خضم هذه المشاهد البديعة يشتغل الفنان رضا دحمان على إيقاع العودة للأصول وتعتكف أعماله ولوحاته التي جالت في مختلف بقاع العالم على الموروث من العادات والمبثوث من الحكايات فبرهنت عن جدارة وانفراد رضا دحمان الذي استطاع من خلال وقفته المحلية على تأثيث موقع رشيق في المشهد الوطني واحتلال مرتفع من الشأو في البوّابة العالمية وهو الى حدّ هذه الساعة مازال صامدا عند مسعاه الفني النبيل حتّى يصنع من أعماله بطاقات بريدية تثبّت الهوية الوطنية وتجاهر بحنين استثنائي لمرح الطفولة وامتداد رقعة الأشواق للأماكن في البادية والحاضرة.. يبقى متسّع من الرغبة وجميل الإحساس حتى يصبح الفنان رضا دحمان مؤرخ صور ومجمع دفاتر قديمة وحافظ ذاكرة مدينته الأمّ. يقول الفنان رضا دحمان حول تجربته الفنية: «كلّما أردت أن أهرب من ضغوط الحياة وهمومها الاّ وكان المرسم ملجئي.. أتعقب خطرات الذهن موصولة بمراحل الطفولة فيختلط الحلم بالواقع وتتواشج الأخيلة بعبق الماضي البعيد ويتنزل هذا المعرض ضمن رؤية فنية متكاملة تتمثّل في ترسيخ الذاكرة الجماعية». مع العلم أنّ الرسام رضا دحمان يعرض أعماله منذ سنة 1973 وقد تجوّل بمختلف مدن الجمهورية التونسية ومدينتي «نجران» و»جدّة» بالمملكة العربية السعودية.. وأنجز جداريات عملاقة بعديد المؤسسات والفنادق والمنازل وقام بتأطير ثلّة من طلبة معهد الفنون الجميلة بسوسة في اختصاص الرسم الزيتي الى جانب انجازه ديكور جملة من الأعمال المسرحية ومعلّقات لمختلف التظاهرات الأدبية والفنية.