نحيي هذه الايام الذكرى العاشرة لوفاة المرحوم حسين بن قدور أحد المناضلين الصادقين في الحركة النقابية التونسية والعربية. رمز من رموز الاتحاد العام التونسي للشغل والنقابة العامة للتعليم الاساسي ... ونحن نعدد مآثر شيخنا وخصاله على مدى عشرات السنين التي قضاها بين اجيال من النقابيين والشغالين بكلمات نعرف انها مهما طالت لن تفيه حقّه ولن تأتي على كل ما قدّمه لنا بكل حب واخلاص وتفان ... انه المربي الفاضل الذي اعطى مهنته كل عناية واهتمام عمل مخلصا لواجبه فصقل الاجيال وبث نور المعرفة وحارب الجهل في ربوع تونس منتقلا من جنوبها الى شمالها وساهم في تطوير اساليب التدريس وتخرجت على يديه إطارات وكفاءات عديدة ... وساعد زملاءه واخذ بيد المبتدئين منهم وكانت اعماله البيداغوجية مثالا يحتذى به يقتبس منها زملاؤه ويستعينون بها في اداء واجباتهم .. كما كان ايضا الاخ الاكبر لهم عند ادارته للمدارس مساهما في تغيير عقلية مديري المدارس. لم يكتف الفقيد بعمله التربوي واشعاعه البيداغوجي بل اتسعت دائرة اهتماماته الى الحقل النضالي الوطني والمغاربي والعربي والى الحقل النضالي النقابي .. فقد كان مناضلا وطنيا غيورا على استقلال بلده وتحرره ومدافعا عن حرية الامة العربية ووحدتها مناصرا للقضايا القومية وفي مقدمتها القضية المركزية قضية فلسطين. كما كان مؤمنا بالمغرب العربي كمنطقة واحدة جزءا لا يتجزأ من الوطن العربي فوقف كما وقف الشعب العربي في تونس الى جانب الثورة الجزائرية ... فانخرط في العمل لمساندة ومساعدة الاشقاء في الجزائر في نضالهم من اجل التحرير الشامل ضد المستعمر الفرنسي. ان من ارتبطت حياته بالنضال والكفاح لا يمكن له ان يدخل ميادينه بهمة ونشاط وقد بدأ عمله النقابي منذ الستينات في نقابة التعليم الابتدائي من نقابة اساسية الى ان تحمل المسؤولية في المكتب التنفيذي للنقابة القومية للتعليم الابتدائي (كما كانت تسمى آنذاك) ..ولقد اسهم الى جانبه رفاقه بفعالية لنقل العمل النقابي من عمل نخبوي الى عمل جماهيري مناضل يرتكز على القاعدة العريضة الشيء الذي ادّى الى تحقيق مكاسب عديدة نذكر منها الآن توحيد اطار التعليم الابتدائي سنة 1974 حيث وقع القضاء على ذلك التصنيف المقيت للمعلمين ... ولن يكون غريبا ان يقترن ذلك بصعود شيخنا الى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل حيث واصل نضاله مع رفاقه متحديا الايقاف والتعسف والتعذيب والسجن ... فكان من بين أوائل النقابيين الذين دفعوا الثمن باهضا مقابل الدفاع عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل خلال ازمة 1978. لقد صمد شيخنا صمودا كبيرا خلال كل الازمات التي مرت بها الحركة النقابية .. ووقف شامخا في وجه كل محاولات التركيع او الترغيب ... تحمل الايقاف في السجن والتعذيب وتحمل الايقاف عن العمل وسحب خطته الوظيفية منه ... بل كان دائما يردد في احلك الظروف «ما ثمّ كان الخير» .. او «انما المرء حديث بعده». ورغم ما تسبب له كل ذلك من متاعب وامراض خطيرة كانت وراء فراقه الاليم لعائلته وللساحة النقابية فقد تحمل مسؤولياته النقابية بشجاعة واسهم في انتهاج الاتحاد العام التونسي للشغل للنهج النضالي الجماهيري وقد ظهر ذلك خاصة في الدور البارز الذي لعبه في مؤتمري قفصة وسوسة ... متمسكا بمبادىء الحركة النقابية التونسية وباستقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل ... ان ما زاد في اعتزاز النقابيين بالفقيد حسين بن قدور هو خروجه من الباب الكبير عند تقاعده من العمل النقابي او بالاحرى من تحمل المسؤولية النقابية ... فلقد كان المؤتمر الثامن عشر احسن فرصة اختارها المرحوم ليقول لاخوانه وللشغالين واصلوا النضال ... واصلوا العمل الجدي .. اني ساكون معكم قلبا وقالبا .. لقد صفق له الجميع .. وقدر وتفاؤله الطبيعي .. وحب الخير للغير وايمانه الكبير بالمستقبل. ودعوته الدائمة للتضامن النقابي وايجاد صندوق للتضامن العمالي. فالكلمات التي يرددها دوما ولا تكاد تفارق شفتيه في الظروف الصعبة هي : «ما ثمّ كان الخير» «سبّق الخير ... ما ثمّ كان الخير».. او «انما المرء حديث بعده.». لقد كان خصومه يحترمونه قبل اصدقائه نظرا لما لمسوه لديه من ايمان صادق لا رياء فيه صامدا امام المحن متفائلا بالمستقبل .. انه سيظل دوما ذلك النقابي المناضل نستلهم من ذكراه العزيمة والصمود والتفاني في خدمة الاتحاد العام التونسي للشغل. «يا أيها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي».