نظّم الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري مائدة نقاش في اطار سلسلة لقاءاته الحوارية الدورية جمعت الكثير من المختصين وتناولت موضوعا مهما ينبغي الاهتمام به، وهو الهجرة العالمية للنساء: «التوجهات الاخطار والتحديات». نصف المهاجرين وقد قدمت في بداية هذا اللقاء الدكتورة الباحثة في علم الاجتماع نبيلة حمزة التقرير العالمي لحالة السكان الذي انجزه صندوق الاممالمتحدة للسكان سنة 2006 واستعرضت فيه الاهمية التي تطرحها هجرة النساء في العالم، باعتبار ان التقرير خلص الى ان النساء يشكلن ما يقرب من نصف جميع المهاجرين الدوليين في العالم. يبلغ عدد المهاجرات 95 مليون مهاجرة، ومع ذلك لم يبدأ المجتمع الدولي الا مؤخرا في إدراك ما تنطوي عليه هجرة الاناث من امكانيات لم تستغل بشكل جيد رغم مساهمتهن في الاقتصاد العالمي وفي رعاية المرضى والمسنين والعجزة، وفي إعالة أسرهن في أوطانهن وفي الخارج، فاحتياجات المهاجرات ومساهماتهن ظلت طويلا موضع تجاهل كبير، وقد سعى تقرير حالة سكان العالم 2006، الى تناول بعض مظاهر هذا النقص الحاصل في هذا المجال، ورصد اثر النساء المهاجرات في بلدان المصدر والمقصد وأثر تحويلاتهن المالية في أوطانهن ورصد الجانب المظلم لهجرة النساء والانتباه الى ظاهرة العولمة التي أنتجت كوارث نسائية كالاتجار بالبشر واستغلال المشتغلات بالخدمة المنزلية، فالعالم اليوم كما أكدت الدكتورة نبيلة حمزة يسعى الى تثمين جهود النساء المهاجرات والاقرار بحقوقهن الانسانية ومعالجة احتياجاتهن معالجة صريحة وكافية لأن عدم القيام بذلك سيشكل نكسة خطيرة لحقوق الانسان لما يقرب من 50 من مهاجري العالم الدوليين. ثم قدمت الدكتورة حمزة بعض الارقام المربكة عن هجرة النساء في العالم فنسبتهن هي 6،49 من مجموع المهاجرين، ففي بلد كسيريلانكا ساهمت النساء سنة 1999 بما نسبته 62 من تحويلات المهاجرين البالغة بليون دورلار وحوّلت النساء ثلث تحويلات المهاجرين الفلبينيين البالغة 6 بلايين دولار في نفس السنة... وفضلا عن التحويلات المالية فإنهن احيانا يهيّئن فرص عمل لغيرهن من النساء لما يهاجرن ويتركن أبناءهن في كفالة نساء اخريات، والبنك الدولي يرى ان هجرة النساء تساهم في تحسن صحة الاطفال وانخفاض معدل الوفيات نتيجة الوعي الصحي لدى النساء المهاجرات. فالهجرة تفتح ابوابا لعالم جديد عند النساء يريْن فيه أملا في المساواة والتحرر من القمع والتمييز. تجارة البشر والاستغلال الجنسي ولكن لهجرة النساء ثمن باهظ يتجلى في الاسترقاق المعاصر لضحايا الاتجار بالبشر وفي الاستغلال الفاحش للمشتغلات بالخدمة المنزلية، فقد قدرت منظمة العمل الدولية ما يزيد عن 45،2 مليون ضحية للاتجار بالبشر عبر العالم يعيشون في ظل ظروف سخرة وقدرت ما يتراوح بين 600 الى 800 الف من النساء والرجال والاطفال يُتّجربهم عبر الحدود الدولية كل عام ومن هؤلاء تمثل النساء نسبة 80 ويشكل الاتجار بالبشر ثالث اكبر تجارة غير مشروعة تدرّ أرباحا بعد الاتجار بالمخدرات وتهريب الاسلحة. هذه بعض الارقام والمعطيات التي قدمتها الدكتورة حمزة والدكتور مراد غشام الخبير في مسألة السكان والتي تجعل المتتبع تأكله الحسرة والعجز. في تونس أشار بعض المختصين الحاضرين الى انه لا توجد احصائيات دقيقة في الموضوع يمكن الاعتماد عليها عن هجرة التونسيات سواء كانت هجرة شرعية او سرية ولكن الاكيد انها موجودة وما أمكن معرفته هو انه في تقدير ما هو حاصل تشكل النساء نسبة 25 من عدد المهاجرين التونسيين إجمالا عبر العالم. وأشارت متدخلة ثانية الى ان احداث 11 سبتمبر قد خلقت وضعا جديدا للهجرة، فالمنح الدراسية الى أوروبا مثلا غالبا ما باتت تمنح الى الفتيات ويقصى منها الفتيان، وهذا قد يخلق مهاجرات اضافيات الى بلدان الشمال من المهاجرات ذوات الكفاءة العالية. ثم ان بلادنا قد باتت مركز استقطاب لهجرة الافارقة فهي ليست فقط مصدرة للمهاجرين وذلك انطلاقا من الظروف التي خلقها وجود الجامعات الخاصة ببلادنا التي باتت تستقطب أعدادا متزايدة من الشبان الافارقة الذين يفضلون في الغالب عدم العودة الى بلدانهم بعد اتمام الدراسة. اذن يعتبر موضوع الهجرة: النسائية في العالم العربي ذا أهمية بالغة وهو وان كان اقل مما هو موجود في بلدان شرق آسيا مثلا الا انه موجود، وما منعته التقاليد والاعراف والدين طويلا بات اليوم متاحا بحكم الدراسة وعولمة البلدان وحتى الحاجة الاقتصادية، اذ تقلصت بشكل واضح امكانيات الطبقة الوسطى في العالم العربي وبات افرادها فقراء بالقياس الى غلاء المعيشة في بلدانهم لذلك يهاجر ابناء هذه الطبقة بحثا عن ظروف عيش أحسن وخاصة اذا كانوا من حملة بعض الشهائد العلمية او الخبرات المهنية، ولكن المطلوب هو المزيد من الاحاطة العالمية بهؤلاء المهاجرين والمهاجرات منهم خصوصا، فالعالم المتقدم لن يستطيع غلق ابوابه في وجه المهاجرين لأنه سيحتاج الى ما يقرب من 40 مليون مهاجر في أفق سنة 2015، والراغبون والراغبات في الهجرة لن يغادرهم الحلم في تحقيقها ذات يوم لذلك يجب ان يتم تدارس هذه الوضعيات بجدية وتنظيمها اكثر من اجل مزيد حماية حقوق المهاجرات.