.. «ونمشي في الشوارع باحثين عن السّلامة من سيدفننا إذا مُتنا؟ عرايا نحن، لا أُفُقٌ يُغطّينا ولا قبْرٌ يُوارينا» محمود درويش مديح الظلّ العالي قد لا يكون سليمًا أن نتحدّث عن الموت في حضرة شعب ثُلُثا سكانه شباب يملؤهم التحفّز للغد الأفضل وتجري دماؤهم بعشقٍ محدود للحياة وللحريّة. ولكنّ الموت حاضرٌ رغما عنّا، ويفرض ضرورة التفكير فيه على الأقلّ بين الفينة والأخرى. ومن ثمّة فإنّ الحديث عن الموت هو من صلب الحياة، ووجهٌ من كُنْهِهَا. فالموت الذي نسمّيه طبيعيّا قد فرض علينا قبوله لأنّنا لن نبلغ لدرئه حيلةً أو سبيلا لحدّ الآن. أمّا الموت الناتج عن الإعتداءات التي يأتيها المهمّشون الذين لفظتهم الدورة الاقتصادية والإجتماعية فلفظوها بدورهم وآلوا على أنفسهم أن ينتقموا، وذلك أضعف الإيمان! من إخوانهم المواطنين الذين تشبّثوا من ناحيتهم بدورة الحياة الاقتصادية لحظّ أصابهم أو لتوازُنٍ وفرته لهم العائلة والمدرسة والشارع أو لإمتياز حلّ ركبه قاصرا، أو لغير ذلك من الإعتبارات! لهذا الموت القبيح، المباغتُ، الغادرُ، «الظالم» لا يمكن أن يقبله عاقل تحت أيّ عنوان جاء. وافظعُ ما فيه أنّه يُؤلّبُ لدى المرء السويّ كلّ مشاعر الرّفض والنقمة والكفر... لأنّه يُحيلُ على خُرافة سيزيف! فمن هو المسؤول؟ ذلك القاتل الظّاهرُ أم سادة مخفيّون دفعوا بمعنى ما لهذا القاتل الظاهر إلى القتل الظّاهر على حدّ قوْل جبران خليل جبران: «وقاتل الجسم مقتولٌ بفعلته وقاتلُ الرّوح لا تدري به البشرُ» ويبقى القتل الأشقى، وهو الذي لا دم يسيلُ منه، ولا دفن يعبه كأن تقول: وهذا مُوازار آخر اغتالته الرداءةُ، أو كأن تفكّر بهذه الطّاقة الإبداعيّة والكرامة البشريّة سحقتها فدمّرتها مصالح الذين لا يُحبّون من يلتفتُ إلى الوراء ليقيّم، ويرنو الى الأفق ليُدقّق النّظر في المستقبل. إنّ الرداءة قتلٌ، والدمغجة قتلٌ، والكذب قتلٌ وكذا النّفاق! ولهذا القتل يتوجّه الى القيم والمعاني فيدمّرها ويسلب منها ومن حاملها رحيق الحياة فيهما معًا! سمعتُ شابا في الطّريق العام يحثّ صديقه بالصوت العالي: إن توفرت لك فرصة للحرق فلا تتردّد، فهذا بلدٌ لم يعُد قادرا سوى على تأمين الخبز لنا على أقصى تقدير! وسمعت شيخا في المقهى العمومي يقول بالصوت العالي: لو نهض المكافحون الوطنيّون من قبورهم ورأوا ما نرى لأعادوا الكرّة بحماسة أكثف! وسمعت فتاة تدافع على قارعة الطّريق بالصوت العالي: لا ينهض بهذه الرّبوع الاّ الدّيمقراطيّون العادلون! وسمعت شاعرا يتغنّى: «يا اللّه تُجيب أو لا تجيب أنا لئن باغتني الموتُ وفارقتُ القريب والحبيب وحشرتني في جهنّم فسأفضحُ التعذيب فالتعذيب موتٌ، وقتلٌ واغتيال.. سوف عبيد