شكرا للرياضة عموما وللكرة خصوصا على ما أصبحت توفّره من أفراح ومن مناسبات للتفريج عن الكرب ونسيان المنغّصات وتجاوز الأزمات. فقد عاشت سوسة وبقيّة مدن وقرى الساحل وأريافة وجهات أخرى منذ أسبوعين وقع ظفر جمعية النجم بلقب بطولة هذا العام، وفرح أنصار الترجي في كل مكان من البلاد بظفر ناديهم بكأس تونس وقبل ذلك بأيّام لم تنم جهة جندوبة بعد عودة جمعيتها الى فرق النخبة المحترفة، وقبلها فعلت جهة قابس وكذا فعل المواطنون في قرنبالية وبنقردان والعمران ومنزل بورقيبة والمتلوي وجرجيس. وحتى في بنزرت، حيث مازال نادي المكان مهدّدا بالنزول الى القسم الأسفل، فرح الناس ورقصوا وطبّلوا وهلّلوا لمجرّد الانتصار في مقابلة قد تكفي وقد لا تكفي. وستتواصل الأفراح هذا الأسبوع بعد التعرّف على أصحاب الكؤوس وبطولات ألعاب جماعية أخرى. أفراح لن تتوفّر في أي مناسبة، ولن تقدر عليها أي جهة، حزبا كان أو منظمة، بل أنّ أفضل انجاز يمكن ان نتصوّره في العالم لا يستطيع أن يفجّر فرحة بمثل ما تفعله الكرة. وقد كان أوائل المناضلين والمقاومين عندنا وهم يؤسسون حركة التحرير على صواب كبير عندما جعلوا من الرياضة والكرة عنوانا للهوية التونسية، العربية والاسلامية، مقابل الاتجاهات والمحاولات التغريبية وضدّا للجمعيات الأوروبية، ومدخلا علنيا للاجتماعات العامة واللقاءات المحمية من بطش الاستعمار وأعوانه، ومناسبة تتجدّد كلّ أسبوع لإثبات الذات وفرض اللون وتذكير، من قد ينسى، ان في البلاد رجالا ونساء ليسوا مستعدّين للتنازل عن ذرّة رمل من هذه الأرض الطيبة. زعيمنا الوطني الخالد المناضل النقابي ورائد الكفاح الاجتماعي تفطّن مبكّرا الى هذه المسألة وسعى بنفسه الى تكوين العشرات من الجمعيات الرياضية ونقل لنا معاصروه حكايات طويلة عن تشجيعه الكبير لهذه الجمعيات ودعواته الملحة كل أسبوع لحضور مقابلاتها خاصة عندما تلعب ضدّ جمعيات أوروبية.. وليس من الصدفة في شيء أنّ جمعيات كثيرة نشأت في النصف الثاني من الأربعينات حملت اسم الاتحاد.. وذلك في دلالة صريحة على وحدة التونسيين من أجل تحرير بلادهم. زمن جميل مضى، تقولون، يجب أن نذكره بخير لا للأسف عليه، بل للاعتبار منه... فقد تغيّرت أشياء كثيرة منذ ذلك التاريخ.. ومنها أنّ فرح الكثيرين تقابله أحزان تسببها الرياضة نفسها والكرة تحديدا، فكم من مآسٍ وجراح وآلام واعتداءات بالعنف الموغل في الشدّة والعدوانية ضربت العباد وحطّمت التجهيزات والعتاد. ومن الأشياء التي تغيّرت رأسا على عقب الدلال الذي أصبح عليه ممارسو الكرة والرياضة عموما بدءًا بالأجور المرتفعة والمنح والعناية الطبية والاقامة المريحة والكسب الوفير. زمان... لمّا كنّا نتعب، نظرا لسوء التغذية وهزال الأبدان، من تنفيذ تمرين «البومبة»، (الرياضي) كان معلمنا يشجعنا بترديد: «شم الورد، انفخ على الشربة»!