هناك بجهة الفحص وتحديدا بمصنع «فينيكس» للخياطة يعتصم ما يناهز 600 عاملا وعاملة منذ أكثر من عشرة أيّام يبيتون على الكرتون بين الات الخياطة وفضلات القماش الفاخر للعديد من الماركات العالمية التي يخيّطون تصاميمها. رمضان هذا العام كان استثنائيا لعمّال وعاملات الشركة لأنّهم اضطرّوا الى الابتعاد عن الأهل والعائلة والمكوث بالمصنع خوفا على لقمة العيش وتوجسا من الضياع والتشرّد في جهة يقتصر نسيجها الاقتصادي على بعض المؤسسات الصناعية والفلاحية ويكاد يكون مصنع «فينيكس» للخياطة الملاذ الوحيد لحوالي 600 عائلة وهو ما يجعل من فرضية غلقه وإحالة عماله على رصيف البطالة كارثة اجتماعية بأتم معنى الكلمة.
بالرغم من السمعة العالمية لهذه المؤسسة والتي ما كانت لتصل إليها لولا كفاءة عمّالها وتفانيهم في عملهم وحرصهم على مبدأ الجودة إلاّ أنّ كل هذا لم يشفع للمؤجّر الذي كان في كل مرّة يلوّح بغلق المؤسسة وطرد عمالها وحرمانهم من مستحقاتهم، هم لم يتوقّعوا بتاتا أن يذبح المؤجّر الدجاجة التي تبيض ذهبا هم حتما لا يدركون أنّ الذهب معدن رخيص لدى البعض وأنّ المصلحة الوطنية والتشغيل والسلم الاجتماعية والجوع والحرمان قد لا تعني شيئا لبعض رؤوس الأموال وخاصّة الوافدين الأجانب على بلادنا للإستثمار على غرار مؤجّر مصنع «فينيكس». عجز العمال فعلا عن فهم نوايا المؤجّر الذي عمد في مرحلة أولى إلى نقل العديد من التجهيزات والآلات الحديثة الى مصنعه الجديد بجهة زغوان ثمّ عمد في مرحلة ثانية الى إحالة ملكية المؤسسة الى مؤجّرين أجنبيين عبر احالة الحصص لكن الشكوك حول عملية البيع مازالت قائمة خاصّة وأنّ المؤجرين لم يزورا المصنع ولم يعبّرا عن نيّتهما مواصلة نشاط الشركة حتّى أنّهما لم يتابعا أوضاع العمال والطلبيات الكثيرة الوافدة على المؤسسة وهو تصرّف زاد من خوف العمال وحيرتهم في أن تكون مؤسّستهم قد بيعت في إطار بيعة صورية الهدف منها تفليس المؤسسة وخسارتها لحرفائها. هواجس ومخاوف هواجس العاملات ومخاوفهم من ضياع مورد رزقهم الوحيد أثّرت على أوضاعهم النفسية والمعنوية زد على ذلك خصوصية هذا الشهر بالذات شهر الصيام المناسبة التي تجتمع فيها العائلة، لكن عاملات وعمال «فينيكس» لم ينعموا بدفء العاذلة في هذا الشهر الكريم جرّاء اضطرارهم للاعتصام بمقر العمل وفراق الأهل والأبناء والعيش في ظروف صعبة أقل ما يقال عنها أنّها غير صحية وغير إنسانية. فالفضاءات الموجودة بالمصنع ممتلئة سواء بالتجهيزات أو بمستلزمات العمل وفضلات القماش ولا حل للعمّال سوى النوم وسط أكوام فضلات القماش يتّخذون منها وسائد وأغطية قد لا تمنع عنهم البرد لكنّهم اعتادوا عليها وعلى ملمسها. صيحة فزع على عكس المؤجّر الذي اختار حل الهروب والاختفاء والتفصي من مسؤولياته كان عاملات وعمال شركة «فينيكس» شجعان رفضوا أن يخذلوا مؤسستهم، رفضوا التهرب من وسق الطلبيات المطلوبة من الشركة وحتّى في أحلك الفترات وأصعبها كانوا مسؤولين وطنيين معتصمون لكنهم يشتغلون، المؤجّر غائب لكنهم يسيّرون المصنع كما لو كان هو حاضرا يبذلون قصارى جهدهم في أن يكون عملهم عاديا بالرغم من أنّ ظروفهم غير عادية ونفسيتهم متردية، يكدّون كعادتهم رغم الخوف والغموض والمصير المجهول، هذا في الحقيقة درس في الوفاء والمسؤولية. لقاؤنا بالعمال في المصنع كان لقاء عفويا تحدّث إلينا الأخوات والاخوة أكّدوا لنا تشبّثهم بمورد رزقهم وبمؤسستهم التي ماتزال في أوج العطاء رافضين التفريط فيها بأي شكل من الأشكال وتتدخل احدى الأخوات من النقابة الأساسية للمؤسسة لتوضّح لنا بأنّ النقابة ومن ورائها عمال المصنع لم يدّخروا أي جهد في مساعدة المؤجّر كلّما اقتضت الحاجة فقبلوا تقليص ساعات العمل والساعات الإضافية وغيرها من المطالب الأخرى التي وافق عليها الطرف النقابي والعمال رغبة منهم في الحفاظ على ديمومة المؤسسة، وتستدرك محدّثتنا لتقول بأنّ التضحيات التي قدّمها العمال واجهها المؤجّر بالجحود والنكران وكانت المكافأة التخطيط للتخلّص منهم وإحالتهم على رصيف البطالة دون موجب وتتدخّل إحدى العاملات لتؤكّد بأنّ المستثمر الأجنبي قد لا يهتم للمصلحة الوطنية ولصورة بلادنا وإلاّ كيف يسعى الى غلق مصنع يخيّط لأشهر الماركات العالمية وله طلبيات تفوق أحيانا قدرته الانتاجية، فهل يعقل أن تخضع المسألة الى أهواء هذا المستثمر وميولاته دون اعتبار لمصالح العمال ومن ورائهم عائلاتهم وأبنائهم، تتعالى الأصوات بعد ذلك لتطالب بإبلاغ صوتها الى سلطة الاشراف للتدخّل العاجل والسريع لإيجاد حل جذري يجنّبهم كارثة اجتماعية في جهة تندر فيها فرص العمل لندرة المؤسسات المشغلة، العديد طالبنا بدعوة كل الأطراف الى التحرّك من أجل انصافهم بالحفاظ على مؤسستهم وعلى مورد رزقهم. دعم ومساندة حظي العمال المعتصمون بمساندة العديد من الأطراف وفي مقدّمتهم الطرف النقابي ممثّلا في الجامعة العامة للنسيج والاتحاد الجهوي للشغل بزغوان والاتحاد المحلي للشغل بالفحص وقد تحرّكت الجامعة العامة للنسيج وتنقلت الى المصنع في مناسبتين حيث كان للأخ حبيب الحزامي الكاتب العام للجامعة لقاء بالعمال سعى من خلاله إلى تأطيرهم والتخفيف عنهم مع تأكيده على حرص الجامعة على متابعة هذا الملف وقد أفضت الاتّصالات التي قام بها مع الأطراف الإجتماعيين وسلطة الإشراف الى تحديد جلسة عمل مع المؤجّر ستنعقد يوم 28 أكتوبر الجاري وقد جدّد الأخ الحبيب الحزامي في لقاء ثاني بالعمال تمسّك الجامعة بمطالبهم ومساندتها لهم. ومن جهته يتابع الاتحاد الجهوي للشغل بزغوان والاتحاد المحلي للشغل بالفحص أوضاع العمال عن كثب من خلال زيارات يومية وقد أكّد الأخ الناصر دحدوح بأنّ الأوضاع الإجتماعية والنفسية للعمال متردية وهم في انتظار تحرّكات جدية من السلط المعنية لتمكينهم من حقهم في مواصلة العمل وضمان لقمة العيش. أمّا الاتحاد المحلي للشغل بالفحص فانّه يواكب عاملات وعمال الشركة يوميا ويسعى الى تخفيف الضغوطات عنهم وشحذ عزائمهم لمواصلة النضال حتّى حصولهم على مطالبهم المشروعة.