أصبحت العلمانية أمرا مسلما به في أغلب مناطق العالم، ولم يعد رفض الدولة الدينية موضوعا للنقاش في جل المجتمعات الحديثة رغم بعض الإشكالات التي مازالت تطرح هنا وهناك. ويمكن تعريف اللائكية بصفة أساسية وبقطع النظر عن بعض الخصوصيات بأنها عموما فك الارتباط بين الممارسة السياسية وأية نظرية دينية أو أية نظرية تدعي القدسية، وفي نفس الوقت رفض انتصاب أية فئة أو مجموعة وصية على البشر، تدعي تمثيل قوى ما ورائية على وجه الأرض وتسعى لارتهان إرادة الشعب وتوجيه المجتمع وتشكيله تطبيقا لتعاليم وقواعد تعود لقرون خلت بدعوى أنها تعاليم مقدسة ومكرسة للإرادة الإلهية وذلك على حساب ما توصلت إليه البشرية من تطور وتقدم، وعلى حساب تحكم الشعب في إرادته وتسييره لشؤونه على أساس المواطنة والديمقراطية وعلى حساب حرية المعتقد ذاتها كحرية شخصية يدنسها التوظيف ويحشرها في متغيرات السياسة. ومع التأكيد على أن اللائكية تتناقض مع الدولة الإلحادية، ومع أية سلطة تجعل من الإلحاد نظاما رسميا لها في محاربة الدين والتدين، فإن اللائكية، اليوم وقد تحول العالم بموجب مختلف أوجه العولمة إلى قرية، أصبحت تمثل شرطا كونيا للتعايش بعيدا عن التعصب الذي يرتدي فيه الجهل ثوب الثقافة وتنتصب فيه الوحشية مقام الحضارة ويتحول فيه الانتماء إلى اهوية قاتلةب. في هذه الأثناء يتميز المحيط العربي الإسلامي بمواصلة استهجان اللائكية واعتبارها دخيلة على هذا المحيط واعتبار اللائكيين غرباء إذا لم ينظر إليهم كأعداء بحيث مازالت اللائكية تعتبر منظومة قيم غريبة عن المجتمعات العربية الإسلامية. إن الانتكاسة التي تشهدها مجتمعات مثل مجتمعنا تدعو إلى الانشغال، ومن مؤشراتها الدعوات المتنامية للتراجع عن بعض مظاهر العلمانية في ميادين مثل التربية والثقافة والإعلام بما لهذه الميادين من عميق التأثير على تطور العلاقات الاجتماعية وأنماط السلوك .وتمثل مسألة حقوق النساء ومكانتهن في المجتمع محورا أساسيا لمحاولات الارتداد التي تقودها حركات الإسلام السياسي وبديهي أن مسألة حقوق النساء وتحقيق المساواة الكاملة والفعلية مع الرجال تمثل مسألة حاسمة وغير قابلة للمساومة، فهي من جوهر القناعات الديمقراطية واللائكية، فلا ديمقراطية ولا مواطنة ولا لائكية في ظل استمرار أي شكل من أشكال التمييز المسلط على النساء. ولا يخفى أن ضغط حركات الإسلام السياسي تنامى خلال العقدين الأخيرين بالخصوص، وتنوعت مظاهره، مستهدفا الدولة والمجتمع والنخب، ساعيا لاستدراج الجميع للانصهار في منظومته الفكرية والقيمية في اتجاه إقامة الدولة الدينية. ويتميز الوضع الحالي في تونس بافتقاد اللائكيين لإطار يجمعهم ويوحد جهودهم ويمكنهم، وبصفتهم تلك، من المساهمة الفاعلة في الصراعات الفكرية والجدل الدائر حول عديد المسائل المجتمعية الهامة. ؟إن اللائكيين مدعوون كمواطنين، نساء ورجالا، للسعي لتجاوز هذا الوضع وتأكيد حقهم في الدفاع عن اللائكية ورفع رايتها والعمل من أجل بلورة وتطوير ونشر الأفكار والقيم اللائكية، ولهم في التاريخ الحديث و في خصوصية تطورات مجتمعهم ما يفتح آفاقا واسعة نسبيا للعمل من أجل نشر الثقافة اللائكية. من هذه المنطلقات ولأجل هذه الأهداف، فإن بعث إطار للتعريف باللائكية وخلق منبر لها أصبح متأكدا إلى أبعد الحدود، وهو ما بادرت به واقترحت نواته مجموعة من النساء والرجال، طارحين بناء جمعية ثقافية وفكرية ينشطها مثقفون وأصحاب فكر وباحثون وجامعيون وعموما فاعلون في ميدان الخلق الفكري والثقافي ومن مهام هذه الجمعية السعي لنشر مفاهيم اللائكية وقيمها و الإقناع بها في الأوساط الفاعلة في التوجيه الفكري والثقافي للمجتمع كالمدرسين والمنشطين للحياة الثقافية والصحفيين والفنانين وأصحاب المهن القانونية، ومناضلي ومناضلات الجمعيات الثقافية والنسوية والحقوقية، وعموما كل المهتمين بالحقل الفكري والثقافي وتطرح الجمعية على نفسها التعريف بتاريخ اللائكية وتطوراتها ومختلف تجاربها واشكالياتها في بلدان متعددة، وتعمل على نشر قيمها في مجالات مثل التربية والثقافة والإعلام والتشريع وحقوق النساء والمساواة والمواطنة، ومجالات الخلق والإبداع وغيرها. ومن الضروري أن تركز هذه الجمعية جهودها حصريا على الدفاع عن اللائكية فكرا وثقافة وممارسة وأن يقع السهر على حماية هذا الإطار من مزالق التوظيف لخدمة أغراض غير تلك التي حددها له مؤسسوه ومؤسساته. تونس أفريل المؤسسون: الاسعد الجموسي (جامعي) فتحي بلحاج يحيي (مدير مدرسة) عبد الجبار اليوسفي النصيري (محام) خديجة الشريف (جامعية) صالح الزغيدي (اطار بنكي متقاعد) منية العابد (محامية) خديجة بن حسين (جامعية) نبيل عزوز (مدرس) آمنة منيف (طبيبة جامعية) هانم بن ميلاد (طبيبة اسنان) ليلى عمار (معمارية) شريف الفرجاني (جامعي) نجاة الهذلي بوبكر (جامعية) المكي الجزيري (محام) محمد صالح فليس (اطار متقاعد) هشام عبد الصمد (جامعي) نايلة جراد (جامعية) مجيد هواشي (صحافي) زهير الشرفي (مدرس) بسمة خلفاوي (محامية) مفيدة بلغيث (محامية).