تنمية لمعارف الاجيال النقابية الصاعدة وتوثيقا للصلة بينهم وبين تاريخ حركتنا النقابية وتعريفا بروادها ورموزها نورد في ما يلي في اطار إحياء الذكرى الاربعين لوفاة المناضل الوطني والنقابي المرحوم احمد التليلي مقتطفات من القصة الكاملة لحياته والتي كنا نشرناها في ذكرى وفاته الخامسة والثلاثين. كان والد احمد التليلي فلاحا كادحا معيلا لاسرة كبيرة تتركب من زوجتين وثلاث بنات وخمسة اولاد اصغرهم أحمد. * حرص على تربيتهم تربية اسلامية محافظة وقد سلم اولاده الذكور الى مؤدبين بالقرية وخص من بينهم أحمد بارتياد المدرسة الابتدائية الفرنسية. * توفي الوالد وترك ابنه احمد صغيرا حيث شغف بدروس التاريخ والحساب وكانت عيناه متفتحة على مظاهر الاستعمار والطغيان وعلى مظاهر الرفاه التي توفرها شركة فسفاط قفصة لابناء الفرنسيين بالحي الاوروبي في حين يلاحظ فقدان قريته لابسط المرافق الضرورية وكان يحدث أترابه عن هذا الحيف والقهر ويحاول ان يثير سخطهم على هذا الظلم الصارخ وكان يتزعم اصحابه ويقصد الحي الاوروبي لاستفزاز ابناء وبنات الفرنسيين. * وشغف احمد التليلي في ذلك الوقت بالمجالس الادبية التي تنظم ببطحاء باب السور وقد وصل الى نهاية تعليمه الابتدائي وفي جرابه زاد وفير من المعرفة والثقافة اهله لاجتياز امتحان الشهادة الابتدائية والحصول عليها في جوان . * واختارت عائلته ان يواصل تعليمه الثانوي بالمعهد الصادقي بتونس ونجح احمد في الانتماء الى هذا المعهد وهناك التقى بكوكبة من الطلبة جمعت بينهم مقاعد الدراسة والحس الوطني فكونوا مجموعة عمل داخل جمعية الشبيبة المدرسية القائمة آنذاك بنشاط ظاهره ثقافي وباطنه وطني ووجد أحمد التليلي في مجالها ضالته المنشودة. * وقوي عود أحمد التليلي بمزيد الالتحام بالمناضلين من الحزب والطلبة وانخرط سنة بخلية سرية شبابية للمقاومة ومن جراء ذلك اطرد من المعهد في السنة الدراسية ورجع الى بلدته والتحق بفريق الشبيبة الدستورية وكون خلية للعمل والمقاومة السرية اطلق عليها اسم «اليد السوداء» وتفطنت السلط الاستعمارية الى نشاط هذه الخلية فالقت القبض على أحد عناصرها فيما ربط أحمد علاقات بالعديد من الشبان والقياديين فكان له دور في الكفاح الوطني. * لكنه ابتعد عن كل نشاط وفكر في الشغل ولم يجد لذلك سبيلا فقرر الاغتراب والهجرة فسافر الى الجزائر في جانفي فآواه هناك احد اقاربه وادخله شريكا في تجارته ثم تعاطى خطة كاتب عمومي وكان في نفس الوقت يزاول دروسا ليلية. وتعرف هناك على عدة شخصيات وطنية وانضم الى حزب الشعب واهتم بالاطلاع على تاريخ الثورات الشعبية وبالخصوص ثورة عبد القادر الجزائري ضد الحكم الفرنسي. * في خريف سنة عاد الى العاصمة لمواصلة دراسته بالمعهد الصادقي بتدخل شخصي من أحد أعيان البلاد وتعرف بحي باب سويقة على زعماء الحركة الدستورية وشاركهم في كل المحطات النضالية ضد المستعمر الغاشم الى ان حصل على شهادة المؤهل وعاد الى بلدته حيث شغل سنة خطة معلم نائب ثم معلما ببلدة القطار وحصل خلاف بينه وبين مدير المدرسة الفرنسي فتم اعفاؤه وظل عاطلا عن العمل وتزوج فتاة من قريته لكن أوزار الحرب العالمية الثانية وتنكيل الاستعمار بالاهالي جعلت احمد التليلي ينضم الى عدد من الاهالي الذين قاموا بدور الهلال الاحمر للاسعاف والانقاذ فجمعوا الملابس القديمة والمؤن والادوية وكانت هذه الحرب حافزا للاستنهاض والانصراف الى تكوين جمعيات. ومن هنا كانت لاحمد التليلي مواعيد مع التاريخ ومع العمل التحريري والكفاح ضد المستعمر.