ما ان اعلنت احدى الشركات الكبرى بالبلاد على اعمدة الصحف اعتزامها اقامة مناظرة لانتداب 75 مساعدا فنيا موجها خصيصا لحاملي شهادة الباكالوريا علوم او رياضيات او تقني حتى غمرها سيل بل طوفان جارف من مطالب الترشح تجاوز العشرين الف طلب حسب بعض التقديرات وبعد عملية الفرز والتثبت من مطابقة المطلب لشروط الترشح انخفض العدد الى الستة عشر الف مطلب وهو ما يتطلب امكانيات مادية وبشرية كبيرة حتى يمكن اعطاء لكل هؤلاء الفرصة اللازمة لاجتياز المناظرة في احسن الظروف. هذا قبل اجراء الامتحان اما ما بعده فالامر لا يقل اهمية وصعوبة وتكلفة. ان مثل هذه الارقام المفزعة من اجل عدد من المراكز لا يتجاوز المائة يثير عديد التساؤلات التي تجعل المرء في حيرة من أمره ويتساءل بداخله هل صحيح ان عدد العاطلين عن العمل من حاملي الباكالوريا فقط يتجاوز مثل هذا العدد؟ هل هناك من ابنائنا من ينقطع عن التعليم مباشرة بعد حصوله على شهادة الباكالوريا؟ أم ان المراحل الاولى من التعليم العالي هي من الصعوبة حتى ان الطلاب لا يستطيعون مجاراة نسقها فسرعان ما يغادرون مقاعد الدراسة؟ لكني بعد التتبع وتلمس الحقائق لدى من يهمهم الامر اتضح ان هناك استعمالا لهذه الشهائد في غير محله ويقطع به الطريق امام ذوي المستويات المتوسطة وتقع بها مغالطة نتائج الامتحانات، لقد اردت الحديث عن هذا الجانب علي الفت نظر من يهمهم الامر لظاهرة اصبحت تمثل خطرا كبيرا على الشهائد التونسية حيث انه في كل عملية انتداب تهم اي مؤسسة وطنية موجهة لحاملي شهادة الباكالورريا الا وينصب على المؤسسة المذكورة كما اسفلنا الذكر طوفان هائل من مطالب الراغبين في المشاركة في المناظرة المعنية ليس من حاملي الشهائد المطلوبة فقط بل ايضا بكثير وكثير من حاملي الشهائد العليا بما يسمى (باك + 2) و (باك + 4) وهو ما يحدث خللا واضحا في عملية الانتداب ويعطي نتائج سلبية مخالفة للواقع من حيث النتائج بمعنى ان حامل الاجازة في العلوم او في الرياضيات او تقني سامي يمكن ان يعمل في خطة مساعد فني في سلك التسيير وهو تنقيص من قيمة الشهائد التونسية واستعمالها في غير محلها، وهذا في حد ذاته نوع من اهدار المال العمومي والمجهود الوطني لأننا والحقيقة تقال رغم البطالة التي يشهدها قطاع حاملي الشهائد العليا غير اننا مازلنا لم نصل مستوى ان يعمل صاحب الاجازة والشهادة العليا في مناصب تحت مستواه العلمي بكثير، لكن لقائل ان يقول لماذا كل هذه الهرولة نحو الشغل حتى من الذين مازالوا يزاولون دراستهم بالتعليم العالي؟ وفيهم من مازال في سنته الاولى من هذه المرحلة والامثلة كثيرة وكثيرة من الذين انقطعوا عن التعليم من اجل الحصول على الشغل في احدى الشركات. انا هنا لا اريد ان أتحدث عن الوساطات او التدخلات لانه لا يخلو منها عصر ومصر منذ الأزل لكن ان نتساهل مع كل هذه العشوائية في عملية الانتدابات وان يختلط الحابل بالنابل ونفقد التحكم في العدد الصحيح للبطالة بالبلاد وهو امر غير مقبول بأن يوظف طالب مازال في سنواته الاولى للتعليم ويبقى العاطل الصحيح عن العمل في انتظار فرصته التي قد لا تأتي بحكم مثل هذه الممارسات وعدم وجود وسائل المراقبة الكفيلة بالتحكم في هذه العملية الهامة والحساسة، عملية التشغيل التي تعتبر باب النجاة الذي ينظر اليه بعين حالمة كل ولي تعب وانفق وتداين وقتر على نفسه وعلى بقية افراد عائلته من اجل تلك الشهادة العليا ومن اجل الوظيفة بصفة أدق. ان هذه الاوضاع ان هي لم تلاق ما يلزمها من اهمية فان الامور ستستفحل ويولد ذلك كثيرا من القلق في صفوف حاملي الشهائد الذين يسعى الجميع لتمكينهم من عمل حتى يستفيد المجتمع من خبراتهم وتعليمهم لان التعليم يعتبر نوعا من الاستثمار للأموال العامة في سبيل مستقبل افضل للبلاد وللمجتمع على حد السواء وهو منهج تبعته عديد الامم من قبلنا وجنت ثماره على مرور الاجيال. ان الحد من هذه الظاهرة ممكن لو توفرت الارادة الصادقة من جميع الاطراف وهي في اعتقادي بسيطة ولا تتطلب اي مجهود اضافي حيث لابد من الاعتماد على ما يلي: لا يقبل اي مطلب لأي مترشح ما لم يكن مرسما بالمكتب الجهوي للتشغيل وان تعتمد بطاقة الترسيم بمكتب التشغيل كوثيقة اساسية بملف المترشح. ان تسند وزارة التعليم العالي شهادة انقطاع عن التعليم لكل طالب لم يجتز المرحلة الاولى من التعليم العالي لتكون حجة اثبات بأن المترشح للمناظرة مستواه الفعلي هو شهادة الباكالوريا فقط والتي يمكن ان تكون ملحقا لشهادة الباكالوريا في ملف المترشح. ان تقبل شهادة الباكالوريا في سنتيها الاوليين الا من استظهر بما يفيد انقطاعه رسميا عن التعليم من مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي.