استجابة لطلب ملّح من صديق عزيز، أخصص حلقة هذا العدد للاشارة الى موضوع النظافة، إشارة فقط لان الحديث فيه طويل وأكبر من أن تحويه مساحة صغيرة مثل المساحة المتاحة لهذا الركن. فأوجه نداء ملحا الى كل المسؤولين وكل القائمين وكل العاملين أن اهتموا بالنظافة اهتماما كبيرا وابذلوا ما استطعتم من جهود وابتكروا ما تيسّر من أفكار لتنظيف المدن والقرى والشوارع والقضاء على كل مظاهر الإخلال بقواعد النظافة. أتوقف هنا عند تجربتين، الاولى بدأتها منذ اعوام بلدية العاصمة وتتمثل في ملاحقة الاوساخ أينما وجدت وأيا كانت ورفعها، لكن التجربة تقتصر على بعض المناطق او الشوارع دون سواها. والرأي عندي ان يقع تعميم التجربة على كامل الاقليم وان تتجه كل الجهود وان يشترك كل الاطراف في هذا العمل الذي يجب ان لا يتوقف مهما كان السبب. والرأي عندي ايضا ان لا تتأخر المصالح البلدية عن رفع اية فواضل (بناء أو غيره او اغصان اشجار) او اية اوساخ وان لا تتعلل بأي سبب أو ذريعة، والمهم ان تقوم بالعمل في اسرع وقت وان لا تتوقف عنه مهما كانت العراقيل. والرأي عندي ان لا تحسب المسألة يدا عاملة وتكاليف وآليات على مستوى حيّ او منطقة او شارع بل يجب ان نراها صحة وسلامة واستثمارا في الصورة الجميلة لعاصمتنا وباقي المدن دون استثناء وخاصة منها المدن السياحية في الساحل أساسا وكذلك في الجنوب والشمال والرأي عندي كذلك ان نحمّل الملوثين مسؤولية الاوساخ التي يتركونها او يفرزونها مثل المؤسسات والمصانع والادارات وكذلك القائمين على الاسواق الاسبوعية او المختصة، حيث يجب ان نفرض عليهم واحدا من أمرين، إما أداء توظيف رادع يعود لبلدية المكان او القيام بعملية تنظيف مثالية لأي سوق يتولونها. والرأي عندي أخيرا ان يقع تحفيز اعوان التراتيب والمراقبة في البلديات المكلفين بمعاينة المخالفات بتمكينهم من منح فورية مجزية عن كل مخالفة ينبهون اليها وذلك قصد دفعهم الى مزيد العمل من جهة والى إبعاد امكانيات الرشوة عنهم من جهة اخرى. أما التجربة الثانية التي اريد التوقف عندها بهدف الثناء عليها وتشجيعها فهي المتعلقة بالنظافة في الطرقات السيارة حيث نلاحظ انها فعلا نظيفة وان أعدادا من العمال يرابطون باستمرار في طولها يجمعون ما يمكن ان يكون مصدرا للأوساخ فيها ويضعونه في أكياس، تمرّ شاحنة مختصة لرفعها بتواتر معقول. والحاصل ان الطرقات السيارة نظيفة والذي يجب ان يحصل هو تعميم الفكرة في كامل الطرقات دون اسثناء. تسألون طبعا عن دور المواطن في الموضوع، وهنا أقول انه اكبر دور، بل ان المواطن هو المسؤول الاول عن النظافة في المدينة وفي البلاد كما في البيت. ورغم ان ما نراه من سلوكات يصيب حقا بالاحباط، فإن الواجب يفرض ان نكسب التحدي كبلديات وأجهزة وأطر مسؤولة عن النظافة، والتحدي هو ان «نلاحق» المواطن وان يكون هدفنا تغيير السلوكات التي يأتيها برمي أوساخ منزله في الشارع والقاء فواضل مبانيه في ساحة الحي وغيرها كثير، وذلك من خلال التوجيه والاعلام والتثقيف ولكن ايضا من خلال العقاب والردع لا فقط من خلال الخطايا المالية ولكن كذلك من خلال الحرمان من بعض الخدمات والامتيازات. أختم بإشارة أخيرة الى نشاز أتاه مواطن، كان في الصيف القائض، مرتديا بدلة كاملة بما فيها ربطة العنق، خرج بسيارته السوداء سواد نظاراته من احد المستودعات السفلية، سار بعض الأمتار، توقّف في الاشارة الضوئية الاولى وفي الثانية فتح الباب واستغل الفرصة للتخلص من كمية من أعقاب السجائر وكمية اخرى من البصاق يبدو انها كانت تكتم أنفاسه، ثم أغلق الباب وانطلق كالسهم ملاحقا الطابور الذي فاته ببعض الامتار. صديقي الشامي (الدمشقي) المتيّم بحبّ تونس، الملتصق بأبناء شعبها قال لي ذات يوم في حيرة: فهمت في بلدكم كلّ شيء إلاّ أمرا واحدا وهو قولكم: أقعد واقف!