وتعطرت العرائس في المدن .. وارتدين كساء الملائكة المخاط بحرير الجنان .. وجئن يتبخترن بحنائهن .. في حرقوسهن البديع كما تتهادى الابل في عمق الصحراء، جئن الى الجم الى محراب قصرها .. حيث روح القداسة وظلال الحب جئن الى موطن الأبرار وأرض الأحرار المخلصين للوطن .. لرجالاته الأوفياء .. الذين صنعوا مجدنا .. وزرعوا زهور الأمل بحواشي بيوتنا .. فالاحلام هي الاحلام .. وحشاشة لن تذوب في قلعة تستقبل ضيوفها الكرام بالتهليل والتبجيل . ولطف الكلام .. الذين حطّ بهم قطارنا الموسيقي ليعيشوا أروع اللحظات .. مع التاريخ .. مع الابداعات .. مع جيمي كليف قاتل المراهقات عشقا .. بأغان زادتنا الى الجم حبّا وشوقا .. والجم التي فتحت ذراعيها لتغمر زائريها في احضانها بالسعادة .. وتغريهم بالابتسام دعتهم للاستمتاع بمهرجانها لما فيه من بهجة وجمال .. اننا اليوم نحس بالفرح يقطر من جوانحنا .. ونشعر بالهناء يفيض من بين جوانبنا .. وخيل الينا أن كل ما حولنا حتى الطبيعة الجميلة تشاركنا فرحتنا .. والكون بدا لأعيننا أكثر اشراقا .. وقد زاده هلال العشرة أيام حسنا وبهاء.. يا للروعة .. يا للضياء.. هل نحن فعلا في الجم !.. تحدثنا عن المفاجآت .. وها هي قد حصلت .. وها هو التتويج في ليلة الخميس .. الليلة الكريمة .. بل هي عظيمة بعظمة انجازاتنا .. ليلة اعلان الجمهورية المباركة .. جيمي كليف أمير الريقي في الجم!.. في مسرحها ...في أحلى المعالم التاريخية .. جيمي غنى فرقصت السائحات وبكت المراهقات.. جيمي في حضرة أكثر من ثلاثة آلاف متفرج من مختلف الربوع والطبوع .. كان حفلا أسطوريا فوق الوصف وأسمى من التعبير .. ستخلده الذاكرة .. كيف لا ونحن نعيش ليلة الحلم الكبير ... ليلتها شاهدنا وبكينا لتلك الصور الملحمية البهيجة التي لن تتكرر إلاّ في الجم وحدها.. بحور المدائن والكنائس يتصاعد من فيحاء الجميلة ليرسم لوحة ساحرة في الفضاء .. معا من أجل تونس .. فعقبتها زغاريد النسوة المنبعثة من البيوت القديمة .. من الصوامع وقبات الجوامع .. لتكون فسيفساء أخرى وفاء للتغيير .. وفاء للجمهورية يا الله ما أعجب القدرو ما أبعد الفرق بين الأمس واليوم .. فخرج أطفال لنا من مقاصر مسرحنا .. في أبهى حلّة في بدعيات حمراء كرمز وتحية من أهالي الجم للشهداء .. حاملين العلم .. حاملين صورة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي، حاملين شعار الجمهورية مرددين «إذا الشعب يوما أراد الحياة».. هنا وقف الجميع من مختلف الطبقات والجنسيات اجلالا للوطن وتقديسا للعلم .. هاتفين باسم تونس وقائدها.. فامتدت الأيادي بالتصفيق الحار ورددت الحناجر «حماة الحمى» ! . خشوع كبير خيم على المدارج ومعه أدمعت مآقينا حبا لهذا الوطن وفداء لمن عبدوا لنا طريق الأمن والآمان .. ثوان قليلة وانطلقت من حنايا قصرنا خمسون حمامة احتفالا بيومنا الآغر وكأنها تقول تحيا تونس، تحيا الجمهورية قصر الجم تحول في لحظات إلى جنّة الدنيا إلى فردوس الحياة فزرع جيمي كليف الأمل الحلو الذي أشرق على قلوب العذارى فأسعدها وأغانيه المتنوّعة.. عن الحب والهجر.. عن أعظم الكائنات.. عن الظلم والحرمان .. بددت ظلمة النفوس وتسربت الى الجوانح فغمرتها بسناها أغان عبثت بالأرواح وبعثرت أوراق العشاق وأسالت دموع ورد الربيع ... وألحان أوقعت نبضاتها على أوتار الأفئدة الحزينة .. فكانت كشهد العسل .. جمع لذائذ الدنيا كلها في رشفة مسكرة .. نعم لقد اسكرتنا روائع الريقي وشطحات النواعم فكانت غذاء المحروم وراحة المكلوم ورجاء اليائسين. أغان فيها السحر العجيب لامست الأوراح الخامدة... فانتعشت ودبت فيها الحياة .. فانهمرت دموع أجمل المراهقات .. كانت الليلة هادئة أحلى من بريق الشفاه وأحب من عرائس الماء.. وأشهى من رؤى المحبين .. وكان للنسائم الهاربة ترف كالأماني الحلوة في نفوس من بالابداع مولعون.. وبقصر الجم زائرون ولسهرات المهرجان عاشقون وبها متيمون .. والهلال المتربع في كبد السماء يرسل بقبلاته ليطبعها على خدود الورود .. التي زينت كل شبر من مدينتنا .. وتقبل رؤوس الياسمين .. وقلائد فل وشحت صدور الحالمين .. تنثر بالشذى .. وتعبق بالأريج .. تعطرت الكوليزي وأحلام البنات اللاتي أتين لاقتطاع فصلا ولو صغيرا من الزمن .. من العبث الطفولي فيحيين ذكرياتهن على نخب الريقي .. أليست السهرة بإمضاء الأمير جيمي .. لن تبرح ذكرى تلك الليلة الخالدة من خيال قاصدي الجم والعابرين منها ، وعشاق جيمي كليف .. ولن يستطيع الزمان محوها من القلوب .. لأنها بحق أجمل وأحلى الذكريات وأعظم ليالي المهرجان .. أنها ليلة الثلاثاء .. 24 جويلية ليلة أعادتنا الى نحو سبع عشرة سنة خلت .. الى السبت 24 جوان 1990 يومها غنت الزنجية بربرا هندريكس للسلم والحنين .. للأم .. والمساكين .. بربرا هي أول ابتسامة صادقة لنجاحات. مهرجان الجم الدولي 24 جوان 1990 أحسن صورة وأسمى حلم لم تقدر البشرية قاطبة على نسيانها .. فما أجمل الذكريات وما أضعفنا حين ننكر الماضي .. حين تطوف بخيالنا النفحات المعطرة من روائع الموسيقى السمفونية حتى تذوب ارادتنا .. وتلين قناتنا .. ونعود لذكرياتنا خاضعين .. اننا سنظل نهتف باسم تونسنا .. باسم السلام والتغيير .. باسم الجم وروائعها .. مع كل نفس يتردد من أنفاسنا .. ممنين العودة .. كلما اختلجت أرواحنا وثارت أشواقنا .. وأدمعت مآقينا .. فشكرا لسي المبروك بأن حوّل الكوليزي إلى جنة وارفة الظلال بل أنشودة جيدة النظم وعذبة النغم .. أكيد أننا و «الشعب» سنعود .. الى الجم .. الى قطب الوجود فجيمي ذكرنا بما في العهود .. وان كان هذا الأسود قد صنع من ربيع الجم وصيفنا الفريد خميلة ينبعث منها العطر المنعش والشذى الجميل يخلب الآلباب .. وإذا كانت أغاني أمير الريقي جيمي قد اغرقت مدارج المسرح الاثري في بحر من دموع الآنسات والسيدات العاشقات للفن .. و الايقاعات .. فما بالنا لو اتسعت رقعة الابداع ... و تكرم المهرجان على جمهوره العريض من عديد الجنسيات والثقافات باستقدام المطربة الصاخبة مادونا ..أو نجم الأغنية الرومنسية باتريك برويال .. ولم لا تكون سيلين ديون نجمة قصر الجم وآلهته الفاتنة ؟ .. ولم لا يكون الشاب خالد أو ماريا كاري ؟.. فمدينة الأمجاد تطمح الى ما هو أرقى وأفضل .. الى الاسعد فبالتأكيد ستكون قصة اخرى ووصفا يفوق معاني الكمال ... ومن خلال جريدتنا «الشعب» ستتحقق الآمال ... فاللسان سيظل يلهج بالشكر لرجل يسعى حتى تكون الجم في أعلى عليين .. انه العزيز سي العيوني.