دارفور، الإقليم السوداني الذي يمسح 549 ألف كم2 أي ما يعادل مساحة فرنسا حاليا يحدّ ثلاث دول، وهي ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى لا وجود لحواجز طبيعية بينه، أي هذا الاقليم، وهذه الدّول... تسكن هذا الإقليم أكثر من مائة قبيلة ذات جذور عربية وأخرى إفريقية، منها على سبيل الذكر، لا الحصر، الزغاوة، الرزيقات، الفور، المراريت، القمر، البرقد وغيرها. تعيش هذه القبائل على تربية الماشية والرعي.. لذلك يتنقل افرادها من موقع لاخر بحثا عن العشب للمواشي، ولو كان ذلك بإجتياز الحدود الدّولية.. ونظرا لاتّساع مساحة السودان فقد تمّ اقرار النظام الفيدرالي بالبلاد سنة 1991 بموجب المرسوم الدستوري الرابع، وفي سنة 1994، تم تقسيم البلاد الى 26 ولاية، وتجسيما لذلك يكون إقليم دارفور مقسّما الى ثلاث ولايات وهي شمال دارفور جنوب دارفور غرب دارفور.. جميع سكان هذا الاقليم يدينون بالاسلام واختلطوا فيما بينهم بالزواج والمصاهرة إلاّ انّ هذا الاقليم ظلّ مهمشا طيلة قرون وهذا الوضع السيّء يزداد سواء بالجفاف والقحط فينتشر الصراع على المواقع الخضراء وتكون الحروب بين القبائل وقد ازدادت هذه الحروب اثناء ربع القرن الاخير فمنذ الثمانينات من القرن العشرين، وتحديدا اثناء الفترة من 1980 الى سنة 1991 خاضت قبيلة الزغاوة 6 حروب، حتّى انّ بعض الباحثين نبّهوا الى صلة الحروب القبيلية بالمطر كلّما شحّت السماء، كانت المواجهة بين القبائل اكثر ضراوة وأشدّ شراسة من أجل المرعى والنّهب. منذ القديم حكم هذا الاقليم زنوج «الدّاجو» حتّى القرن 14 ميلادي وخلفهم «التنجور» العرب الذين وفدوا على الإقليم حاملين معهم العقيدة الاسلامية من «بورنو» و»واداي»... وكان اول السلاطين العرب هو السلطان أحمد المعقور وتوسّعت السلطنة حتّى شملت مناطق النّيل و»عطبرة» في البدء، كانت عاصمة الإقليم هي «جبل مرّة» ولما ولي السلطان عبد الرحمان الحكم جعل من «فاشر» عاصمة لملكه وفي سنة 1875 م، استولى على إقليم «دارفور» باسم مصر، الزبير باشا وفي سنة 1883 م، أخذها الدّراويش (عن الموسوعة العربية الميسّرة : ص : 773). في سنة 1899م تم الاعتراف بأحد احفاد السلاطين، وهو السلطان علي دينار من طرف الحكومة السودانية ثمّ سحبت هذه الحكومة اعترافها وحاربت علي دينار حتّى قُتل سنة 1916م، وتمّ ضمّ إقليم «دارفور».. ورغ تمتّع هذا الإقليم بثروات طبيعية ضخمة مثل: الثروة الحيوانية والحديد بنقاء يبلغ 80 والنحاس وأساسا «اليورانيوم» فمنذ استقلال السودان سنة 1956 ظلّ مهمّشا ولم ينل سكانه نصيبهم من التنمية حسب رأيهم... لذلك نجد بعض محاولات تمرّد الاقليم على السلطة المركزية في الخرطوم ففي اكتوبر 1964 تم بعث تجمّع سياسي، عرف ب «جبهة نهضة دارفور» وكان من أبرز رموزها: أحمد إبراهيم دريج، وهو من سلالة سلطان الفور في جبل مرّة... وكذلك علي الحاج محمد، وهو من قبائل «البرنو» الافريقية وكانت مطالب هذه الجبهةتتمثل في التنمية السياسية والاقتصادية والمشاركة في السلطة واقتسام الثروة وكان منهجها سياسيا ولما فاز احمد ابراهيم دريج في الانتخابات التشريعية سنة 1965 جذبه «حزب الامّة» الذي يتزعمه الصادق المهدي اليه اما رفيقه علي الحاج محمد فقد تمّ استقطابه من طرف الجبهة الاسلامية القومية التي يتزعّمها الدكتور حسن الترابي.. وبعد مضيّ سنوات، عاد احمد ابراهيم دريج للحياة السياسية سنة 1994 وانشأ تنظيما تحت اسم «التحالف الفيدرالي الديموقراطي السوداني»، وحدّد برنامجه السياسي بما يلي، حسب ما ذكره الباحث إجلال رأفت (أزمة داوفور: أبعادها السياسية والثقافية). إيقاف الحرب الاهلية. إقامة نظام فدرالي او كونفدرالي في السودان. إعتماد مبدإ عدم التمييز بين المواطنين على اساس الدين او العرق او الجهة او الجنس. فصل المؤسسات الدينية عن المؤسسات السياسية وهذه المبادئ قريبة من المبادئ التي صدرت عن «الإيغاد» سنة 1993 لحلّ مشكلة تمرد الجنوب بقيادة (قارينغ) باستثناء حق تقرير المصير، اي الانفصال عن السودان. اما اليوم فإقليم «دارفور» به حركات عسكرية تتمثل في الحركات التي ذكرها إجلال رأفت: حركة تحرير السودان: وهي حركة عسكرية مسلحة ظهرت في فيفري 2003 وتتكون اساسا من قبائل: الزغاوة والفور والمساليت والبرتي، ومعها ايضا بعض القبائل الإفريقية الجذور... يتزعّمها سياسيا عبد الواحد نور، وعسكريّا مني أركوي مناوي والاول من قبائل فور أمّا الثاني فهو من قبائل الزغاوة.. في البداية كانت اهداف هذه الحركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة في السلطة، ووقف الهجمات التي تقوم بها القبائل العربية ولهذه الحركة تمثيل او فروع في الخارج واصبحت تنادي بالحكم الذاتي فيما بعد وانضمت الى «التجمّع الوطني الديمقراطي المعارض» وصارت تنسّق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (المتمرّدة في الجنوب) ومؤتمر «البغا» في الشرق. حركة العدل والمساواة: تشكّلت هذه الحركة سنة 2003 اي بعد حركة تحرير السودان ببعض الاشهر وهي بدورها مكوّنة من نفس القبائل التي تكونت منها حركة تحرير السودان وهي الزغاوة والفور والمساليت يقود جناحها السياسي خليل ابراهيم وهو من الزغاوة ويتبع حزب الجبهة الاسلامية بقيادة حسن الترابي والجناح العسكري يقوده العميد التيجاني سالم درّو، وهذه الحركة أكثر تنظيما وإحكاما من حيث هيكلتها ورؤيتها السياسية.. من ارائها: وحدة السودان في إطار فدرالي يحكم السودان رئيس جمهورية ينتخب مرتين لكل مرّة اربع سنوات ويكون من الاقاليم وهي: الشمال الجنوب الشرق دارفور كردفان الوسط الخرطوم. التوازن التشريعي لا يكون إلا بإيجاد مجلس للشيوخ الى جانب مجلس للنواب. مليشيات عسكرية: هناك ما يعرف ب «الجانجويد» أي جاء صاحب الجواد.. وتتهم القبائل ذات الجذور الافريقية السلطة المركزية في السودان بأنّها هي التي تعدّهم وتسلّحهم وتحرّضهم على القبائل الافريقية للقتل والنّهب.. وهم اي «الجانجويد» من القبائل العربية.. وفي سياق حديثنا عن هذه المعارضة العسكرية لا بدّ من الاشارة الى أنّه سنة 1990 تمّ إنشاء حركة عسكرية من طرف: داود يحيى بولاد وهو مهندس ينتمي سياسيا الى الحركة الإسلامية.. ولكن بولاد كان يعتمد في نشاطه العسكري على جيش قارنغ فتمّ القضاء عليه وإنهاء التمرّد.. ومما يلاحظه المرء أنّ الحركتين قد حققّتا تطوّرا كبيرا وسريعا ساعدتهما ظروف داخلية وخارجية على تحقيقها من ذلك ان السودان يئنّ تحت وطأة تمرّد في الجنوب يتحرّك بدعم أوروبي وأمريكي غير محدود وتمرّد في الشرق تقف وراءه هذه الدوائر الاستعمارية لذلك سلطت الاضواء على هذه الحركات في دارفور فصوّرت بشكل يفوق حجمها وتعاملت الحكومة السودانية مع القضية بصفة «أمنية» لكنّ الضغوط الدولية والرفض داخل دارفور حملها اي الحكومة على اجراء مفاوضات اكثر عمقا ولكنّ الرفض موجود وكان إتفاق «أبوجا» الذي يتضمّن تحسين الوضع الانساني وتعزيز الامن داخل الاقليم، منع طيران الحكومة من التحليق في اجواء الإقليم، نزع أسلحة الجانجويد واعتبار نظام الحكم فيدرالي بالاضافة الى الحريات وغيرها. أخيرا نقول أنّ هذا المقال لا يقدّم الصورة الكاملة للقضية التي زاد تعقيدها القرار الاممي رقم 1564 والتهديد بالتدخل الاجنبي ورفض الحكومة السودانية لذلك.. لهذا نرى أنّ وقوف العرب الى جانب الحكومة السودانية واجب مقدّس لأنّ النوايا الاستعمارية باتت واضحة كما ان دعم هذه الحكومة في رفضها لدخول القوات الاستعمارية تحت المظلة الاممية للآراضي السودانية والعمل على مساعدة السودان على إيجاد الحلول للقضايا العالقة بالإقليم، وإن لم يكن هذا فالحريق قادم وسوف يلتهم الجميع.