تنبيه يكاد يجده القارئ (المدخن) على أغلب علب السجائر، الفاخرة منها وغير الفاخرة. ومع ذلك فإن هذا القارئ يجتهد في حرق أصابعه وشفتيه نكاية في ذلك التنبيه الذي يتجاهل حقه في التدخين ويعمل على تحويله الى مجرد قارئ يتملكه الخوف كلما قرأ نصيحة تتعلق بأمور صحته وسلامته. يحدث أن يكون القارئ كاتبا وفي هذه الحالة يتضاعف الهيام بالسيجارة الى حدّ يمكن اعتبارها عضوا من أعضائه البيولوجية ما إن يتم التخلص منه بعملية جراحية حتى يستأنف نشاطه في اليوم الموالي. يدخن الكاتب بشرهة لانه قارئ أيضا ويجد في ثنائية مهنته ما يجعله يطالب بحقه في تدخين علبتين أو أكثر في اليوم الواحد متذمرا من أن ساعات نومه القليلة هي التي تحرمه من جميع الارقام القياسية في رضاعة السجائر. سيجارة أخرى وأمسك بناصية الفكرة! سيجارة إضافية ويأخذ المخطوط طريقه الى النشر ! هكذا يعلل الكُتّاب مرضهم الدخاني، والأكيد أنهم لا يخجلون من أن تكون سجائرهم في المطافئ وسجائرهم الاحتياطية بين شفاههم، بل يعتبرون ذلك علامة من علامات النبوغ. التدخين مضرّ بالصحة ما في ذلك شك وعدد الذين يموتون بسبب السجائر يتضاعف يوم بعد يوم لذلك عملت السلط، في جميع أنحاء العالم على تقليص المساحات العمومية المسموح فيها بتقبيل السجائر جهارا. أين سيدخن الكاتب إذن؟ الكاتب الذي يقرأ أيضا لكي يستطيع الكتابة؟ في بيته. ولكن في البيت زوجةً وأبناءًا قد تكون علاقتهم بالتدخين غير متسامحة. بدأت مساحة الحرية تتقلص أمامه. فليدخن في كتابته إذا أراد عَلّ الورق يشتعل وهو يهمّ بالكبريت أو بفكرة التدخين ذاتها!
دخان سجائر كبريت .. حرائق أجساد تحترق وشموع تضيئ تلك هي الكتابة على ما يبدو ولعلّ الحكمة تقتضي قبول الجيرة مع السرطان وضيق التنفس نتيجة المعركة .. ويبقى السؤال قائما: ما السرّ في التشابه بين القلم والسجائر؟ والكتاب وعلبة السجائر؟ وورق التبغ وورق الكتابة؟؟؟