منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة جديدة من تاريخها بعد ان انتقلت ايران من دولة ثورية الى قوة إقليمية.. وكان الملف النووي، الذي شغل الأمم والشعوب، وأربك القوى الاستعمارية... جعل ايران عنوانا للمنتظم الأممي وكل الدوائر الغريبة التي تشنجت وتوعدت بالويل والثبور لهذه الدولة الاسلامية التي تخطت الحدود الحمراء التي حطتها القوى الاستعمارية في أوروبا والبيت الابيض الامريكي، والمتمثلة في العمل على تحقيق مستوى الاستعمال السلمي للمواد النووية.. هذا الملف تضاف اليه التصريحات النارية للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الذي بشّر فيها بزوال دولة الصهاينة معتبرا «أنها أنشئت على أسس باطلة فمصيرها هو الزوال»... فهذه التصريحات ألهبت أحقاد الصهاينة فباتوا يبحثون عن «طريقة للرد» والقضاء على هذه القوة الصاعدة.. وتلتقي في هذه الرؤية مع البيت الابيض الامريكي.. والسؤال الذي يطرح، والذي تعقبه أسئلة عديدة، هو هل تقدم الولاياتالمتحدةالامريكية على شن حرب على ايران؟ وهل ستكون وحدها أم بالتعاون مع الكيان الصهيوني؟ هل تقدم دولة اسرائيل على المغامرة بمهاجمة ايران؟ والجواب يحتّم افترضات نقدمها، مبرزين التداعيات التي يمكن ان تطرأ بعد ذلك... بالنسبة للولايات المتحدةالامريكية تحرص على عدم امتلاك ايران للسلاح النووي خصوصا انها تجاور منطقة نفطية هامة اي الخليج العربي وبحر قزوين.. ورغم حرصها على محاصرة بعض الدول كالصين والهند التي تفتحت شهيتها لاستهلاك النفط بشراهة، فإنها لا ترغب في فتح جبهة حرب ثالثة بعد مستنقع العراق ووحل افغانستان وصعود الديموقراطيين داخل الولاياتالمتحدةالامريكية.. وهي تعلم ان الحرب ستغرقها في هوّة تكبّدها الخسائر الفادحة، وتنتهي بخروجها هاربة تجر خلفها هزيمة قد لا تنسى قبل نصف قرن.. فالحرب خسارة وعدم الحرب ايضا خسارة، وبالتالي تفقد هذه الدولة العظمى هيبتها التي بدأت تتآكل بتمرد بعض الدول مثل كوريا الشمالية، ايران، سوريا، السودان... الخ. أما اسرائيل فإنها تشعر ب «تهديد حقيقي لوجودها» واذا أرادت شن حرب وقائية فإنها ستتكبد الخسائر الفادحة والفادحة جدا... وهي تتذكر جيدا ما فعله بها حزب الله في جنوب لبنان بصواريخ «الكاتيوشا» التي تعتبر كاللعبة بالمقارنة بالصواريخ الايرانية.. ومهما قيل عن «عدم دقتها» فإنها تخلّف دمارا وياله من دمار في كامل الأراضي الصهيونية.. واذا لجأت الدولة العبرية الى السلاح النووي فإنها قد لا تسلم من السلاح الكيمياوي الايراني والشحنات النووية للصواريخ البالستية المدمرة.. لذلك يكون إقدامها على حرب وقائية ضد ايران هو مغامرة متهورة ضررها اكثر من فائدتها.. وبعد هذا، هناك أسئلة تفرض نفسها، وهي: كيف يكون الموقف بعدئذ؟... أكيد سوف تدعّم ايران موقعها الاقليمي، وتجنح أوروبا والولاياتالمتحدةالامريكية الى تحسين العلاقة ومعها، والتودد اليها... وفي لحظة تغيير هرم السلطة في ايران الديموقراطية يحرص الغرب على تقريب الشقة بينها وبين الكيان الصهيوني.. ولكن هذا الواقع الجديد سيفقد مصر الدور الاقليمي المعتاد لأنها سوف تفقد هيبتها في الشارع العربي وعلى المستوى الرسمي.. اما دول الخليج فسوف يكون مصيرها غائما، لأنها ستكون تحت «ظلال الدولة الايرانية»، وستتخلى عنها الولاياتالمتحدةالامريكية طواعية أو كرها، وسوف لا تطلب منهم «خدمات اليوم». هذا الواقع سوف يحدث كما ذكرنا او ان الولاياتالمتحدةالامريكية ستفتح الباب على مصرعيه امام السباق النووي في منطقة الشرق الاوسط طمعا في ان تكون تلك الدول العربية واجهة لصد القوة النووية الايرانية الصاعدة.. ويبقى الامر رهينا لمواقف القيادات العربية في تلك الدول.. وامريكا لا تتخلى عن عرقلتها لأي مشروع علمي عربي الا وجدت نفسها مضطرة.. سوف تكشف الايام احداث المنطقة.. اما ايران فلله درّها على «القرار الوطني المستقل» وعلى تحديها لكل تهديد والضغوطات الامريكية والاوروبية، وسوف يحسب لقادتها وخصوصا الرئيس محمود أحمدي نجاد.. وسف يبقى العرب متفرجين على الاحداث التي تجري في أوطانهم والولاياتالمتحدةالامريكية تفاوض ايران على مصيرهم... لله درّك يا ايران، قد كنت واقفة شامخة بالملف النووي الذي طالما تمناه العرب ولكن أيديهم المرتعشة لا تقدر تحريك الاشياء.