كانت احتضنت دار الثقافة ابن خلدون على امتداد ايام قرطاج السينمائية لمات لأحباء السينما من مختلف الشرائح والمخرجين السينمائيين وذلك لمناقشة ما تم عرضه في قاعات السينما. وقد كانت الافلام التونسية محل استقطاب من قبل العديد من المتفرجين الذين أتيحت لهم الفرصة من خلال هذا لإبداء ارائهم بكل حرية وهذا ما حصل مع المخرج التونسي «الجيلاني السعدي» حول فيلمه «عرس الذيب» والذي صرح حوله قائلا: «الفيلم يعبّر عن الواقع الذي نعيشه، وقد تمكنت من خلاله من الكشف عن اشياء مسكوت عنها وهنا تكمن الجرأة في طرح المواضيع وحاول الجيلاني السعدي من خلال هذا الفيلم الاهتمام بالهامشيين الذي يعتبرهم اساس عمله الفني، لأنهم يحررونه من كل تفسير سياسي واجتماعي. السعدي اعتبر فيلمه توجها جديدا رغم انه كان لاقى نقد لاذعا وهجوما عنيفا من قبل الحاضرين في دار الثقافة ابن خلدون لكن اعنف تدخل كان صدر عن سيدة تدعى نجوى ميلاد وهي احدى المتتبعات للسينما التونسية نجوى اصرت اصرارا مطولا للتكلم عن هذا الفيلم وهاجمت بطريقة عنيفة جدا المخرج على رؤاه في هذا الفيلم، واعتبرت العمل دون المطلوب مقارنة بعمله السابق «خرمة». هذا وتقدم السيد محمد المزي بمعاتبة للجيلاني السعدي على تعريته للواقع دون ان تدخل كمبدع، كما انه لم يضف اي بصمة ذاتية على هذا الفيلم. كما اضاف ملمحا لغياب الشاعرية التي تعود ان يجدها في اعمال الجيلاني السعدي واعتبر هذا العمل صدمة كبيرة بالنسبة له. كما انبنى التقييم السلبي لهذا الفيلم على شهادات الجمهور الذي خرج من قاعات السينما وهو يكرر عبارات «كعبة لا» ملى فيلم» او الاشارة بالصفر مؤكدين ان الجيلاني السعدي افتقد لعنصر الابداع والاضافة وخصوصا من حيث تجديد المواضيع وهي عناصر هامة للفيلم بما انه كان اكتفى بعرض صورة بشعة من المجتمع ووقف هناك. ورغم الانتقادات المكثفة التي وجهت للجيلاني السعدي فهذا لم يمنع من وجود اراء اخرى جاءت لتدعم الجرأة التي تسلح بها والمجازفة التي اعتمدها من خلال هذا الفيلم على حد قوله. الا ان المجازفة الحقيقية مثلّها فيلم «بابا عزيزي» للمخرج الناصر خمير وهو مخرج سينمائي تونسي متعدد المواهب والاهتمامات كانت بدايته سنة 1972 بالصور المتحركة، وعبّر هذا الفيلم عن السفر الصوفي الذي يدفع للوقوف والتوقف على التراث العربي واحترام الانسان والسلام، هو شريط مليء بالاحساس الجميل، وهو في نفس الوقت قصيدة حب يمكن اعتبارها أقوى شريط عرض في هذه الدورة، وربما لذلك تم استبعاده من الجوائز بما انه مثل خطابا للانسان المسلم المحمّل بالثقافات والانتماءات الحضارية. جمع هذا الفيلم بين خصال متنوعة اولها قراءة الفكرة حيث منح الفرصة للتفكير في قضايا ومشاكل اخرى في المجتمع والخروج من القوقعة التي دخلها العديد من المخرجين والطريقة التي اعتمدوها في تقديم افلامهم. ودعا الناصر خمير عن طريق هذا الفيلم الى فتح ابواب التفكير والانشغال بقضايا اخرى تغافل عنها العديد من المخرجين. وهنا تكمن مجازفة الناصر في تقديمه لأفكار لم يتعودها المشاهد التونسي. كما احتوى هذا الفيلم على لوحات تشكيلية جميلة جدا، صنفت العمل ضمن شكل فني متميز، الى جانب الموسيقى التي شدت انتباه المتلقي وهذا ما ساهم في جمالية الفيلم. حتى ان الجمهور الذي خرج من قاعات السينما بدت عليه ملامح الدهشة لما كان احتواه الفيلم من صور رمزية إيحائية بحتة وهي لم تمنعه من الحديث بإعجاب عن الموسيقى الرائقة والصور الجميلة وهو ما يكشف ان هناك ما شد انتباهه وهذا ان دل على شيء فانما يدل على المجهود الجبار الذي بذله الناصر خمير لإخراج فيلم ناجح بتلك الطريقة حيث جمع فيها بين الصورة والموسيقى والفكرة والتجديد الفني اذ من النادر ان نجد كل هذه العناصر مجتمعة ومتجمعة في فيلم واحد.