«المهم أن لا نحمل السجن في نواتنا» * ناظم حكمت تعيش شعوب البلدان المتخلفة حضاريا والتابعة اقتصاديا والمهيمن عليها سياسيا على وازع الشعور بالخوف من الترسانات الأمنية والعسكرية الجهنمية التي أقامتها أنظمة الحكم التي أخذت «مشعل» السلطة عن المستعمر المباشر. ورغم مرور النصف قرن على انتقال المشعل فقد ظلّ تحاور هذه الأنظمة مع مجتمعاتها محكوما حصريا بالتعاطي عبر هذه الترسانات التي تورمت وانتفخت أوداجها وساهمت الى حدّ بعيد في أفراغ الوظيفة السياسية وحركة الحياة الجمعياتية ونبض المجتمع المدني من كل محتوياتها متسببة في زرع بذور الاستبداد المقيت والشخصنة السلطوية البدائية والانفراد بالرأي وبالقرار فعاد نظام الحكم في هذه البلدان الى ذات الممارسات التي كان عليها في أزمان سحيقة غابرة خائنا بذلك حركة التاريخ وتطور الأفكار وارتقاء الوظيفة السلطوية باليتها الحديثة المتحضرة. ومتنكرا لجوهر الرسالة التي قامت عليها حركات التحرير في هذه البلدان وقدمت في سبيلها تضحيات جسيمة طالت الأرواح البشرية واستمدت شرعيتها من العذابات وآيات الغبن التي تعرض لها المناضلون الوطنيون. وأدى استشراء ظاهرة الحكم المشخصن الإنفرادي الى قتل الروح الوطنية لدى كل شرائح المواطنين نتيجة شعور الإحباط الأليم الذي لف الجميع ضرورة ان فضاءات حركة المواطن والمجتمع قد انقضت عليها جحافل المعسكرين الذين ضحّوا بكل ثقافتهم وذكائهم في سبيل القبول بمنطق «التعليمات» القاتل لكل انفتاح فكري على الآخر ولكل اعتراف بحق هذا الآخر في الإختلاف والمعارضة في الإستقلالية الكاملة وفي الوضوح المطلق وفي غالبية هذه البلدان تحتل الميزانيات المعلنة المخصصة للأمنيات مكانة جد متميّزة في سلم المشاغل والأولويات قبل قطاعات حسّاسة وحيوية أخرى! وجانب من هذه الميزانيات يتمّ هدره في عمليات مشبوهة تدير وجهها لمنطق الشفافية والجدوى والفائدة الوطنية، كلّ هذا فضلا عن الميزانيات غير المعلنة والميزانيات الملحقة ونحوها من الأموال العمومية غير المنطوق بها وغير الخاضعة للمراقبة أو المساءلة، وهي أموال ثبت في غير حالة تعرضها لصولات وجولات المنتفعين الشخصيين من كل حدث وصوب في غياب المؤسسات وسلطة القانون وعلوية الشفافية، ومن ثمّة كل وظائف المراقبة والتحرّي فيما يخص المال المواطني العام. ولم نستفد من الشهادات التي أدلى بها بعض وزراء الداخلية لهذه البلدان أنّهم قد جاعوا بعد مغادرتهم للسلطة أو تدنت مستويات حياتهم أو احتاجوا لحياة مهنية بعدها تضمن لهم توفير حاجياتهم. وكما أثبتته التجربة المتكرّرة فإنّ اختيار هؤلاء المسؤولين لا يخضع الاّ لإعتبارات ذاتية أساس قاعدتها الثقة بمعناها العشائري.