عاشت بلدة زرمدين من ولاية المنستير الاسبوع الماضي على وقع حادثة سابقة- في تاريخ المدينة تمثلت الموكب الخاشع والمهيب في النعوش الثلاثة التي خرجت دفعة واحدة من منزل عائلة الوشام علىالطريق الشرقي للبلدة. تلك النعوش التي انطلقت في رحلتها المريرة من ليون الى المنستيرفزرمدين كانت لثلاثة أطفال احترقت أجسادهم النضرة لا يعلم إلا الله مصدرها ... واحترقت معها أكباد والدة ملتاعة وأب مذهول وجد صابر والحديث هنا عن الحاج العروسي الوشام وإبنه نورالدين وكنته سمية هؤلاء وبقية أفراد العائلة استقبلونا وعلى أوجاعهم بكثير من التلقائية وبكثير من الاحترام خاصة وإننا كنا مصحوبين بوفد هام من رجال زرمدين ومن بينهم صديقنا وأستاذنا عم سالم الحداد عن الاتحاد المحلي للشغل . * ذاك قدري !! بداية حديثنا كانت مع السيد العروسي الوشام جد الاطفال الثلاثة والذي أفادنا بأنه لم يكن يجول بخلده في يوم ما أن يحدث له ما حدث بعد كل هذه السنوات التي قضاها في فرنسا (قرابة الأربعين عاما) ولكنه قضاء الله الذي لا اراد له .. لتتناول بعده الكلمة السيدة سمية أم الاطفال التي سألناها عن التفاصيل الدقيقة لهذه الحادثة الأليمة التي أودت بحياة فلذات أكبادها الثلاثة فأجابت «كان ذلك فجر السبت الماضي عندما تناهى الى سمعي صراخ أحد أبنائي نجا من الموت أن بالبيت نار عندما دخلنا الى الغرفة وسط ستارة من النار والدخان مما تعذر منه انقاذ نورشان (8 سنوات ) ليندا (6 سنوات) ومحمد أمين (4 سنوات) رغم ما بذلته ونورالدين زوجها من مجهودات أدت الى انقاذ ياسين وجواد وذلك من فضل الله. علما وأن السيد نورالدين تعرض الى إصابات بليغة وحروق خطيرة على مستوى مختلف أطراف جسده لكنه نجا بأعجوبة حيث أنه اخترق حاجز النار ومن عمقها سحب أولاده الأحياء والأموات * العنوان الكبير هو دون شك الأم (السيدة سمية) التي قد تكون بعض حركاتها مصدرا لمزيد الألم وإذكاء لنار الوجع الذي ألم بالجميع بمن في ذلك عابري السبيل والفضولين السيدة سمية كانت ذات رباطة جأش خرافية وأعتبرت أمرا فارقا في الجهة بحكم صبرها وتجلدها حيث ركبت أحزانها وجرحها وأدت صلاة الجمعة وجثث أبنائها مسجاة في بهو الجامع ...ثم وعلى غفلة من الجميع وجدت في المقبرة وأكثر من ذلك هي التي إختارت بنفسها بل قل وزعت القبور على أولادها ... حيث أصرت على أن يكون هذا القبر وذاك القبر لتلك في مشهد جمع بين الخشوع والذهول والألم حد الأذية .. لتعود الى هناك وعلى إمتداد كامل اليوم الموالي والى ما بعد الغروب لتشرف على بناء القبور ... مع وقت مستقطع لأداء صلوات الظهر والعصر والمغرب ... كل ذلك في جو من الصبروالتضرع الى الله كي يقيهم عذاب النار التي أحرقتهم بالدنيا وأتت على قلبها وذويها ... وباختزال شديد لقد كانت مواقف أدمت قلوب الناس حتى عبر الحديث عنها ... حيث سماها البعض خنساء العصر . * كلام موصول «مقعد» في ليون هذه السيدة لم يمنعها هول الموقف من التركيز على كل شاردة وواردة في فرنسا كما في تونس من ذلك مثلا أنها تذكر أصحاب الفضل أيام المهنة على غرار الرئيسين السابق والحالي لبلدية المدينة على ما وفراه من خدمة على غرار تخصيص فضاء يتسع للآلاف لإيواء القادمين «للمشهد» بالتعبير المحلي أي مجلس عزاء ... كما لم تنس السيدة سمية وزوجها نورالدين الجهود المضنية لرجال الأمن والإنقاذ ومديري المدارس حيث زاول الضحايا دراستهم كما أثنت بصدق على رجالات تونس من السفارة الى القنصلية الى الخطوط التونسية والقائمين على مطار المنستير والسلط المحلية الى جانب المواساة والدعم الحضوري والمادي من ذلك ما تم تقديمه من تسهيلات من بينها نقل الجثامين من المطار الى زرمدين على متن ثلاث سيارات أي سيارة لكل نعش...