في منظور النقابيين وفي موروثهم وفي فكرهم فإن المؤتمر العادي يختلف كل الاختلاف عن المؤتمر الاستثنائي ليس فقط من حيث الآليات بل أيضا من حيث التأثير الانتخابي. وبين مؤتمر جربة الاستثنائي ومؤتمر المنستير العادي فُسحة طويلة فمؤتمر جربة الاستثنائي كان بعد حدث عاصف مرّ به الاتحاد العام التونسي للشغل واستقالة أمينه العام السابق وهو المؤتمر الذي شهد انتخاب عبد السلام جراد أمينا عاما للمنظمة العمالية بعد ان كان تحمل مسؤولية عضو بالمركزية النقابية منذ سنة 1983 . ومؤتمر جربة كان بعد مسيرة التصحيح التي أعلنها «جراد» بعد استقالة الأمين العام السابق التي عرفت فيها المنظمة القطع مع الكثير من «السلوكيات» و «التقاليد» التي كانت تحكمها وتحكم مؤتمراتها. فقد نجح مؤتمر جربة الاستثنائي في أن يكون نقطة تحوّل مهمة في تاريخ المنظمة حيث عاد لصندوق الانتخاب اعتباره وعاد للمؤتمر نفوذه وسلطة قراره عكس المؤتمرات التي سبقته والتي كان ينتخب فيها الأمين العام مباشرة من قاعة المؤتمر ودون المرور بصندوق الاقتراع بالرغم من بعض الاصوات المعارضة التي ترتفع داخل القاعة حينها... ولأن الديمقراطية وارادة الناخبين كانت سيدة الموقف في مؤتمر جربة فإن القائمة المنافسة لقائمة الامين العام حينها نجحت في كسب مواقع داخل المكتب التنفيذي الوطني وكان الأمين العام كغيره من المترشحين... الآن ينعقد مؤتمر «المنستير» بعد أكثر من أربع سنوات عن مؤتمر جربة الاستثنائي شهد أحداث عديدة من بينها نجاح جولات المفاوضات الاجتماعية والحصول على مكاسب جديدة للعمال والأجراء... ويأتي مؤتمر المنستير بعد مؤتمر التشكيلات النقابية التي كانت تحرص خلالها القيادة النقابية على الشفافية واحترام ارادة الناخبين... ويأتي بعد اقرار القيادة النقابية لآليات عمل جديدة على مستوى التصرّف داخل المنظمة وتسيير مؤسساتها. ويأتي المؤتمر بعد نجاح الاتحاد في كسب مواقع له في الساحة الاقليمية والدولية كان آخرها حصول الاتحاد على مواقع مهمة في المنظمة النقابية العالمية الجديدة التي أنتخبت «جراد» فيها وصار للاتحاد حضور أكبر في الساحة العربية وتأثير أكثر... ويأتي مؤتمر «المنستير» اليوم في وقت يجمع فيه المراقبون للشأن النقابي ان القيادة النقابية وأساسا أعضاء المكتب التنفيذي الوطني نجحوا في المحافظة على الانسجام بينهم طيلة السنوات التي تلت المؤتمر الاستثنائي وفي وقت حافظ فيه «جراد» كأمين عام على علاقة جيدة بكل الشركاء الاجتماعيين متمسكا في الآن نفسه باستقلالية القرار النقابي. ويحسب ل «جراد» ايضا انه نجح في تحقيق تعايش مع مختلف الحساسيات التي تتواجد في الساحة النقابية دون اقصاء لأي طرف ودون الاضطرار الى الاستنجاد بلجنة النظام لتصفية «الحسابات» محافظا بذلك على الانسجام داخل التشكيلات النقابية. * ترشحات ولأن المؤتمر أي مؤتمر هو بالضرورة انتخابي، فيه ترشحات وفيه تحالفات وفيه حظوظ فإنه من الطبيعي ان تكون الترشحات بكل هذا العدد في مؤتمر منظمة عمالية لها تاريخ طويل وحضور قوي في الساحة الاجتماعية. الا ان ارتفاع عدد المترشحين لا يعكس بالضرورة حقيقة المشهد الانتخابي باعتبار وجود ترشحات غير جدية وأخرى للمناورة وترشحات تتم لاعتبارات ذاتية وشخصية. ويحسب ل «جراد» مرة أخرى أنه أكد حرصه على ان تكون القيادة النقابية المنتخبة منسجمة في ما بينها وتعمل على أساس الاعتبارات النقابية فقط وتتجنب السقوط في الاعتبارات الجهوية او السياسية خاصة مع اعلانه في مناسبات عديدة ان الاتحاد ليس حزبا سياسيا وانما هو منظمة نقابية وطنية هدفها الاول الدفاع عن العمال وعن مكاسبهم. * تمسك أمام هذه الظروف والمعطيات تأكد ان «جراد» يتمسك في مؤتمر المنستير بأعضاء القيادة الحاليين على اعتبار الانسجام الذي تحقق معهم وفي ما بينهم وعلى أساس مواصلة الوفاق الذي برز بعد مؤتمر جربة الاستثنائي. ويأتي هذا التمسك بالرغم من «الضغط» الانتخابي الكبير الذي يسبق كل مؤتمر خاصة اذا كان مؤتمرا في حجم مؤتمر المنظمة العمالية... وهذا الانسجام والوفاق لابد ان يتواصل ويستمر بشرعية صندوق الانتخاب وبإرادة النواب مثلما تم في مؤتمر جربة الاستثنائي... ويرى المراقبون ان «جراد» يحرص الآن على ان يكون الوفاق بين كل النقابيين والمترشحين حتى وان تعددت القائمات الانتخابية وارتفع عدد المترشحين فالوفاق هو في النهاية في صالح المنظمة وفي صالح المؤتمر وفي صالح العمال... وفاق يُبنى على أساس مصلحة المنظمة وعلى أساس المصلحة الوطنية التي تهم كل النقابيين...