وفي النهاية، رفع الفلسطينيون السلاح في وجوه بعضهم.. وكان هذا السلاح معدا ليصوّب تجاه العدوّ الصهيوني... والسبب هو «كرسي السلطة» ليتقاتل الاشقاء، ويتناحر إخوة الدرب، وهو لعمري خطأ فادح وقع فيه الجميع... لقد أخطأت حركة «فتح» وايضا «حماس» وكل الحركات المشاركة في اللعبة السياسية التي جرت في فلسطينالمحتلة.. منذ سنوات، قلنا ان هيكلة الثورة الفلسطينية في «سلطة» هو «طعم» أعدّته الدوائر الاستعمارية والصهيونية في البيت الابيض الامريكي واسرائيل... فهذه السلطة، وهي ثمرة اتفاقيات «أوسلو» التي هندسها محمود عباس أبو مازن سرا قبل ان يطلع بها على العالم قد أضرت بالثورة الفلسطينية وللقارئ البرهان: * هذه «السلطة» لم تكن «دولة»، اذن منذ البداية كان انتقاء الكلمة موحيا بأنها لا ترقى الى مستوى (دولة) بل حدد لها، من قبلها من الصهاينة والامريكيين والاوربيين المتحمسين لإسرائيل دورا لا يتجاوز «التسيير اليومي» للوضع الداخلي في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. * هذه «السلطة» همّشت «منظمة التحرير الفلسطينية» التي كانت مثل الهيكل «المنسق» والموحد لكل الفصائل الفلسطينية التي اتخذت (المقاومة) طريقا لتحرير الوطن.. كما كانت منظمة التحرير تحدد الاهداف الاستراتيجية للثورة الفلسطينية، صارت هذه الاهداف رهينة القوى الدولية والحسابات الاقليمية.. واليوم غاب الهيكل «الجامع» لكل فصائل المقاومة والذي كانت تناقش في داخله القضايا الكبرى للثورة الفلسطينية. * وجود هذه «السلطة» ساعد الكثيرين على العيش كأجراء بمختلف المستويات مما خلق «بورجوازية» متوسطة تستنكف من «التضحية» وترفض «المبادئ الثورية» وقد تجلى ذلك في اضراب الموظفين وعمال «السلطة» حين لم يحصلوا على مرتباتهم.. فكان اضرابهم مفتوحا زاد الضغوط على السلطة التي يرأس مجلس وزرائها اسماعيل هنية، ممثل حماس، وكأنه، هذا الاضراب، قد تم التخطيط له من طرف اسرائيل والولاياتالمتحدةالامريكية واذيالهم في المنطقة العربية... فهذا الوضع ينشر الرفاه والدعة مما يفضي في النهاية الى «اللامبالاة» والميوعة، وفي النهاية تصفية الثورة الفلسطينية.. هذا على المستوى الشعبي.. اما على مستوى القيادات، فان المكاتب الفاخرة والمكيفات الناعمة، والسيارات الفارهة، والاموال الطائلة والقصور الفخمة، والتعامل مع اهل التاج والسلطان، كل هذا، يحمل على «رفض» الثورة التحريرية وأتعابها وكل تداعياتها والتعلق بخيط «الحل السياسي» ولو كان دقيقا وغير مقنع باطنيا الا ان الدفاع عنه علانية وبكل شراسة ضرورة شخصية وحاجة مؤكدة لكل منهم.. * إن الثورات التحريرية لا تعترف بالانتخابات، بل تعوّضها بما يقدمه كل «ثائر» من تضحية في سبيل الوطن.. وبذلك يتشكل هرم ترتيب القيادة.. وما يفعله الاشقاء في فلسطين سواء من حركة «فتح» او «حماس» هو خطأ... * إن الثورات التحريرية في العالم، وفي كل مراحل التاريخ، لا تعترف بالديمقراطية التي تقدّس في «أنظمة الدول» بل هي تؤكد «مركزية القرار».. فالقائد هو الذي يحدد العمل والفعل الثوري.. فلا يستقيم المنطق ان يعود القائد الثوري الى «مشاورة» رفاق السلاح من الفصائل الثورية على الهجوم أو مباغتة العدوّ.. فما يتشاور فيه معهم هو: ما يخص القضايا الاستراتيجية مثل تحرير البلاد بكيفية ما، ويقابلها «نزع سلاح» بطريقة ما... إن الصراع على كراسي الحكم هو انتحار للثورة وعملية لإ نهائها.. والدليل بيّن لدى اخواننا الفلسطينيين... أقامت الولاياتالمتحدةالامريكية وأوروبا الدنيا من اجل «انتخابات ديمقراطية نزيهة» وحصل ذلك، لكنهم تراجعوا في الاعتراف بنتائجها، وصاروا اي الدوائر الاستعمارية، يحثون «فتح» على اعادة الانتخابات التشريعية والرئاسية معللين ذلك: بأن حصار حكومة حماس، واضراب الموظفين الذين لم يحصلوا على مرتباتهم، وعدم الاعتراف بهذه الحكومة دوليا جعل الجماهير الشعبية تبتعد عن «حركة حماس».. وبذلك سوف يكون النجاح حليف «فتح» وهذا خطأ ايضا... * إن عملية الانتخابات المبكرة قرار غير محسوب النتائج... فهل فكّر مازن رئيس السلطة الفلسطينية ان هذه الانتخابات قد تقاطعها عشرة فصائل في الثورة الفلسطينية وسوف تقاطعها حماس.. وحينها سيكون (تنصيب) مرشحي حركة فتح.. وسيلحق ذلك ضررا بحركة (فتح) لإنصياعها لرغبة امريكية واسرائيلية، وسيفضي ذلك طبعا، الى حرب أهلية، وهو ما تتمناه الولاياتالامريكية التي تقوم بتزويد «حركة فتح» بالعتاد والسلاح والمال لمجابهة حركة حماس والقضاء عليها «نهائيا»؟؟.. كما ان اسرائيل تحولت الى حمامة سلام تقدم الاموال المتحتجزة الى الرئاسة الفلسطينية، وتحديدا «أبو مازن» ألا يتساءل أحرار (فتح): هل يعقل ان يحصل هذا؟ أخيرا: إن ما نشاهده كعرب، طالما ساندنا ودعمنا الثورة الفلسطينية بكل ما نقدر عليه، يؤلمنا ويحزننا ونقول في داخلنا: تحرير فلسطين تم دفنه في مقبرة كراسي السلطة الفلسطينية.. فلتهنأ اسرائيل ولتبتهج الولاياتالمتحدةالامريكية.