مما لا شك فيه أن تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة وتكوين الأسرة قد نال اهتمام المفكرين منذ زمن بعيد ونجد في كل الشرائع والقوانين والأخلاق فصولا واسعة لتنظيم هذه العلاقة وضمان وجودها واستمرارها لان في ذلك استمرار الحياة نفسها وسعادتها وتطورها لكن يبقى الغول الذي يهدد الحياة الزوجية هو الطلاق وفي بلادنا وخلافا لما يروج له البعض أكد مصدر مسؤول من وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين أن الطلاق في مجتمعنا ليس بالظاهرة التي تستدعي القلق في شأنها بما أن وضع الطلاق مستقر منذ أكثر من 15 سنة فبالنسبة لتونس يحصل طلاق واحد من كل 6 أو 7 زيجات سنويا أي حوالي ٪15 في حين تصل هذه النسبة على سبيل المثال ٪50 كمعدل بالنسبة لمجموعة دول الاتحاد الأوروبي وبالنسبة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE والتي تضم الدول ال«29» الأكثر ثراء في العالم. بلادنا لا تعاني من كثرة حالات الطلاق ولمزيد التأكيد على أن بلادنا لا تعاني من كثرة حالات الانفصال انه خلال الفترة فما بين عامي 2007 و2008, شهدت حالات الطلاق المسجلة في تونس تراجعا بنسبة٪3. كما أن المعطيات الإحصائية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء تؤكد أن عقود الزواج في تزايد مستمر فمقارنة بعدد عقود الزواج سنة 1980 المتمثل في 48.180 ازداد عدد العقود سنة 2007 ب28.629 عقدا وبشأن ما يروج عن أن نسبة الطلاق في تونس كبيرة فان ذلك لا أساس له من الصحة حيث بينت النشرة السنوية للإحصائيات الديمغرافية الصادرة عن الأممالمتحدة أن تونس تحتل المرتبة 48 من حيث نسبة الطلاق مقارنة بنسبة السكان من ضمن 78 دولة يقر نظامها القانوني الطلاق القضائي ويصرح رسميا بحالات الطلاق. كما لا يمكن مقارنة تونس بدولة أخرى إلا إذا كانت هذه الدولة تقر الطلاق وتمنع تعدد الزوجات وتشترط وتمنح حق طلب الطلاق إلى الزوج والزوجة على حد السواء. دوافع الطلاق ويعدد الدكتور والباحث في علم الاجتماع بلعيد اولاد عبد الله أسباب الطلاق يراها نفسية واجتماعية واقتصادية ولمزيد تفسير أسباب الطلاق النفسية أوضح الدكتور بلعيد أن عدم توفير متطلبات الحياة الزوجية من اهم عوامل الانفصال كما ان عدم تناغم الميولات والاتجاهات والآراء والأفكار تشكل مشكلا عويصا يصعب تجاوزه عند المرور بمرحلة تطابق الميولات والتنازلات. أما بخصوص الأسباب الاجتماعية فتتعلق بطبيعة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية مع المحيط او بتأثير هيمنة طرف على الأخر وهو ما يزيد حدة ذات البين أما من الناحية الاقتصادية فتتمثل المشاكل في عدم قدرة الزوجين على تصور الحياة المشتركة والدخول في وضعية مقارنة بين الحياة قبل الزواج وبعده من حيث مستوى المعيشة ومتطلباتها من لباس وتغذية وكراء وتنقل.. لذلك أكد الدكتور بلعيد على ضرورة التعارف الصادق والنزيه قبل الزواج وذلك بمحاولة عقلنة العاطفة وإطلاع كل طرف للآخر على حقيقة ما يملك وما لا يملك لضمان تناغم الميولات وأوضح الدكتور أن الوعي بان مؤسسة الزواج متكونة من طرفين له دور كبير في الاستقرار وأشار إلى أن الحوار والتواصل داخل الأسرة يجب أن يتوفر حسب ضوابط معينة تمكن من التفاهم ; فالصوت المرتفع واللجوء إلى المحاكم من أهم عوامل انفصال العلاقة بين الزوجين. حذار من التوجه إلى الجارة ولتجنب ذلك يجب في حال اشتداد الأزمة التوجه إلى الأخصائيين النفسيين وأخصائيي الخدمة الاجتماعية. ويحذر الباحث في علم الاجتماع من اللجوء إلى الجارة أو الأهل... وفيما يخص أثار الطلاق ,فأولها أن لا يستوعب طرف سواء كان المرأة أو الرجل الوضعية الجديدة كمطلق أو كمطلقة فإقامة علاقات بعد الطلاق تسبب العديد من المشاكل حيث أن احدهم حسب رواية الدكتور بالعيد التقى صدفة مطلقته في الطريق صحبة صديق لها فضربه وقال له إن المرأة زوجته!! ومن أثار الطلاق كذلك انه رغم مكانة المرأة في بلادنا إلا أن انعكاسات انفصالها عن زوجها سلبية بما أن مجتمعنا رجالي فيكثر التساؤل عن أسباب طلاقها ويركز الاهتمام على كل علاقاتها وتصرفاتها حتى وان كانت عفوية ! وبالنسبة لانعكاسات الطلاق على الأطفال يقول الدكتور بلعيد انها نفسية واجتماعية وتربوية حيث يسفر طلاق الأبوين عن سلوكيات غير عادية وهامشية للأبناء إضافة إلى كونه يؤثر على شخصيتهم ومكانتهم بإحساسهم بالدونية كما يضعف المردود المدرسي. غير أن ذلك لا يحول أن كون الطلاق حلا في عديد الحالات وذلك عند استحالة مواصلة الحياة الزوجية بسبب المرض المادي أو النفسي لأحد الشريكين أو بسبب الإدمان أو العنف أو ارتكاب الجرائم في حق احد الطرفين وهو ما يؤكد استحالة التعايش بينهما فيكون الحل الأمثل هو الالتجاء إلى الطلاق رغم انه «ابغض الحلال عند الله». المصروف وراء الطلاق ومن ناحيته ارجع الأستاذ المحامي حاتم زقيرة دوافع الطلاق إلى حالة الخصاصة التي يعيشها أفراد الأسرة بسبب عدم إنفاق رب العائلة عليهم وأكد أن «المصروف» مشكل رئيسي وجوهري يؤدي إلى الطلاق ومن دوافع الانفصال كذلك اختلاف الطباع والأمزجة وعدم التروي وعدم دراسة الطرفين لبعضهما أثناء فترة الخطوبة والخيانة الزوجية خاصة من قبل النساء بالتورط في علاقات مشبوهة أو بسبب العجز الجنسي. ومن أطرف القضايا أن احدهم طالب بالطلاق لأن زوجته لم تطبخ له أو بسبب مباراة كرة قدم حيث أن الجمعية التي يشجعها الزوج خسرت المقابلة. كذلك يحدث الانفصال جراء الحكم على احد الطرفين بعقوبة سالبة للحرية. من واجب المرأة الإنفاق ويضيف المحامي إن مسألة تمتع المرأة بالعديد من الحقوق شجعها على الإقدام على طلب الطلاق و على الحصول عليه خاصة إذا كان الرجل لا ينفق على الأسرة غير مبالية بواجباتها المتمثلة في إنفاقها على العائلة إذا كان لها مال علما و أن ذلك مؤكد في نص قانوني. وعن انعكاسات الطلاق على المرأة فهي وخيمة خاصة في المناطق الشعبية التي تتميز بنظرتها السلبية للمطلقات فتكثر الأقاويل و التأويلات حول سيرتها. أما انعكاسات الطلاق على الأطفال فهي مأساوية في بعض الأحيان حيث يواجهون صعوبة في التربية خاصة وان الأم غير قادرة بمفردها على العناية بالابن الذكر بصفة خاصة وهنا يأتي دور الأب في المراقبة خشية الانحراف و جنوح الأحداث وخشية التراجع في التحصيل الدراسي. ورغم كل هذه السلبيات التي تحدث جراء الطلاق إلا انه ضروري في صورة عدم التفاهم أو استفحال المشاكل الزوجية التي قد تؤثر على العلاقات الأسرية