تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن يَخْشى "ترامْب" الذي تَسَرَّبَ إلى البيت الأبيض مِن فَجْوَةٍ بين الوضع الداخلي للولايات المتّحدة وسياستِها الخارجيّة؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 22 - 11 - 2016

مازلْنا نَرى أنَّ الشركات الاحتِكاريَّةَ الإمبرياليّةَ...
مازلْنا نَرى أنَّ الشركات الاحتِكاريَّةَ الإمبرياليّةَ في الولايات المُتَّحدِة الأمريكيّة وَمَصالحَ تلكَ الشركات عبْرَ العالم هِي مَرجعيّةُ صُنَّع القَرار المُحدِّد والمُوَجِّه للسياسَتَيْن الداخليّة والخارجيَّة الأمريكيَّتين . وهِي التي تُرَجِّحُ كَفَّةَ "الجمهوريين" تارةً و"الدِّيمقراطيِّينَ" تارَةً أخرى في القَبْضِ على دَفَّتَيِّ أيٍّ مِنَ السّلطَتَيْنِ التشريعيّةِ والتَّنْفيذيّةِ.
وإذا كانت الإداراتُ الأمريكيّةُ المُتلاحِقَةُ مُنْذ انهيار الاتحاد السوفياتي قد اعْتَمَدَتْ سياسةً خارجيّةً ترْمي إلى السيطَرَةِ على السياسةِ الدّوليّةِ سيطرةً مُطْلَقَة بالقُوَّتين العسكريّةِ والاستخباراتيّةِ خدْمَةً لِمَصالِحِ الشركاتِ الإمبرياليّة تحْتَ شِعارِ "الحِفاظ على نَمَطِ الحياةِ اليوميّةِ لِلْمُواطِنِ الأمريكيّ " ، الذيْ تَبَيَّنَ أنَّه كانَ شِعاراً زائفاً تَضليليّاً ديماغوجيّاً تَماماً كِشعار "تصدير الديمقراطيّة" ، ذلكَ أنَّ العَقْدَيْنِ الماضِيَيْن مِن هذهِ السياسةِ قَدْ أفْضَيَا إلى فَجْوَةٍ هائلةٍ بينَ مَصالِحِ تلكَ الشركاتِ والنُّخَبِ السياسيّةِ والاقتِصاديّةِ والإعلاميّةِ المُحيطَةِ والمُرْتَبِطَةِ بِها مِن جِهَةٍ وَبَيْنَ مَصالِحِ "العامَّةِ" مِنَ الشَّعبِ الأمريكيّ مِن جِهَةٍ ثانية ، إذا كانَ ذلكَ كذلكَ فَمِنْ تلْكَ الفَجْوَةِ تَسَرَّبَ "دونالد ترامْب" إلى "البيْتِ الأبيَض".
ولكن هذا لا يَعْني أنّ "دونالد ترامب" بِمَثابَةِ "أرنستو تشي غيفارا" قادِم مِن طَبَقةِ الأغنياء أو كَمُنْشَقٍّ عن "الأثرياءِ الإمبرياليِّين" لِيَخدمَ مَصالح طبقاتٍ شَّعبيَّةٍ في شَمالِ القارَّةِ الأمريكيّة ، كما أنَّهُ ليسَ "غورباتشوفاً" أمريكيّاً أوْكَلَتْ إليهِ المُخابراتُ الرُّوسيَّةُ مهمَّةَ تَقويضِ الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة مِنَ الدَّاخِلِ كما سَبَقَ للمُخابراتِ الأمريكيّة أنْ أوْكَلَتْ إلى "ميخائيل غورباتشوف" مَهَمَّةَ تَقْوِيضِ الاتحاد السوفياتي مِن داخِلِهِ. بل الأرْجَح عنْدَنا أنَّ "دونالد ترامْب" جاءَ بمهمَّةِ إصْلاح السياسةِ الخارجيّةِ الأمريكيّة التي انْحَرَفَ بها "المُحافِظون الجُّدُدُ" مِن "الجمهوريّين" ، و"الديمقراطيون" الذين واصَلُوا سياساتِهِم الحَمْقاء ، لِتَغْدُو هذهِ السياسةُ خَطَراً مُحْدِقاً بالسلمِ العالمي ، وفي الآن نفسِهِ خَطَراً على "نَمَطِ الحياةِ اليوميَّة لِلمُواطِنِ الأمريكيّ" الذي كانَ وراءَ وُصُولِ "ترامْب" إلى "البيتِ الأبيض".
فإذا كانت سياسةُ المُحافِظِين الجدُدِ الجمهوريين قد اعْتَمَدَتْ فَرْضَ مَصالِح الشركات الاحْتِكاريّةِ الإمبرياليّةِ بِجَرِّ القُوَّاتِ العسكريَّةِ الأمريكيّةِ إلى خارجِ حُدُودِ الولاياتِ المُتَّحِدَة لِشَنِّ الحُرُوبِ على الدُّوَلِ المُسْتَهْدَفَةِ وَغَزْوِها واحتلالها كما حصَلَ لأفغانستان والعِراق وليبيا ، فإنَّ "الديمقراطيّينَ" في عَهْدِ "باراك أوباما" ،خاصّة، حشدوا المُرْتَزَقَةَ والتكفيريين الإسلامويين في جيشٍ سريٍّ للمُخابراتِ الأمريكيّةِ يَسْتَأنِفونَ بِهِ ذات الهَدَف الذي لا يشمل "الشرق الأوسط الكبير" مِنَ الباكستانِ إلى مرّاكِش فقط ، بل كانَ مَرسُوماً لهُ أن يمتدّ إلى روسيا وإفريقيا السوداء والصين والهند في مَراحِل لاحِقة. وذلكَ كُلَّهُ تَحْتَ رايةِ العَوْلَمَة وإعمامِ نَمَط الحياة الأمريكيّة بَعْدَ تَقويضِ الكِياناتِ الوطنيّةِ ذات العُمْقِ والتَّراكُمِ الحَضارِيّين.
إلّا أنَّ الذي حَصَلَ ، وكانَ خارِجَ حِساباتِ واشنطُن وحُلَفائها، هُوَ نُهُوضَ الاتحاد الرُّوسي بقيادَةِ الرئيس "فلاديمير بوتين" الذي سيذكره التاريُخُ في قادِمِ السِّنين كَمُنْقِذٍ للبشريّة وَقِيَمِها الإنسانيّة مِن بَراثِن الإمبرياليّةِ الغربيّة وليبراليّتِها المُتَوَحِّشَة !،بَعْدَ أنْ أبْعَدَ عَن الاتحادِ الروسيّ خَطَر التَّفَكُّك وأعادَ بناءَهُ اقتصاديّاً وَعَسْكريّاً وسياسيّاً وَمُجْتَمَعيّاً وفَرَضَهُ على الساحَةِ الدُّوليّة قُوَّةً عُظْمى قادَتْ باقْتِدار مَعركَة البَشريّة المُعاصِرَة للتَّحرُّرِ مِن سياسةِ القطْبِ الواحدِ وغَطْرَستِها الشرِّيرَة ، حَيثُ مَكَّنَتْ سياسةُ الرئيسٌ بوتين بلادَهُ مِنْ قِيادَةِ تَحالُفٍ سياسيٍّ عسكريٍّ اقْتِصادِيٍّ دوليٍّ ضَمَّ دُوَلَ "البريكس" والاتحاد الأوراسي والتكتّل البوليفاري وإيران وسوريا وغيرهما في مُواجَهةِ التحالفِ الإمبريالي الرجعيّ الإرهابيّ الذي تقودُهُ واشنطُن ، فَوَضَعَ حَدّاً لانْدِفاعاتِ الأخيرِ وأسْقَطَهُ في مأزق ، مِمّا دَفَعَ آلِهةَ الأولَمْبِ الأمريكي – إنْ جازتْ الاستِعارَة – إلى التَّصارُعِ فيما بَيْنَها ، مِمّا جَعَلَ الشركات الاحتِكاريّةَ الإمبرياليّة الأمريكيّة (رَبّ الأرباب؟) تُراهِنُ على اليمينِ القوميّ داخل الحزبِ الجمهوريّ الذي يُمَثِّلُهُ "دونالد ترامب" عَساهُ يُوجِدُ مُصالَحَةً ما بيْنَ الوضع الداخلي للولايات المُتَّحِدَةِ الأمريكيَّةِ وَسياستِها الخارجيّةِ ، وَقَدْ انْعَكَسَ هذا الخيار الأمريكيّ بسُرْعَة على الغَرْبِ الأوربي الذي اسْتَنْهَضَ فَوْزُ "ترامب" هِمَمَ اليمين الوطنيّ أو القوميّ في أوساطِهِ السياسيّة لِتَكُونَ هزيمةُ "هيلاري كلينتون" المُدَويّة التي كانت تحشدُ خلفَها قُوى الشرّ الإمبريالية الرجعيّة الإرهابية عبْر العالم ، فاتحةَ هزائم مُنْتَظَرَة لتيّارات العَولَمَةِ وأشكالِها السياسيّة الليبراليّة المُتَوَحِّشة كافة ، وفي كُلِّ مكان.
وفي هذا السياق نَفْهَمُ تَطَيُّر السياسيّ الأمريكيّ المُخَضْرَم "هنري كيسنجر" مِن فَوز "ترامب" خاصّة وأنّه كانَ يأمَل و" يظنّ أنّ هيلاري كلينتون ستفوز " كما صرَّح لصحيفةِ " أتلانتك". لكنّهُ لم يستبعدْ أن يسمَحَ فَوْزُ ترامب "بتأسيسِ تَوافُق" بين حالةِ الولاياتِ المُتَّحِدَةِ الداخليّةِ وسياستِها الخارجيّة ، مُقِرَّاً بأنَّهُ "كانت هُناكَ فَجْوَة واضِحَة بينَ مَنْظُورِ العامَّةِ وبينَ مَنْظُور الخاصّةِ ، حَوْلَ السياسةِ الخارجيّةِ " لِيَظنَّ هذهِ المرَّة بأنّ "لَدى الرّئيسَ الجديدَ فُرْصَة للإصْلاحِ بينَهُما ، وإليهِ يعودُ أمْرِ استِغلال أوْ عَدَم اسْتِغلالِ هذهِ الفرصة " ، بل هُوَ يُقرُّ بأنَّ العالمَ باتَ في فوضى يجب التقليلَ مِنها ، لكن ما يؤرِّقُ كيسنجر المؤيِّد لهيلاري كلينتون تقارُبُ ترامْب مِن بوتين ، فَتَجاهَل كيسنجر مواجَهة الإرهاب كأولويّة مُحاوِلاً لَفْت الأنظار عن هذا الخطَر إلى فزّاعة المُواجَهةِ التجاريّة مع الصِّين ، مِمّا يُؤكِّد مَرَّةً أخرى أنَّ الإرهاب خَرَجَ مِنَ المُختَبَرات الاستخباريّة الأمريكيّة لِوَضْعِهِ في خدْمَةِ السياسةِ الخارجيّةِ الأمريكيّة ، وهُوَ هُنا كعصا موسى تتكئ عليهِ وتهشُّ بهِ غَنَمَها (قطعانها في الخليج مَثَلاً) ولَها بِهِ مآرب أخرى كأن تُسَرِّبُهُ إلى مَكانٍ مُسْتَهْدَف ثُمَّ تُبَرِّرُ دُخُولها إلى ذلكَ المكان وَتَدَخُّلها في شُؤونِه – بدون استئذانِ أهْلِ ذلكَ المكانِ الشرعيّين - بذريعَةِ مُحارَبَةِ الإرهابِ ، هذه التّعلّة الأخرى لاستباحة السيادة الوطنيّة لدول العالم بَعْدَ ذرائع تصدير الديمقراطيّة وحقوق الإنسان!.
لَقَدْ كانتْ هيلاري كلينتون وَمَنْ مَعها بِصَدَدِ الإمْعان في إعادَةِ تَدْوِيرِ التّنْظيماتِ الإرهابيّةِ وَداعِمِيها في المَنْطِقَةِ والعالَم وَمُوَاصَلَةِ استِخدامِهِم بِغْيَةَ كَسْبِ الحرْبِ الضّروس في سوريا والحَرْب الفاتِرَة في أوكرانيا وفي الوَقْتِ ذاتِهِ تأجيل الحرب التجاريّة مع الصّين إلى أن تتمَكَّن مِن اعتراضِها في أفريقيا قبْلَ اكتشافِ بَعْضِ مَقاتِلِها استخباريّاً داخلَ التراب الصينيّ والتّسلُّلِ إليها إرهابيّاً بفتنةٍ عرقيّة أو دينيّة أو طائفيّة إلخ. و هذا لم يَمْنَعْ كلينتون ورَهْطِها مِنَ اللجوءَ إلى مُحاولاتِ دَقِّ الأسافين بينَ بكّين وموسكو أو بين الأخيرةِ وَطهران (مُستثمِرَةً توقيع الاتفاق النووي مع إيران) ...غَيْرَ آبِهَةٍ بأنَّ الهوَّةَ تزدادُ اتِّساعاً وَعُمْقاً بينَ الحالةِ الدّاخليّةِ الأمريكيّةِ المُتآكلَةِ والسياسَةِ الخارجيَّةِ المُنْفَصَمَةِ عَنْها . لكنّ "دونالد ترامب" المَعْنِيُّ بِتَرْمِيمِ الوَضْعِ الداخِلِيّ الأمريكيّ بَدأَ بِطَمْأنَةِ الأمريكيّينَ وَبَقيَّةِ شُعُوبِ العالم المُتَضَرِّرَة مِن السياسةِ التي اتَّبَعَتْها واشنطُن (خاصةً مِن بوش إلى أوباما) ، طَمأنتِهِم إلى أنَّهُ سَيَبْدأُ عَهْدَهُ بِنَقْلِ السياسةِ الخارِجيَّةِ الأمريكيَّةِ عَنْ سكَّةِ العَوْلَمَةِ وَنَهْجِها الإرهابيّ الرامي إلى تَقويضِ الكيانات الوطنيّة والقوميّةِ ، إلى سكَّةِ بِناءِ دَوْلَةٍ أمريكيّةٍ قَوميَّةٍ تَتَعاوَنُ مَع شُرَكاء لا يُمْكِنُ تَجاهُلَهُم في تَحديدِ مَصائرِ السياسةِ الدّوليّةِ ، فتأخذُ في الحسبانِ مَصالِحَ هؤلاء الشُّرَكاء عَبْرَ العالَم وتكُفّ عَن التَّدَخُّلِ في شُؤونِهِم الدّاخِلِيَّةِ ، وَخاصَّةَ الشَّريك الرُّوسي الذي كانَ لهُ الدَّوْر المُهِمّ في فَضْحِ حقيقةِ أنَّ إدارةَ أوباما وَمُرَشَّحَتَها هيلاري كلينتون كانتا وَراءَ الإرهاب الذي يَنتَشِرُ ويَضْرِبُ في المنطقةِ والعالم.
وهكذا وَضَعَ "دونالد ترامْب" حَجَرَ الأساسِ للسياسَةِ الخارجيّة التي يَزْمَع أن يَتَّبِعَها ، بالإفْصاحِ في مُكالَمَةٍ هاتِفِيَّةٍ مع الرئيسِ الرُّوسيّ "فلاديمير بوتين" عَنْ عَزْمِهِ العَمَلَ بنَجاعَةٍ مَع "رُوسيا كَدَوْلَة ، وَمَع القيادَةِ الرُّوسيَّةِ ، وَمَع الرَّئيس بوتين شخصيّاً" ، لانْتِشالِ العلاقات بين موسكو وواشنطن مِن وَضْعِها الحاليّ "السيِّئ للغايةِ" بَعْدَ أنْ فَعَلَتْ إدارَةُ باراك أوباما كُلَّ ما في وِسْعِها لِدَفْعِ العلاقاتِ الأمريكيّة – الرُّوسيَّةِ إلى "طريقٍ مَسْدُودٍ".
وَمِن جِهَتِهِ أكَّدَ "فلاديمير بوتين" في ذات المُكالَمَةِ على "اسْتِعْدادِ مُوسكو للعَمَلِ مع الإدارةِ الأمريكيّةِ الجديدة ، وذلكَ على أساسِ المُساواةِ والاحتِرامِ المُتَبادَل وَعَدَمِ التَّدَخُّلِ في الشؤون الداخليّةِ" ، فروسيا جاهزة تماماً لِقَطْعِ نصْف الطَّريق الخاصّ بها مِن أجل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة ، كما عَبَّرَ "يوري أوشاكوف" مساعد الرئيس الروسي.
وأَظنُّ ، بِدَوْرِي، أنَّ الرئيسَ الأمريكيَّ المُنْتَخَبَ "ترامْب" لم يَفُتْهُ أنْ يُلاحِظَ وهُو يصف برقيّةَ تهنئةِ بوتين لَهُ بالفوز بأنّها "برقيّة جميلة جدّاً ورائعة" ، أنَّ مُعْظَمَ قادَةِ العالَم هَنَّأوهُ باستثناءِ الرئيس الصِّينيّ "شي جينينغ". ذلكَ أنَّ "هيلاري كلينتون" وَفَريقِها ما فَتِئوا يُراهِنونَ على دَقِّ إسفينٍ أو أكثَر بين بكّينٍ مِن جهةٍ و ترامْب وبوتين من جهةٍ مُقابِلَة ، وفي هذا السياق يَنْدَرِجُ قَول الثعلب الهَرِم هنري كيسنجر غامِزاً مِن قناة موسكو ومُتَقَصِّداً التقليلَ مِن أهميّةِ دَورِها مِن أجلِ استِقرار السياسةِ الدَّوليّة : إنّ "العالَمَ المُتَّزِنَ المُسالِمَ يَعْتَمِدُ على فَهْمِ أقوى دَوْلَتَيْن ( الولايات المُتَّحِدَة والصين) لِبَعْضِهما البَعْض ، وهذا يَتَطَلَّبُ شفافيَةً تجاهَ بَعْضِهِما البَعْض " لماذا؟ . "لأنَّ التفكيرَ الصِّينيّ هو أن العالم يَتَحَرَّكُ باتجاهِ بكّين يَوماً بَعْدَ يوم". أيْ أنَّ كيسنجر بعباراتِهِ الخبيثة يَرْمي إلى التقليلِ مِنْ أهميَّةِ التَّفاهُم بين بوتينَ وترامب ، زاعِماً أنَّ ما يُهَدِّدُ السلامَ العالَمي ليسَ الإرهاب ، بَل الحَرْب التجاريّة المُحتَمَلَة بين واشنطن وبكّين.
وَهُنا يُشارُ على سبيلِ التَّهَكُّم إلى أنَّ سياسةَ "فَرِّقْ تَسُدْ" الاستعماريّة التقليديّة لاتزالُ سائدةً عنْدَ مُدَبِّريِّ السياسةِ الخارجيّة الأمريكيّة الذينَ يَبْدُو أنَّهُم مَن أوحى باعْتِمادِها إلى "سَعْد الحريري" عنْدَما حاوَلَ تَفكيك "التَحالُف اللبناني المُقاوِم" والمُساند لسوريا بترشيحهِ النائب سليمان فرنجيّة في مُواجَهةِ العماد ميشال عَوْن ، لكنَّ مَوازين القُوى في لُبنان وتَماسُكَ الفريقَ الوطنيّ المُلْتَفّ حَولَ المُقاومَة ، أوْصَلَ الجنرالَ عَون إلى رئاسةِ الجمهوريّة اللبنانيّة أخيراً وأجْهَضَتْ حَمْلَ الحريري الفاسد أصْلاً . وهذا ما سيحصَل على المستوى الدّولي ، فالصِّينُ كانت ولا تزال ركناً مَكيناً وَسَنَداً قويّاً للتحالُفِ الخيِّر الذي تَقُودُهُ رُوسيا على الأراضي السوريّة في مُواجَهَةِ تَحالُف الشرِّ الذي تقودُهُ واشنطُن ، وإنْ كانت بكِّين تُراقِبُ بِدِقَّةٍ وَتَدْرُس بِعُمْقٍ خُطْوَتَها التاليةَ باتجاه الولاياتِ المتحدة الأمريكيّةِ الجديدة بقيادة ترامب ، فَلِأنَّ الوَضْعَ البَشَريّ لا يَحْتَمِلُ أن تُقْدِمَ الحكومةُ الصينيّة المسؤولة مُباشَرَةً عن مَصائر مليار و357مليون مواطنة ومواطن صيني حسب تعداد سنة 2013، على خُطْوَةٍ واحِدَة غير مَحسوبة بميزان الذَّهَب.
عَلى ضَوْءِ مُعْطَياتٍ بِهذا الوُضُوح يَجِبُ أن لا نَسْتَخِفّ بالمَوْقِفِ الذي أعْلَنَهُ "دونالد ترامْب " مِنَ الأزْمَةِ السُّوريَّةِ ، خاصّةً وأنَّهُ قال حَرْفِيَّاً : "مَوْقِفِي هُوَ التالي : أنتَ تُقاتِلُ سوريا ، وسوريا تُقاتِلُ داعش ، وعليكَ القَضاء على التنظيمِ (أي داعِشْ) . رُوسيا الآنَ تَقِفُ تماماً في صَفِّ سوريا ، ولَدَيْكَ إيران التي تزدادُ نُفُوذاً ، بِسَبَبِنا ، وَهِيَ مَع سوريا. نَدْعَمُ فَصائلَ مُعارِضَةً في سوريا ، ولا فِكْرَة لَدَينا إطلاقاً عَن مَنْ تكون " و" في حالِ ضَرَبَتْ الولايات المُتَّحِدَةُ الأسد ، سَنَنْتَهي إلى واقِعِ نُحارِبُ فِيه روسيا وسوريا".
وَعَن دَعْمِ واشنطُن لفصائلِ "المُعارَضَةِ المُعْتَدِلَةِ" وَاصَلَ "ترامْب" تَوْصِيفَهُ الواقِعيَّ قائلا :" كانَ لَدَيَّ دَوْماً رأي مُغايِر عَن كثيرين في شأن سوريا" ، داعِياً إلى "التَّركيزِ في شَكْلٍ أكْبَر على مُحارَبَةِ داعِش في سوريا ، بَدَل وَضْع الأولَويّة لإزاحَةِ الرئيسِ بَشّار الأسد" ، مُشَدِّداً على أنَّ المُشْكِلَةَ الرئيسةَ "لا تكمنُ في الأسَد ، وإنَّما في داعش".
وَدِمَشْقُ كما هُوَ مَعْلُوم ، اسْتَوْعَبَتْ المُدَبَّرَ لَها مِن مُؤامَرَةِ "الربيعِ العَرَبي" بِأنْ جاوَزَتْ رَدَّ الفِعْلِ إلى فِعْلٍ وَطَنيٍّ ، فَلَمْ تَنْتَظِرْ نتائجَ الانتِخابات الرئاسيّة الأمريكيّة أوْ غيرها كي تُحَدِّدَ سياسَتَها إزاءَ حَرْبٍ وَحْشِيَّةٍ تَسْتَهْدِفُ وُجُودَ سُوريّا دَوْلَةً وَشْعْباً ، بَلْ إنَّ هذه السياسة التي اكْتَسَبَتْ مِصْداقِيَّتَها مِن صُمُودِ الشَّعْبِ السُّوريّ وَجَيْشِهِ وَقِيادَتِهِ وَرَمْزِهِ الوَطَنِيّ الرئيس بشّار الأسد ، هِيَ التي شَجَّعَتْ رُوسيا وإيرانَ وحزْبَ الله وغَيْرَهُم على أنْ يُؤازِرُوا سُوريا في تَصَدِّيها لِهذه الحَرْبِ الكونيّة على أراضيها ، وبالتالي فإنَّ السياسةَ السوريّة كانت فِعْلاً وَطَنِيّا نَتَجَ عَنْهُ بشكلِ مُباشر أوْ غَيْر مُبَاشر رَدُّ فِعِلٍ إيجابيٌّ نسْبيَّاً مِنَ الرئيس الأمريكيّ المُنْتًخًب ، الذي في تَوَجُّهِهِ العام يَرْنو إلى علاقاتٍ أمريكيّة – روسية تَنْعَكِسُ إيجابياً على السياسةِ الدُّوليّة التي تَتَمَوْقَعُ الأزْمَةُ السوريّة حاليّاً في مَركزِها.
وإذا كانَ التَّحالُفُ المَهْزُوم بقيادَةِ "هيلاري كلينتون" ما فتئ يشنُّ الحملات المُناهضة لِفَوز ترامب في شوارع الولايات المُتّحدة ووسائل إعلامِها خاصّةً إلى درجَةِ تحريضِ ولايةٍ مثلَ كاليفورنيا على الانْفِصال وتَصْوير تْرامْب كقومي شُوفيني مُعادٍ للأقليات ، ناهيك عن الزعم بأنَّه سَيُقَوِّضُ "الجُّهُودَ الدولية الرامية إلى وَقْفِ التَّغَيُّر المناخي" ، إلى غير ذلكَ مِن الحَملات التحريضيّة التي يُنَظِّمها "الديمقراطيّون" و يُمَوِّلُها "جورج سوروس" ذو الدّور الفاعل في مؤامرة "الربيع العربي". فإنّ صَدى هذه الحملات في منطقتنا يُحَذِّرُ مِن أنَّ سياسةَ ترامْب إزاء الكيان الصهيوني سَتَئدُ "حَلَّ الدَّولَتَيْن" . وَهُنا نَذَكِّرُ بأنَّ "حلَّ الدولتَين" الذي أسْفَرَ عَنْهُ لأوَّلِ مَرَّة قَرارُ مجلس الأمْنِ الدولي رقم 242بعْد حرب 1976العربيّة – الإسرائيليّة ، عادَ إلى التَّداوُلِ مُنذ مُؤتَمَر مدريد 1991، وكانَ الجمهوري جورج دبليو بوش أوَّلَ مَنْ وَعَدَ بإقامَةِ "دَوْلَة فلسطينيّة قابلة للحياة" مع بُزُوغ سنة 2005 ، لكنَّ عَقْداً مِن الزَّمَنِ قد مَرَّ على المَوعدِ الذي ضَربَه لنا جورج بوش الصغير مع الدولة الفلسطينيّة العتيدة ومازالَ بَعْضُنا يلاحِقُ هذا السرابَ تارةً مع بيل كلينتون وأخرى مع باراك أوباما ، بِدُونِ التَّنَبُّهِ إلى أنَّ مَنْ يُفْتَرَضُ أنَّهُم المَعْنِيُّون الحقيقيّونَ بهذا الحلّ ، أعْني العَرَب أنْظِمَةً رسميّةً ومُنَظّمات غير حكوميّة إلخ، لم يكونوا يوماً مُسْتَعِدِّينَ للتّعاطي مَع الفِعْلِ الإسرائيلي- الأمريكي بإرادة قوميّة جامِعة جامِحة ورؤية استراتيجيّة مُقْنِعَة واضحة تُمَكِّنُ مِن فَرْضِ "حَلِّ الدولتين" ، أي إقامة الدولة الفلسطينية الحرّة المستقلة ذات السيادة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتُها القدس الشرقيّة.
وَعَلى كُلِّ حال إذا كانَ "ترامب" يُمَثِّلُ أمريكا الحقيقيّة عاريةً مُجَرَّدَةً مِنَ المُراوَغَة والوُعُود الكاذِبَة والمُناوَرات ، فَما الذي فَعَلَهُ الدّيمقراطيون مِن أجْلِ فَرْضِ "حَلِّ الدّولَتَيْن" غَيْر غَضّ الطّرف عَن مُواصَلَة الكيان الصهيوني سياساته العنصريّة الفاشيّة الاستعمارية ضدّ الشعب الفلسطيني المُضام ، تلك السياسات التي جَعَلَتْ اتفاقيات أوسلو غُباراً ، خاصّة وأنّ إمْعانَ تل أبيب في النشاط الاستيطاني في القدس والضفّة الغربية المُحتَلَّتَين قَدْ بَخَّر وأسْقَطَ أيَّ وَهْمٍ باستعدادٍ أو تَفَهُّمٍ إسرائيلي لإيجاد تسويةٍ للمسألة الفلسطينيّة يُفْضي إلى إقامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس الشرقيّة.
وهكذا لِنَتأمَّلْ جيّداً – بدونِ أوهامٍ طَبْعاً – في تَصْريحاتِ "ترامب" بشأنِ المَسألةِ الفلسطينيّة ، فَقَد نَعَتَ ما يُسَمُّونه "الصراعَ الفلسطيني – الإسرائيلي" بأنّهُ "حَرْبٌ بلا نِهاية" ، مُعْلِناً عَزْمَهُ على "إبْرامِ الصفقةِ المُستحيلة ، لِمَصْلَحَةِ البشريَّةِ جَمْعاء" ، مُؤكِّداً أنّها ستكون "الصفقةَ الأعْظَمَ".
وإذا كانَ البَعْضُ يَرى أنَّ وَعْدَ تْرامْب بِنَقْلِ السَّفارَةِ الأمريكيّةِ إلى القُدْسِ تَصْفِيَةً للقضيَّةِ الفلسطينيّةِ ، فَلِماذا لا نَتَوَقَّع أن يكونَ تنفيذ ذلكَ الوَعْد في سياقِ الوُصُولِ إلى "حَلِّ الدّولَتَيْن" بإقامَةِ الدولةِ الفلسطينيّة التي يُفْتَرَضُ أن تكون القدسُ الشرقيّةُ عاصِمَتَها ، بينما يُفْتَرَضُ بالمُقابِلِ أن تكونَ القدس الغربيّة عاصمةَ الكيان الصهيوني ، وَنَحْنُ نُورِدُ هذا التأويلَ بِتَحَفُّظٍ مادامَ "ترامب" لم يُقَدِّمْ بَعْدُ تفاصيلَ مُبادَرَتِهِ المُتَعلِّقة بالمسألةِ الفلسطينيّة ، وهي بالتأكيد لَن تُلامِسَ النّجاحَ إذا لم تتضَمَّنْ وتَضْمَنْ تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حُقُوقِهِ المَشروعة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقيّة.
وَحَتّى بِخُصُوصِ مَوْقِفِ "دونالد ترامب" الذي بَدا مُتَشَدِّداً إزاءَ السعوديّة والكياناتِ الخليجيّة ، فليسَ ما يَحْدُونا إلى التَّوَهُّمِ بأنَّ ترامب سَيُطَوِّرُ مَوْقِفَهُ إلى قطيعةٍ مع الرِّياض وشقيقاتِها الخليجيّات ، فَقَد سَبَقَ وأنْ تَمَّ الضَّغْطُ على الرّياضِ في مَطْلَعِ ولايةِ المَملوك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي كانَ يُرَوَّجُ لَهُ بأنَّهُ "عُرُوبي؟!" ، فاخْتَبَر الأمريكانُ هذه الشاعَةَ بإطْلاق ذئاب تنظيم "القاعدة" عليه ، ثُمَّ أشاعُوا بِدَوْرِهِم أنَّهُم عازِمُونَ على تقسيم "مملكة آل سعود" بِضَمِّ المنطقةِ الشرقيّةِ إلى إمارَةِ البحرين (وهذا هو سَبَبُ إعلانِ مَأمُوريّ المَنامَة البحرينَ مملكةً!) ، وَبِتَتويج المأمور بندر بن سلطان على ما تَبَقّى مِن مملكة آل سعود . وَنَجَمَ عن ذلكَ كلّه ما ابْتَغَتْهُ واشنطن بالضّبط : فقد فهمَ المملوك عبد الله بن عبد العزيز الرسالة الأمريكيّة جيّداً (وعلى منواله ينسج الآن رفعت الأسد زوج شقيقة إحدى زوجات زوجِات المملوك الراحل عبد الله ، علاقات غامضة مع ترامب!) ، فأعلنَ عبد الله بن عبد العزيز استِعْدادَهُ الكامِلَ لِيكُونَ خادِماً "لِحُرْمَةِ" السياسةِ الخارجيّةِ الأمريكيّة في المنطقةِ والعالَم ، فأُبْقِيَ عَلى عَرْشِهِ وَدُفِعَ بَنْدَر بن سلطان إلى الظلِّ ..حتّى التّلاشي.
والآنَ أيضاً سَتُذْعِنُ الرّياضَ لمَطالبِ ترامب الماليّة والسياسيّة كافّة ، وقد يُكلِّفُها بِدَوْرٍ وَظيفيٍّ جديدٍ ، وُربّما يَتعلَّقُ ب"الصفقة المتعلِّقة " بالمسألة الفلسطينيّةِ ، كما يَتعلّق بوقف جرائم حرب العدوان السعودي المُتواصل على الشعب اليمني وبإطفاء "حماوَةِ" رُؤوس السلطات السعوديّة إزاءَ الملفِّ السُّوري ، والمُساعَدَة في تَرْمِيدِ جِمارِ الإرهابِ في المنطقةِ والعالَم . فهذا ما يُمكِنُنا أن نَسْتَشِفَّهُ مِن تصريحاتِ "جاك كينغستون" مستشار الرئيس المُنْتَخَب "دونالد ترامب " عندما قال: "سُوريا سُتَشِكِّلُ تَحَدِّياُ ضَخْماً بالنسبةِ إلى الولاياتِ المُتَّحِدَة " وإنَّ ترامب سَيَسْعى إلى " تَفْعيلِ كُلِّ الأدوار ، بينها الدّور العربيّ ، والبَحْث مع روسيا في وسائلِ إنهاء الحرب " وإنَّ ترامب سيُرَكِّزُ على سوريا واليمَن في مَطْلَعِ عَهْدِهِ لأنَّ "الأزْمَةِ السوريّة مُكْلِفَة جدّاً إنسانيّاً ، كَما حَرْب اليمَن، وَتنامي نُفُوذ تَنظيم القاعدة هناك".
ولا نُجانِبُ الصَّواب إذا رَجَّحْنا أنَّ "آلِهَةَ الأولمب" في دوائر صناعة القرار الأمريكي قد تَمَخَّضَتْ سجالاتُها وصراعاتها إلى اختِيار ترامب لإنقاذ الولايات المُتّحدة مِن سياسة خارجيّة تتلقى الهزيمة تلو الهزيمة عبْر العالم أمامَ إرادةِ القيصر الروسي الجديد المُصِرَّة على صيانة القانون والمشهد السياسي الدوليّين مِن حَماقات الغطرسة الأمريكيّة التي باتت خَطَراً مُحْدِقاً يُهَدِّدُ حاضرَ البشريّة ومُسْتَقْبَلها ، وبالتالي مِن الأفضل للولايات المتحدة والعالم أن تظهر بقيادةِ ترامب شريكاً في استئصال الإرهاب وإطفاء الأزمات في منطقتنا والعالم وبالتالي حريصة على سلام وازدِهار البشريّة ، مِن أن تُمِعِنَ في سياستها العدوانية الإرهابيّة – كَما كان مُقَدَّرا لها بقيادَةِ هيلاري كلينتون - إلى أن تَخرجَ مِنَ المنطقة هِيَ وعُمَلاؤها كحكّام الخليج وتركيا والأردن وإرهابييها المُرتَزقة والتكفيريين ، هاربين أذلّاء جباههم مُمَرَّغة بوحْلِ الهزيمةِ وعارها ، يجرّون ذُيولَ الخيبة إلى مَزابل التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.