الموقوفين الذي يقدر حاليا بحوالي 21 ألف سجين من بينهم حوالي 12 ألف موقوف، بتكثيف العبء على الوحدات السجنية الموجودة بكامل تراب الجمهورية، وعبئا على المحاكم باعتبار القضايا المنشورة على الدوائر القضائية، علاوة عمّا تتكبده المالية العمومية من نفقات باهضة كتكلفة لنزلاء السجون، فضلا عن الضغط النفسي والإجتماعي الذي تعانيه عائلة السجين اثناء فترة قضاء العقوبة. ومن هذا المنطلق فكرت وزارة العدل في إيجاد بدائل عن العقوبة السالبة للحرية حيث أذن وزير العدل ببعث لجان تفكير لاستنباط الحلول الناجعة ووضع الآليات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية غاية الحد من اكتظاظ السجون والرفع من جودة خدماتها المسداة من جهة وتخفيف العبئ على المحاكم و عائلة السجين من جهة أخرى. عقوبات بديلة غير مفعلة في هذا السياق أفاد القاضي المكلف بدعم برنامج اصلاح القضاء جلول شلبي، في تصريح لحقائق أون لاين، بأن المشرع التونسي فكّر في هذا الموضوع ووضع بعض الآليات في تنقيحات سنة 2009 بالنسبة للمجلة الجزائية من ذلك عقوبة العمل للمصلحة العامة التي نصّ عليها الفصل 15 مكرر من المجلة الجزائية بالنسبة للجرائم غير الخطيرة، مبينا وجود اشكاليات في تفعيل هذا الفصل الذي يتوجب اتفاقيات مع الادارات المعنية حول التأمين من المخاطر وحوادث الشغل وهو ما يجعل القضاة مترددين في القضاء بها أمام عدم انخراط الجهات المستهدفة في هذا المسار و حشد امكانيتها المادية والبشرية في سبيل انجاحه. وتابع جلول شلبي بوجود آلية أخرى في الفصل 15 من المجلة الجزائية تتمثل في التعويض الجزائي الذي يتمّ عن طريق اتفاق على مبلغ معيّن من المال تحت اشراف قضائي باتفاق جميع الأطراف يفضي إلى ابقاء المتهم في حالة سراح، مبينا أن الاحكام في هذا الاتجاه قليلة جدّا. ومن العقوبات البديلة، وفقا لمحدثنا نجد الصلح الجزائي الذي نص عليه الفصل 135 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية الذي يمكّن وكيل الجمهورية بأن يجري صلحا بين المتهم والمتضرر، مشيرا إلى وجود محاولات في هذا الجانب لكن تبقى دون المأمول. ولفت محدثنا إلى وجود آلية السراح الشرطي كآلية مكرسة منذ صدور مجلة الإجراءات الجزائية وهي من ضمن صلاحيات رئيس الدولة الدستورية يعلن عنها بعد التشاور مع وزير العدل، وبين في هذا السياق أن وزارة العدل قامت بمراجعة منظومة العفو حيث أصبحت غير محددة بمواعيد الأعياد ويقوم وزير العدل كلما اقتضى الأمر عرض قائمة ممن سيتمتعون بالعفو على رئيس الجمهورية. وبين أيضا أن الفصل 53 من المجلة الجزائية يتيح للمحكمة النزول بالعقاب في بعض الصور إلى أدناه وهو ما عملت المحاكم التونسية على الإجتهاد في تطبيقه لتخفيف العقوبات دون استبدالها وقد ساهم إلى حد كبير في الحد من ارتفاع نسبة المساجين. شروع لجان مختصة في مراجعة المجلات الجزائية ولاحظ جلول شلبي أن جميع هذه الآليات الموجودة في القانون لم تفعّل كما يجب ممّا اقتضى إعداد لجان تعكف على مراجعة المجلة الجزائية ومجلة الاجراءات الجزائية وإقامة مشروع قانون خاص بالعقوبات البديلة. وأوضح أن وزارة العدل بادرت بمراجعة منظومة الاحتفاظ التي أشار إليها الفصل 13 مكرر من المجلة الجزائية، حيث دعمت رقابة النيابة العمومية على أعوان الضابطة العدلية المكلفين بالأبحاث الاولية خاصة أثناء الأبحاث المقترنة بحالات التلبس وتسعى إلى تعميم التجربة النموذجية المتعلقة بالمعالجة الحينية لهكذا ملفات. وبين في هذا الاطار بأن وزارة العدل تقوم بتنظيم دورات تكوينية عبر المعهد الأعلى للقضاء لتحسيس القضاة بأهمية تفعيل منظومة العقوبات البديلة لأهميتها في الحفاظ على حقوق الانسان بدرجة أولى واحترام مقتضيات قرينة البراءة وتفادي عقوبة السجن بدرجة ثانية. وتابع بأن ما ينتظر من عمل هذه اللّجان مستقبلا هو أن تتمكن من مراجعة منظومة طعن النيابة العمومية في الأحكام الجزائية الذي يحول دون إطلاق سراح المحكوم عليهم ابتدائيّا بعدم سماع الدعوى أو بعقوبة مخففة، فضلا عن ضرورة مراجعة سقف العقوبات المضبوطة بالمجلة الجزائية التونسية من جنحة وجناية ومخالفة، ومراجعة العقوبات في الجرائم غير القصديّة وفي الجرائم الاقتصادية البسيطة وفي جرائم الشيك دون رصيد التي يمكن جعلها مسألة تعالج بين البنك والحرفاء أو اضفاء الصبغة المدنية عليها. وبين أنه من المأمول مراجعة صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبات التي نصّ عليها الفصل 336 من مجلة الاجراءات الجزائية باتجاه توسيعها ومنحه قدرا أكبر من السلطة التقديرية بما يسمح له باقتراح استبدال العقوبات أو النزول بها بناء على تقارير تعدها سلفا الادارة العامة للسجون او المختصين من الإطباء والإجتماعيين وغيرهم. عقوبات جديدة.. وبالاضافة إلى العقوبات البديلة الموجودة في القانون التونسي تزخر التجارب المقارنة بنماذج لعقوبات أخرى بديلة نقدر أن تستأنس بها اللجان عند مراجعة المجلة الجزائية على غرار السوار الالكتروني الذي يتيح الابقاء على المتهم تحت الرقابة دون مغادرة منطقة جغرافية محددة وهو ما يساعد على ترشيد النفقات المالية للإدارة العامة للسجون المترتبة عن بقاء السجين داخل السجن. وأفاد جلول شلبي بأنه يمكن التفكير مستقبلا في ارساء ما يعرف بالنظام المفتوح اوشبه المفتوح وكذلك منظومة المصاحبة وهي عبارة عن منظومة تسمح بوضع السجين قيد الاختبار وتحذيره من مغبة العود مما يساعد على ابقائه محل متابعة ورقابة مع تأهيله في ورشات داخل السجون أو خارجها وقد تمّ في هذا الخصوص القيام بتجربة نموذجية بابتدائية سوسة واذن وزير العدل بتعميمها تدريجيا مع متابعة نجاحها وجدواها. ومن فوائد العقوبات البديلة، وفق محدثنا انها تساعد على مكافحة ظاهرة العود واستفحال الظاهرة الاجرامية من داخل السجون كما تفضي مباشرة إلى الحد من اكتظاظ السجون حتى تصبح متناغمة مع المعايير الدولية التي تقدر نسبة المساحة بالنسبة للسجين الواحد بما لا يقل عن 4 متر مربع في حين نجد أن النسبة الحالية بحوالي 2.9 متر مربع مع امكانية ارتفاعها بالتزامن مع تأهيل وإحداث وحدات سجنية جديدة مع موفى السنة الحالية وبداية 2018 بعد ان تم حرق العديد منها فضلا عن تداعي أغلبها. المنشود من دعم وتفعيل بدائل العقوبة وما من شك في أن ارساء منظومة متطورة أضحت من أولويات الحكومة لما لها من أهمية في تخفيف الأعباء المالية على الدولة لا سيما على مستوى ما تنفقه إدارة السجون شهريا من مستلزمات الصحة والأكل والشرب ونقل المساجين وحراستهم التي يمكن توظيفها للنهوض بمجالات أخرى اقتصادية واجتماعية، وفقا لما أفاد به القاضي المكلف بدعم برنامج اصلاح القضاء جلول شلبي. ويمكن إعادة تأهيل من زلّت بهم القدم في تطوير المنظومة الاجتماعية والاقتصادية وهو ما سعت إليه الوزارة بالتعاون مع برنامج دعم إصلاح القضاء من خلال مراجعة منظومة ورشات التكوين ومعايير الانتفاع بها بقصد تمكين أكبر عدد ممكن من التكوين والحصول على شهائد مهنية قبل المغادرة تمكنهم من الولوج لسوق الشغل.