الهيئة الوطنية للمحامين تتولى قضية وفاة التونسي الذيبي في مرسيليا    أسعار الكراس المدعم لهذا العام..#خبر_عاجل    شنوّا يقول القانون التونسي في حالة الاعتداء اوتسميم او تعذيب حيوان؟    عاجل/ عدد المشاركين أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة..وآخر الاستعدادات..    إصلاح الكابلات البحرية قد يستغرق أسابيع: هذه الدُول الأكثر تضررًا    هام/ لا تفوتوا مباراة تونس وغينيا الاستوائية..البث التلفزي..    عاجل: تفرج في ماتش تونس وغينيا الاستوائية مباشرة على هذه القنوات    حادثة مروعة: كهل يعنف والدته ويعتدي عليها بطريقة بشعة..وهذه التفاصيل..    قطر تخفّض أسعار 1019 دواء    شنيا تعرف على كمية''dentifrice'' الصحيحة للبالغين والأطفال؟    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يستغني عن خدمات أحد لاعبيه    بطولة افريقيا للكرة الحديدية: المنتخب الوطني ينهي مشاركته ب13 ميدالية    مباراة ودية: قوافل قفصة يفوز على جمعية مقرين    مباراة تونس اليوم ضد غينيا الاستوائية: كل ما تحتاج معرفته عن مدينة مالابو    تركيا: مقتل شرطيين في هجوم نفّذه قاصر    طقس متقلّب اليوم في تونس: خلايا رعدية وأمطار في البلايص هذه بعد الظهر    من الأربعاء: منخفض قوي وأمطار غزيرة ''غسالة النوادر'' في الطريق    بعد صيف طويل: غيث نافع يوم الاربعاء    وزارة التجارة تُخزّن 12 ألف طن من البطاطا استعدادا للفجوة الخريفية    من التراث الشعبي للتغيرات المناخية: ماذا تعرف عن ''غسّالة النوادر''؟    استراليا: علماء يكتشفون فيروسا خطيرا جديدا    كيف الوقاية من أمراض العودة إلى المدارس؟    أحد عشر عاما على اختفاء الصحفيين الشورابي والقطاري في ليبيا .. والأمل لم ينقطع في كشف مصيرهما    هجوم مسلح في القدس يسفر عن سقوط قتلى وجرحى    جبل الجلود: إيقاف مجرم خطير محل 20 منشور تفتيش    غار الملح تستعيد بريقها الثقافي بعودة اللقاءات الدولية للصورة    يوم الطالب التونسي في دورته الاولى بالبرتغال يوم الجمعة 26 سبتمبر الجاري    ألكاراز يهزم سينر ويحرز لقبه الثاني في بطولة أمريكا المفتوحة    الاحتلال يدمر 50 بناية كليا و100 جزئيا بمدينة غزة منذ فجر اليوم..#خبر_عاجل    عاجل/ هذه الدولة تقر إجراءات جديدة نصرة لغزة..    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    ترامب: قريبون من اتفاق حول غزة والإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين في القطاع    الدورة 69 من مهرجان لندن السينمائي: 'صوت هند رجب' و'سماء موعودة' ضمن القائمة    بنزرت: انتفاع 4400 تلميذ بالمساعدات الاجتماعية    المهدية..أبوابه بقيت مغلقة منذ 8 سنوات.. مطالب بتخصيص متحف دار البحّار ل«كنز المهدية» الإغريقي    عقارب تفتتح مهرجان العلوم: 3 أيام من الاكتشاف بين الفلك والرياضيات والبيئة    بالمتحف الأثري والإثنوغرافي بالمكنين أنشطة فكرية وفنيّة تخليدا لذكرى 5 سبتمبر 1934    تشريعية جزئية : انتهاء عمليات التصويت في دائرة دقاش حامة الجريد تمغزة ونسبة الاقتراع ناهزت 17,40 بالمائة    نادي الحرس الوطني يحيي حفلا فنيّا ساهرا بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث سلك الحرس    البنك المركزي يرفع سقف التحويلات المالية للطلبة بالخارج: التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    مجموعة "مصابيح صوفية" للمصمّم التّونسي حسان جلجلي حاضرة ضمن "أسبوع التصميم بباريس 2025"    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: المنتخب التونسي يواجه كوريا يومي 8 و 9 سبتمبر وديا    الدورة الثانية من صالون "آرتي كريا" من 6 إلى 12 أكتوبر 2025 بقصر المعارض بالكرم    الدورة الرابعة للصالون الدولي للسياحة والعمرة يومي 12 و13 سبتمبر الجاري بالعاصمة    الداخلية: احالة صيغة محينة لمشروع القانون الأساسي للعمد على رئاسة الحكومة لاستكماله ونشره بالرائد الرسمي    ديوان الحبوب: بامكان الفلاحين "مقايضة" جزء من محاصيل القمح "ببذور مثبتة"    وزارة التجهيز والاسكان تنتدب...    الداخلية: عمليات مراقبة وتحسيس متزامنة على أسواق الجملة في كافة أنحاء الجمهورية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    توقعات الأبراج لليوم: بين الأمل والحذر.. اكتشف ماذا يخبئ لك الأحد    أمطار منتظرة الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الداخلية.. الدّولة لن تتخلى عن مسؤوليّاتها في الدّفاع عن حقوق المُستهلك والحفاظ على قدرته الشرائيّة    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    الخطوط التونسيّة تسجّل نتيجة صافية سلبية ب335 مليون دينار في 2021    غدا.. خسوف كامل والقمر "دموي"    عاجل/ فيروس "إيبولا" يعود من جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أطياف" مهدي هميلي.. تونس بلا مساحيق تجميل
نشر في حقائق أون لاين يوم 20 - 01 - 2022

هل جربت الوقوف وجها لوجه مع تونس العميقة، تونس بتفاصيلها الممتدة من الفرح الى الترح ومن اليأس إلى الأمل؟
هل خبرت الولوج إلى دهاليزها وثناياها الحالكة واقتفاء أثر نقاط الضوء التي لا تظهر إلا تتلاشى مجددا؟
هل حاولت أن تمرر أناملك على جراح سكانها وكلما حاولت أن تحصيها توسع الفتق وأخطأت العد مرارا وتكرارا؟
هل فكرت في أن تغالب كل المخاوف داخلك وتمضي بعيدا بعيدا حيث لا يمكن للكل الوصول، حيث تكابر الذوات وهي ترتدي وجوها غير وجوهها؟
هل خمنت يوما أنك ستقف في نقطة فاصلة بين مرحلتين، نقطة تعادل الثورة تربكك وتهز داخلك وتلقي بك في هوة ملغمة بأسئلة لا تجد أجوبتها؟
في فيلم "أطياف" للمخرج مهدي هميلي، ستخوض تجربة وجودية حسية ويتأرجح داخلك على إيقاع ثنائيات كثيرة، الحياة والموت، الأنا والآخر، الفرد والمجتمع، الوهم والحقيقة، الخيال والواقع...
في العاصمة تونس، تدور أحداث الفيلم في فضاءات تراود ذاكرتك البصرية وتغوي ذكرياتك، وانت تلاحق كاميرا مهدي الهميلي التي تنجذب إلى التفاصيل الدقيقة، وإلى الهامش في نقاطه القريبة جدا حد البعد.
السيناريو محكم الحبكة والموغل في الواقعية يقوم على قصة "آمال" (عفاف بن محمود) التي تبحث عن وسيلة ما لتحقق حلم ابنها في أن يصبح لاعب كرة قدم وحينما تقترب من مبتغاها تشهد حياتها منحى دراميا قلب المعادلات غير الثابتة أصلا.
فيما تحاول الأم أن تجعل من حلم ابنها حقيقة، يستغل أحدهم الأمر ويستبيح جسدها وينتهي بها الأمر متهمة بالزنا والتجاهر بما ينافي الحياء وهي التي استمسكت بالصد وقاومت الذكر "عماد" (حكيم بومسعودي) الذي جثم فوقها كما الموت.
التراجيديا تتفاقم في الفيلم، والابن مؤمن (يحي بوستة) يفرط في حلمه وينحدر إلى قاع تونس ويتأصل في هوامشها وليلها وتمّحي حياته السابقة ويولد من جديد وسط عالم عنوانه غموض لا يؤدي إلا إلى المجهول.
بعد خروجها من السجن تبحث الأم عن وحيدها، لكنها أيضا كانت تبحث عن ذاتها التائهة في غياهب مجتمع ذكوري يفرض على أفراده حالة فصام مزمنة ويحول دونهم ودون رغباتهم لتتراكم طيلة السنين وتصير قاتلة..
في دوامة البحث عن ابنها، تواجه الأم ذات المجتمع المتناقض، فستة أشهر في السجن لن تغير الكثير، وفي الأمر إحالة إلى الثورة التي لامس التغيير فيها السطح فحسب وظل الجوهر والعمق يراوح مكانه ولا يتغير..
إمرأة وحيدة في رصيدها قضية زنا، تصارع الوصم والأعين التي تخترق تفاصيل جسدها ومحاولات مساومتها من أجل إيجاد ابنها، فيما تخلى زوجها عن دوره كأب قبل أن يطل في الاخير إطلالة أشد وجعا من غيابه.
وعبر تغييب الأب "طاهر" (نور الدين صولي) ، يقتل المخرج الأب والسلطة الذكورية ويترك الخلاص بيد الأم، حواء التي تجيد تحريك اللعبة وتتمثل طريق الخروج تماما كما فعلت في واقعة التفاحة..
والمرأة في "أطياف" وتد ترتكز عليه كل الاحداث وصولا الى جينيريك النهاية حيث تطالعك مفردات " إلى أمي"، ومن خلالها يمرر رسائل كثيرة عن الحرية وعن الحياة وعن الجسد..
والفيلم الذي تحضر فيه تيمة الحرية في تجليات مختلفة، ويستمد تفاصيله من الجسد وتمثلاته وتعبيراته وهوياته الجنسية والجندرية المختلفة، ليس إلا تأويلا سينمائيا لمآلات الثورة في تونس ومحاكاة للسوداوية التي لا تبرح الهامش والقاع.
الاستغلال، وتجارة الجنس، والتمييز، وتجارة المخدرات، والوصم، عالم الليل بكل تفاصيله كان حاضرا في الفيلم ولاحقته كاميرا مهدي هميلي وهي ترصد شخصية "مؤمن" في مختلف حالاتها وتواسي الام في بحثها عنه.
عن استشراء الفساد، وتغول اللوبيات، وقمع الحريات وانتهاك الحقوق، واحتدام اليأس وضيق الأفق، تحدث الفيلم دون مباشرتية وساءل الثورة والمسؤولين بأسلوب سينمائي يترك للمشاهد فرصا للتأويل.
وعبر تضحية أم في سبيل حلم ابنها، يثير المخرج علل تونس التي لم تنته بقيام الثورة بل تغلغلت أكثر فأكثر ومدت لها جذورا في المجتمع واستبطنها الافراد، وهو ما بسطته بعض المشاهد التي ظهرت فيها بعض الشخصيات بدور الواعظ.
من بين الشخصيات، "آمال" نفسها التي تلقت نبأ ثقب ابنها لأذنه وارتدائه أقراطا ورغبته في وشم بكثير من الغضب، شقيقها "سليم" (الراحل توفيق البحري) لم يتردد هو الآخر في فرض الوصاية على أخته وجسدها ووصمها في تجل واضح للعقلية الذكورية.
مشاهد الفيلم لا تخلو من التراجيديا، حتى في بعضها الذي يعلو فيه صوت الموسيقى وتتراقص فيه الأجساد، لكن الافراد فيها يبدون كأطياف تعيش في عالم غير عالمها وترتهن لوصايا لا تطيقها..
وعلى ايقاع التراجيديا، تكتشف الشخصيات في الفيلم جوانب أخرى منها وتسعى جاهدة نحو الحب غير عابئة بالعنف والسواد من حولها ولا بالقيود والاغلال التي ربطتها حول أعنقها وقدمت مفاتيحها لسجانيها.
وبين محاولات التحرر من السلطة البترياركية والدينية، يخرج "مؤمن" والشخصيات التي التقاها حينما ارتطم حلمه بالواقع ومات قبل اكتماله، من وراء الابواب المغلقة ويحاولون العيش كما يشاؤون ولكن ليلا.
في الواقع لم يتغير الكثير، والحرية مازلت سجينة العقليات المتكلسة، والفساد ملأ كل الفراغات واخترق الجهاز الأمني الذي يمثل إحدى حلقات عالم الليل في الفيلم، بل إنه أعنف الوجوه فيها.
وان كان العمل السينمائي محملا بالوجع واليأس في تفاصيله، إلا أن رحلة البحث عن الإبن المفقود تنتهي ببصيص من الأمل، وكأن المخرج يبعث برسالة أمل مفادها أن لا بد لليل أن ينجلي ولا بد القيد أن ينكسر ولا بد للثورة أن تعانق أهدافها.
رؤية مغايرة، يطرحها فيلم "أطياف" اختصر فيها فوضى الواقع في تونس بعد الثورة في ساعتين تكثفت فيهما الدراما وروت فيها الإضاءة حكايات كثيرة راوحت بين التلميح والتصريح، واخترقت فيهما حركة الكاميرا الداخل وترجمت الموسيقى انفعالات كثيرة.
هي تونس بلا مساحيق تجميل، تبدت في فضاءات التصوير المختارة بدقة وفي أداء الممثلين الذين تقمصوا الشخصيات كما أنهم هم في ولادة أخرى وأجادوا التعبير عن حالاتها النفسية والذهنية المختلف، الأمر الذي يحيل الى نجاح الكاستينغ وإدارة الممثل.
وطيلة الفيلم، أغدق الممثلون على الشخصيات وأدوها ببساطة ودون مبالغة في الأداء، كما نشأت كيمياء بين الممثلين الذين تجمعهم ذات المشاهد التي بدت وكأنها مقتطعة من الواقع.
و"أطياف" من تأليف وإخراج مهدي هميلي، ويشارك في بطولته نجوم تونسيون منهم عفاف بن محمود وحكيم بومسعودي وإيهاب بويحيي وسارة حناشي وسليم بكار وعزيز الجبالي ومراد الغرسلي ونعمان حمدة وأحمد الطايع والفنانة زازا في تجربتها السينمائية الاولى، تجربة أثبتت فيها قدرتها على التمثيل، فيما ألف الموسيقى التصويرية الفنان التونسي أمين بوحافة، وهي موسيقى بنت بيئة الفيلم المشحونة بالرفض والحرية والثورة والبحث عن الذات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.