دأبتْ حكُوماتُ الاتحاد الأوربي المُنْتَخَبَة ديمُقراطِيَّاً على مُجاراة السياسة الخارجيّة الأمريكيّة بتأثير مُستمرّ مِن الدوائر الصهيونيّة المُتَغلغِلَة في تلك الحكوماتِ التي لا تتردَّد في خدمَةِ مَصالِح واشنطُن على حساب مَصالِحِ شُعُوبها ، مثلها في ذلكَ مثل حكومات مَجلِس التعاوُن الخليجي. مناسبة استذكار ذلك قرار الاتحاد الأوروبي الذي ينص على إلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات الأوكرانية إلى الدول الأوروبيّة لمدّة ستة أشهر. والذي دَخَلَ حيّز التنفيذ اعتبارا من 23 أبريل/نيسان المُنْصَرِم. وينص القرار الذي نشر في الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي على إلغاء أو خفض رسوم الاستيراد المفروضة على نحو 95% من صادراتِ البضائع الأوكرانية إلى أوروبا. وَحَسب بيان صادِر عن المكتبِ الصحفيّ لمجلس الاتحاد الأوروبي فإنّ التفضيلات التجاريّة الممنوحة لأوكرانيا حتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، تُعَدُّ مُقدِّمَةً لإنشاء منطقةٍ تجارة حُرَّة كامِلة مع الاتحاد الأوروبي، وفقا لاتفاقية الشراكة مع هذا البلد". وعلى الرّغم مِن أنّ المفوَّضِيَّة الأوروبيّة كانت قد زَعَمَتْ أنَّ منح تفضيلات تجارية مؤقتة سيتيح للمنتجين الأوكرانيين توفير أكثر من 400 مليون يورو سنويا، فقد فَنَّدَ الخُبَراءُ هذا الزَّعْم لِكَوْنِ هذا التوفير سيحصل فقط في حال ثباتِ حَجْم الصادرات الأوكرانية إلى أوروبا، ووفْق تأكيد الخبير المستقل في بروكسل "فرانسيس إيفانز"، فإنه حتى لو توفرت لدى "كييف" إمكانِيَّاتٌ خاصّة فهي غيْر قادرة على توسيعِ صادراتِها إلى حَدٍّ كبير إلى أوروبا من أجل الاستفادة من التفضيلات الممنوحة لها وبالتالي رَفْعِ إيراداتها المالية، لأنّ قرار مَنْح تفضيلات تِجارية لأوكرانيا يَحتوي بنودَ أمانٍ هامّة، يُحافِظُ الاتحاد الأوروبيّ بمُوجَبها على "الحقِّ في تحديد كميّة البضائع الأوكرانية المستورَدَة، مِن المُنتجات سريعة التلف كالحُبوب، ولحْم الخنزير، ولحْم الأبقار، والدَّواجن والأطعمة المُصَنَّعة، لكي لا تضرّ بالمُنتِجين في دُوَل الاتحاد الأوروبي" ، كما تحتفظ بروكسل بالحقِّ في "إعادَةِ فرْض الرسوم الجمركيّة في حالِ أغرقتْ المُنتَجاتُ الأوكرانيّة الأسواقَ الأوروبية بكميّات كبيرة من مُنتجَات مُعيَّنة قد تشكل تهديداً لمنتِجيّ ذات السّلع في أوروبا" ، وعلى "كييف"، في المُقابل أن تضمنَ عدَم دُخول بضائع دولة ثالثة إلى سُوق الاتحاد الأوروبي على أساسِ أنّها صُنِعَتْ في أوكرانيا. و يُفْتَرَضُ أنَّ قرارَ الإلغاء يُمَهِّدُ لِتوقيع "بروكسل" و"كييف" اتفاقيَّة شراكة وإنشاء منطقة تجارة حُرَّة، حِينها ستُصبح التفضيلاتُ التجاريّة المَمْنوحَة لأوكرانيا ستصبحُ دائِمة، ولكنْ مع ذلك فإنّه بَعْد التوقيع على هذهِ الاتفاقية يَتَوَجَّبُ على "كييف" أن تفتحَ أسواقها للبضائعِ الأوروبيّة مِمّا يُؤدِّي إلى ضَرْبة خطيرة للصِّناعات الأوكرانية، وهذاهُو السبب الفِعْلي الذي جَعَلَ حكومة "كييف" تُرجئُ التوقيعَ على هذهِ الوثيقة. هكذا تَضَع الحُكومَة الأوكرانِيّة مَصالِحَ شَعْبِها رَهْنَ العَبَثِ الغَرْبيّ بمصائر الشّعوب ، فالتّبادُل التجاري كانَ يبلغ مع روسيا خمسين ملياراً بينما لا يُجاوز الخمسة مليارات مع أوربا سنويَّاً ، وهاهي روسيا تستقبل أكثر مِن ثلاثين ألف لاجئ أوكراني على أراضيها بينهم عشرة آلاف وستمائة طفل ، مِمّا يعني حسب "فينسنت كوشتيل"مدير المكتب الأوروبي للمفوض الأعلى للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن السلطات في أوكرانيا تواجه مشكلة في تقديم خدمات التعليم لهؤلاء الأطفال. إلا أنّ اللافتَ مِن جهةٍ ثانية أنّ أوربا التي يَتَضامَنُ زُعماؤها مِن طِراز الفرنسي "فرانسوا هولاند" مع كِيانِ العدوّ الصهيونيّ "أمامَ عمليَّات إطلاق الصّواريخ مِن غزّة" مُشيراً إلى أنَّه "على الحكومة الإسرائيليّة اتخاذ كلّ الإجراءات اللازِمَة لِحِمايَةِ شَعبها تجاه التهديدات" غاضَّاً الطّرْف عن قصف الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة لَيْلَاً نَهاراً على غزّة مُدَمِّراً بيوتِها على الأطفال والشيوخ والنساء الفلسطينيين مُبيداً عائلاتٍ غَزّاويّة بالكامِل ، أوربّا هذهِ لَن تَحْرِمَ نَفْسَها مِن عائدات الرسوم الجمركيّة التي تَفْرضَها على السّلع القادِمَة إليها مِن أوكرانيا خلالَ ستّة أشهر بل سَتُعَوِّضها بِفَرْض رُسوم جمركيّة على السّلع القادِمَة إليها مِن تونس والجزائر والمَغْرب التي يَحرص بَعْضُ حكامها وبَعْض "مناضِليها" القوميين التقدميين الإشتراكيين الديمقراطيين الجمهوريين كالرئيس المؤقّت الحقوقي "محمد المنصف المرزوقي" وكالمُعارَض المُخَضْرَم "أحمد نجيب الشابي" على الفَصْل بين موقفيّ واشنطن وباريس المُلَطَّخين بدِماء أهل غزَّة والعِراق وليبيا وسوريا وَبين مَوائد الإفطار الدبلوماسيّة والإحتفالات بالأعياد الوطنيّة التي تُقيمها هاتان الدولتان على شَخيبِ الدَّمِ العربيّ.