كشفت مؤسسة رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية منذ أيام عن بعض ملامح الحركة الدبلوماسية لسنة 2015 معلنة عن تحوير في أماكن السفراء وتسميات جديدة. وكان منجي الحامدي وزير الشؤون الخارجية قد أعلن الاربعاء الفارط خلال لقاء إعلامي انعقد على هامش ندوة السفراء والقناصل أنّ الوزارة ستعلن رسميا عن هذه التسميات دون أن ينفي صحّة ما يتمّ تداوله من أسماء. من المعلوم أن التوقيت المحدّد لإجراء هذه الحركة هو جوان الفارط أي قبيل دخول السلك الدبلوماسي في عطلته السنويّة العالمية وحتّى يتسنّى للدول الأجنبية دراسة مطالب الاعتماد وهو ما يتطلّب شهرا ونصفا على الأقل. غير أن مؤسسة رئاسة الجمهورية باختياراتها لهذا التوقيت قد رمت عن قصد أو من دونه إلى تمديد حكمها حتى جانفي 2015. من المهم القول ان عددا هام من سفاراتنا سيبقى دون سفراء حتى سبتمبر القادم في انتظار رد السلطات الأجنبية على طلب الاعتماد، ومن المعلوم أن الأربعة أشهر المقبلة ستشهد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية،حيث ستنبثق عنهما حكومة جديدة ورئيس جديد، فبأي حق تتعدى سلطاتنا الوقتية على صلاحيات الرئيس القادم أم أنّها الترويكا المستديمة؟ لم تسفر التسميات الجديدة عن تسمية سفير على رأس أهم سفارة في أوروبا وهي سفارة فرنسا بل سيتولى إدارتها وإدارة العملية الانتخابية الوزير المفوض لطفي الملولي ليصبح قائما بالأعمال. والملولي معروف لدى الأوساط الدبلوماسية بكونه أحد المقربين من صادق فيّالة، أمين عام مساعد سابقا لحزب التجمّع المنحل. وعلمت حقائق اون لاين أنّ السلطات الفرنسية غير مرتاحة لخيار تسمية السفير الجديد في فرنسا. أما علي بن عرفة سفير السعودية الذي نقل إلى العاصمة اليمنية صنعاء فمن الواضح ان الرغبة المبطنة بحسب مصادرنا هي ادماجه نهائيا في هياكل وزارة الخارجية وهو الذي لا يمت بصلة لها من قريب او من بعيد. الكل يعلم ان تعيين بن عرفة كان مفروضا من حركة النهضة التي هو أحد اعضائها الاوفياء. وهنا نتساءل كيف تم هذا الإدماج دون النظر في الملف التّأديبي المتعلّق بهذا الشخص ويشمل شكاوى موظفي سفارة السعودية منه بسبب افراطه بحسب مصادر في وزارة الخارجية في استغلال سلطاته لأغراض خاصة فضلا عن إدارته لاجتماعات بالدائرة القنصلية التابعة لجدة دون حضور القنصل العام. كان الأولى عزله لا إدماجه ضمن السلك الدبلوماسي. واذا نظرنا الى بقية التسميات من قبيل سفيرنا الجديد في قطر نطرح السؤال : كيف يعقل أن يكون هذا الشخص سفيرا والحال انه من اشد الاشخاص وفاء لمؤسسة الرئاسة؟! فصلاح الصالحي هو المستشار السابق لرئيس الجمهورية ومن الواضح ان تعيينه جاءا بناء على الارتباط الوثيق بين رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي بدولة قطر خاصة و نحن على ابواب حملة انتخابية. التجاوزات والاعتباطية في مسألة التعيينات شملت اسماء اخرى من قبيل تسمية نجيب منيف المدير عام السابق للعالم العربي والمنظمات العربية والإسلامية بوزارة الخارجية سفيرا لألمانيا. كيف يعقل تسمية شخص لا يتقن اللغة الألمانية ، وغير ملم بملف العلاقات التونسية الأوروبية والألمانية خصوصا ، في هذا المنصب؟! ما زاد الامر غرابة في مسألة التسميات هو تفضيل مؤسستي الرئاسة ووزارة الخارجية الاحتفاظ بسفير تونس في ليبيا رضا بوكادي، على الرغم من ثبات فشله الذريع في إدارة الأحداث بين البلدين. بوكادي رسخ تقليدا جديدا سيئا في عمل وزارة الخارجية التونسية وهو التحاور مع المنظمات الارهابية و التعامل مع جهات لا علاقة لها بالدول. كلنا يعرف كيف شهدت ولايته عملية خطف للدبلوماسيين وتدخل شخصيات غير رسمية في إدارة الشأن التونسي كوساطة الغنوشي رئيس حركة النهضة لتهدئة الأوضاع بين الفصائل المتناحرة في ليبيا أو وساطة الإسلامي المتشدد عبد الحكيم بلحاج في الإفراج عن الدبلوماسيين التونسيين المخطوفين في ليبيا. ومن الواضح ان التسميات بنيت بين المحاصصة بين القصرين(قرطاج والقصبة) مرورا بضرورة ارضاء مقر النهضة في مونبليزير. نصيب القصبة في صفقة التعيينات هو تعيين شقيق رئيس الحكومة المهدي جمعة في منصب سفير. فقد اثارت تسمية غازي جمعة شقيق رئيس الحكومة مهدي جمعة على رأس سفارة فيينا جدلا واسعا في الأوساط الدبلوماسية رغم أنّه ابن السلك وتولى مناصب سامية فيه. الاشكال في اسم غازي جمعة ان اسمه ورد ضمن ملف فساد أثارته لجنة تحقيق انبثقت عن النقابة الأساسية للوزارة وموظفين سامين بالهيكل، حيث كان له دور في الدبلوماسية التي لعبت دور البروبغندا في عهد بن علي. ملف غازي جمعة وصل الى مكتب وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام و قد أعلن أنّ الملف تعهّد به القضاء للبت في أمره في إطار العدالة. وزير الخارجية في حكومة مهدي جمعة ردا على سؤال ملف غازي جمعة في الندوة الصحفية المذكورة أعلن “ألّا علم له بهذا الملفّ”. وشدّد على القول بأنّ غازي جمعة صاحب سيرة ذاتية متميّزة ومشهود له بالكفاءة والمهنيّة، وكان ذلك على وقع ضحكات مهدي جمعة رئيس الحكومة المستهجن للتساؤل عن تعيين شقيقه. وأمام هذا الانكار الرسمي والتنصّل من تتبع الملف في إطار استمرار الدولة رغم تغيّر الأسماء على رأس وزارة الخارجيّة لا نملك إلا انتظار تحرّك الأطراف النقابية التي أثارت هذه المسألة وحملت رفيق عبد السلام على استبعاد غازي جمعة من ديوانه سنة 2012. من الواضح ان هذه القراءة في التسميات اوضحت ان المحاصصة والولاءات هي الامر المسيطر في التعيينات التي تمت. محاصصة وولاءات من داخل مؤسسة رئاسة الجمهورية لخدمة أغراض المرزوقي الانتخابية أو هي تمتّ بصلة الى مسألة الولاء والقرابة على غرار تسمية شقيق رئيس الحكومة مهدي جمعة أو عبر إعادة إحياء رموز خدمت النظام السابق. التعيينات التي تمت مثلت مخاتلة حقيقية للرباعي الراعي للحوار والمعارضة والشعب التونسي وكل طرف طالب بتحييد السلك الدبلوماسي عبر لعب ورقة الضغط. فمنح مناصب لأسماء من المفروض استبعادها في إطار مواصلة التحقيق معها أو لخدمتها للنظام السابق يمكن المشرف على هذه التسميات، أي "الترويكا المستديمة" من ضمان ولاء هؤلاء الأشخاص مقابل الصمت عن ملفاتهم الفاسدة. وللتذكير فإن المرزوقي قد آل على نفسه عدم التوقيع على أوراق اعتماد شخصية مناشدة وإن كانت من السلك الدبلوماسي، غير انه من الواضح ان رئيس الجمهوريّة خالف وعوده السابقة في هذا الملف وهو الذي وعد في خطابه الأخير يوم افتتاحه ندوة السفراء والقناصل ب"تغيير الماكينة المعطّلة في الدبلوماسية التونسية".