"تمكّنت الطلعات الجوية التي شارك فيها صقورنا البواسل مع أشقّائهم في دول التحالف بنجاح من إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة من خلال تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية والقوات الموالية من قواعد ومعسكرات الجيش اليمني." مقتطف من بيان وزارة الدفاع السعودية. يصدر بيان وزارة الدفاع السعودية المعلن لنهاية "عاصفة الحزم" وبدء مرحلة "إعادة الأمل"، بعد مضيّ 27 يوما من القصف وما يزيد عن 2415 غارة نفّذتها حوالى 200 طائرة، من الآف 15 و16 والميراج والتورنايدو لما يسمّى بالتحالف ب"قيادة" المملكة، التي تدكّ اليمن منذ السادس والعشرين من مارس / آذار الماضي، مخلّفة عديد الضحايا والخسائر والدمار. أكثر من 600 طن من القنابل والمتفجّرات، بعضها الفراغي كال: BLU-118/B المُوجّهة بالليزر والتي يصل وزنها إلى 900 كلغ، وصواريخ الماترا سوبر، والماجيل والهيدرا، حتى يُماط اللثام عن غيرها، صبّت وحممها على رؤوس إخوتنا اليمنيين، ما دام "بنك الأهداف" العسكرية في اليمن قد فُرغ منه في اليوم الأول أو الثاني على أقصى تقدير، وقُصف بعضها مرارا وتكرارا، حتى أنّ بعض المقاتلات كانت تعود إلى قواعدها بكامل حمولتها لانعدام وجود هدف تدمّره! بعض المختصّين العسكريين قدّروا القوة التفجيرية التي بلغها مجموع ما أُلقي على المدن اليمنية المستهدفة، the shattering capability or Brisance، ب:20 في المائة من قوة قنبلة هيروشيما!!! أكثر من ألف ضحية، حسب إحصائيات أولية والمؤكّد أنّ الأرقام الفعلية أعلى بكثير، مضافا إلى الدمار الشامل الذي أصاب ما كان لليمن من مرافق و"بنى تحتية"! ثم ماذا؟ هل أحدث هذا التحالف الطائر "نصرا مؤزّرا" على الأرض؟ هل تمكّن فعلا من "إزالة التهديد على أمن المملكة العربية السعودية والدول المجاورة"، كما يرد ببيان مزهوّ لوزارة دفاع المملكة؟ هل حققَّ "الحزم" السعوديّ أيّا من الأهداف على الأرض، غير الأشلاء والتدمير الممنهج لمُقَّدرات اليمن العربي؟ هل تغيّر معاناة اليمن بضحاياه المدنيين، وعشرات آلاف مشرّديه، وتدمير مقوماته من المعادلات العسكرية وخريطة المنطقة والتحالفات، حتى لا نخوض في مشروعية الحرب وعدالتها من عدمها، ما يضمن له فرض أمر واقع جديد منشود؟ ماذا لو رُصدت بعض من مئات ملايين الدولارات، ولن نقول كلّها، من تلك الأموال التي أهدرتها وبدّدتها السعودية ثمناً لصواريخها التي دمّرت بها "مرافق" و"منشآت" اليمن العسكرية والمدنية، لمشاريع تنموية سواء في اليمن أو غيره من أواني العرب المستطرقة؟ أ لن يحتاج اليمن الفقير حدّ الإملاق إلى سنوات ضوئية لكي يتمكّن من إعادة بناء ما هدّمه أشاوس التحالف؟ أ لم يكن ذلك أجدى وأنفع وأكثر ضمانا لأمن المملكة وجيرانها ومنعا لتسلّل من يهابون تغلغله في العراق وسوريا ولبنان وغيرهم؟ هل نجح من يحارب إيران، أو "رأس الأفعى" كما يحلو لهم تسميتها، في اليمن، في هزمها أو إضعاف نفوذها في المنطقة أو حتى مجرّد احتوائها؟ هل أوقف هذا "الحلف العربي السنّي" بتعبيرات الجماعة التي تنضح طائفية، بتصدّيه الدنكيشوتي، مدّا شيعيا يحاربونه بدماء الإخوة ومقدّرات الأمة المستنزفة، وحيث وجبت حربهم، يؤثّرون "سلام شجعانهم"، والاستكانة لمظلّة نووية يطوّرها وينمّيها العدو القومي والمركزيّ لهذه الأمة فضلا عن تحوّله إلى قوة عظمى في مجال الغواصّات وسلاح البحريّة، ليستجدوها ككلّ مرّة ممّن موّلوه ليمتلكها "نيابة عنهم"؟!! هل تؤسّس مرحلة التحالف الجديدة التي سمّوها "عودة الأمل" لرسم خريطة مستقبل يمنيّ يمكن أن يشعر معه جوار مرتعدة فرائسه، ما دام بات متعذّرا الحديث عن عروبة وأخوة وأمة في زمن انعدام التوازن والعمى أو التعامي الإستراتيجي وتفسّخ منظومة قيمية برمّتها، بالأمان وتجنّب أن يستشري السوس الطائفي النّاخر لأنسجة اجتماعية بعضها مُتآكل وبعضها متفجّر وبعضها جار هندسة عوامل تفجيرها؟ أم ينوي الجماعة نسف التاريخ هو الآخر أو الكفر بالجغرافيا ما دام كفروا بضرورات المصير المشترك؟ من وكيف سيتكفّل بردم هوة الحقد الطائفي المشظية للأوطان والمعبّدة لطريق الكيانات؟ هل ينهي طلب الرئيس اليمني، المقيم في السعودية، عبد ربه منصور هادي، وفقاً لبيان "التحالف"، حربا لم تنجز أهدافها المعلنة كعودة الشرعية واستسلام جماعة أنصار الله؟ ألا يعني ذلك أنّ طبخة ما أو تسوية ما أُعدّت في عاصمة ما بمواصفات ما، كان "الإخوة الأعداء" الأقدر على إنجازها دون تدخّل أجنبي وبأقلّ كلفة بشرية ومادية؟ ماذا يعني أن يصدر بيان انتهاء العاصفة ساعات فقط بعد أن يأمر عاهل السعودية قوات حرسه الوطني، القوة السعودية البرّية وما يحمله الأمر من مغزى، ب"المشاركة في العملية العسكرية وتعبير الأمير متعب بن عبد الله، عن "بالغ الاعتزاز بمشاركة قوات الحرس الوطني في هذه المهمة"؟ ماذا يعني تزامن أمر سلاح البحرية الأمريكي حاملة الطائرات روزفلت، USS Theodore Roosevelt، والبارجة القاذفة للصواريخ "نورماندي، the Cruiser USS Normandy، بعبور مضيق هرمز نحو خليج عدنوجنوبالبحر الأحمر، فالتّمركز قرب اليمن باقتراب تسع سفن، من بينها سفينتا دورية من طراز عسكري من اليمن؟ ثم ما الذي يقصده المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ستيفن وارن، Steven Warren، بقوله "بوجود قوة بحرية أمريكية في المنطقة نحن نحافظ على خياراتنا"؟ ماذا يعني أن تستمرّ المواجهات في جنوب اليمن بالرغم من وقف غارات التحالف وأن يتمكّن الحوثيون رغم تصريح المتحدث باسم عملية “عاصفة الحزم”، العميد ركن أحمد عسيري، المزهوّ بتحقيق جميع الأهداف و"تحييد من 95 إلى 98% من الدفاعات الجوية التي استولى عليها الحوثيون" ، من السيطرة على مقرّ اللّواء 35 مدرّع في تعزّ بعد معارك عنيفة؟ لو قدّر لحرب الترضية أو الإلهاء أو الملهاة هذه، التي أمّنها غطاء مؤتمر قمة شرم الشيخ ثم زكّاها القرار الدولي، ولم تحقّق هدفا واحدا من أهدافها الأربعة: انسحاب الحوثيين من جميع المدن وتسليم أسلحتهم وعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى ممارسة مهامهما، فالعودة إلى نتائج الحوار وتنفيذها، وإلغاء جميع التعيينات التي قامت بها الحركة الحوثية، لو قدّر لها أن تتحوّل إلى حرب استنزاف حدودية طويلة المدى، لا عنتريات فيها لطائرات تقصف من الجو، فلن تكون فقط ورطة حقيقية للمملكة، بل تخبّطا في مستنقع يمنيّ ضد خصم عنيد متمرّس بحرب العصابات، سبق له أن خاض عديد الحروب ضد قوات نظامية، بقوات لم تخض حربا واحدة منذ أربعين عاما، وسط حديث الخبراء والمحلّلين العسكريين عن نفاذ مخزون السعودية من القنابل والصواريخ كعامل رئيس لوقف "عاصفة الحزم"! مهما يكن سبب وشكل وصانع وبنود التسوية التي أنهت عاصفة لم تحسم شيئا، فإنّ رهانات المتلهّين بعبث الفتنة الملعونة كسياسة رسمية بمثابة القنبلة الموقوتة التي لن يطول الوقت حتى تنفجر في وجوه من يعبثون بها! اليمن الذي كان لسنوات السلم من مسؤوليات السعودية والخليجية عموما، تحت جميع المسميات، أولها واجب الجيرة، حتى لا نلزم الجماعة بالواجب القومي، نهاية بالعمق الإستراتيجي، أضحى الآن مسؤولية حرب، وحملا ثقيلا سينوء به الكاهل الملكي خلال وبعد العملية العسكرية المكلفة على جميع المستويات، وبعد نهايتها، لأن السعودية ستكون شاءت أم أبت ملزمة بضخّ ما بخلت به لإعادة إعمار ما دمّرته طائرات تحالفها الذي سينفضّ ولا نظنّه يملك ما سيتبرّع به للإخوة اليمنيين، فضلا عن الشرخ والتصدّع العميق الذي أحدثته في العلاقة مع اليمن الذي يُترك يلعق جراحه المثخنة دون تغيير وحيد في المعطيات وسط غياب ملامح اتفاق سياسي يخرج البلاد من نفقها المظلم. عن أي أمل يتحدّثون؟ *باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.