تسلل جذر من "النجم" وهو كما تعلمون نبات طفيلي إلى بستان تين في غفلة من صاحبه! ... تقدم جذر "النجم" من شجرة التين متذللا متمسكنا، وقال لها :"إني متعب والشمس حارقة، فهلا سمحت لي أن أستظل بظلك حتى يخفّ الحرّ وتميل الشمس عن كبد السماء، فأواصل طريقي فما أنا إلا عابر سبيل كتبت عليه الملاحقة والترحال"! بكل سرور تقبلت شجرة التين الطلب، وسمحت للزائر الغريب أن يستريح بظلها الوارف! مرت ساعات، ... مالت الشمس عن كبد السماء وحان موعد الرحيل! ... لكن "صاحبنا" الطفيلي لم يرحل! ... صبرت شجرة التين عله يحتاج لساعات إضافية حتى يرتاح ! ... اصفرت الشمس، لكنه لم يرحل! ... صمتت التينة احتراما لأدب الضيافة! ... مالت الشمس للمغيب وهو متمدد لا يبدو عليه أي عزم للرحيل! ... صمتت التينة لكنها ما عادت قادرة على اخفاء قلقها من الضيف الثقيل! .... غربت الشمس وحل الظلام و"النجم" يغط في نوم عميق وعروقه تتمدد في كل الإتجاهات! ... أيقظته التينة بأدب جم! ... "لقد فات موعد رحيلك ولعلك لن تبلغ مقصدك ما لم تسارع"!! تثاءب، تمطط، تظاهر بأنه يريد أن يقلع لكنه لم يستطع!! ... قال للتينة " هذه التربة متمسكة بي! ... قد تنقلت في شرق الأرض وغربها ولم أجد أفضل منها! ... وقد تمددت جذوري في هذا الوقت القصير في كل الإتجاهات وتشابكت فما عدت قادرا على الإنخلاع من هنا أو التحول! ... لو لم تكوني راغبة في جواري لنبهتني منذ أن مالت الشمس عن كبد السماء، وقبل أن أتمدد في التربة تشدني وأشدها! ... لعله من الأيسر الآن أن ترحلي أنت فجذورك أقل من جذوري طولا وعمقا! ... أو تقبلي "بتعايشنا" وجواري والإستظلال بظلي"! علمت المسكينة الطيبة أنها أصيبت في مقتل، فليس للعشب الطفيلي ظل يظل غير الحشرات والعقارب! .... شجرة التين طيبة مباركة، لكن أصلها غير ثابت وفروعها كلما ارتفعت ضعفت وسهل على العابثين كسرها وعلى "الريح" اقتلاعها! ... غطت جذور "النجم" كامل بستان التين والتفت على جذوعه ونبتت فيها، وطاولت فروع أشجاره، واستحوذت على سماده ومائه! كل ذلك تمّ في غفلة أو سكرة من صاحب البستان الذي تخلى عن رعاية أرضه وخدمتها وسمح للأعشاب الغازية أن تحتلها! ... كان بوسعه أن يجتثها بضربات قليلة، خفيفة من معوله! ولكنه الآن عاجز، فقد استفحل الداء وعم البلاء، فذبلت الأشجار وقلت ثمارها! ... ولا دواء إلا "الكي" كما يقول المثل... و"الكي" هنا أن يهب أصحاب الأرض ينفون عنها الخبث والطفيليات، يضربونها بالمعاول يتقصون جذورها، ويسقون أرضهم بعرقهم وبعض من دمائهم، ويتحملون في ذلك لدغات الحشرات والعقارب المختبئة تحت الأعشاب الطفيلية! ... بل لعلهم يحتاجون لجرار محراث "بوقلبة" يغوص في الأرض فيقلب عاليها سافلها حتى تتعرى كل الجذور الدخيلة! هو أمر مكلف وباهظ الثمن ولكن لا نجاة للأرض من دونه! ... الأرض طيبة وتستحق! ... "واعطيها تعطيك" كما أثر عن الأجداد! إن لم يفعل صاحب البستان ذلك فلينتظر يوما غير بعيد تتحول فيه جميع أشجار البستان إلى فحم في المواقد!! وهذا حديث في الفلاحة أبعد ما يكون عن السياسة!! ... عافى الله بساتيننا وتيننا وزيتوننا من الطفيليات!