تشهد الخارطة الحزبية في تونس حركية كبري، تمثلت بالخصوص في بعث أحزاب جديدة، يقودها شخصيات بارزة مثل الرئيس السابق المنصف المرزوقي، الذي عاد للمشهد السياسي بحزب جديد، أطلق عليه "حراك تونس الإرادة". تشتت حزبي يخدم "النهضة" كما انشق الأمين العام لحزب "نداء تونس" الحاكم، محسن مرزوق، الذي من المنتظر أن يعلن قريبا، عن بعث حزب مستقل تنظيميا عن "النداء"، لكنه في تواصل مع المشروع السياسي لحزب الرئيس السبسي، وفق ما صرح به مرزوق، وأكده الأزهر العكرمي ل "العربية.نت". هذه "الحراك" الحزبي، أثار العديد من النقاشات داخل المشهد السياسي التونسي، بين من يري أنه سيكون له تأثير لا على توازن الخارطة الحزبية فقط، بل على مستقبل الائتلاف الحكومي الحالي، الذي يوصف بأنه "تحالف هش". وهناك من يعتبر أن "التشتت الحزبي" سيساهم في مزيد تكريس واستمرارية القطبية الحزبية، التي تهيمن على الحياة السياسية، ممثلة في حزبي "نداء تونس" بقيادة الرئيس السبسي، وحركة "النهضة" الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي. يري نجم الدين العكاري، رئيس تحرير أسبوعية "الأنوار"، أن الأحداث الحزبية الجديدة، لن يكون لها تأثير كبير في الساحة السياسية. وقال العكرمي في تصريح ل "العربية.نت" "لا اعتقد أن تغيير "جبة" حزب المنصف المرزوقي، سيغير من الخارطة أو من حجم الحزب مستقبلا ، فالرجل حافظ تقريبا على نفس الوجوه القديمة، وتمسك بنفس الخطاب العدمي، الذي لا يؤمن بالوفاق خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد". المرزوقي عودة بخطاب قديم من جهته، أكد هادي يحمد، رئيس تحرير موقع "حقائق أون لاين" أن "المنصف المرزوقي اعتمد في تأسيس حزبه "حراك تونس الارادة"، على الذين ناصروه في معركته الاخيرة الخاسرة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة. وهي وجوه، بالنسبة ليحمد مما يمكن تسميتهم بالطبقة "الرمادية"، من السياسيين الذين يضعون شطر بضاعتهم في المشروع الاصولي والشطر الثاني في جبة الحداثة". و هنا يعتبر هادي يحمد، أن المرزوقي لم يستفد من تجربته السابقة عند تأسيس حزبه الجديد. بل أنه عاد من جديد للتحالف مع القوى المتطرفة التي قادته الى الهزيمة في الرئاسيات. وحول حظوظ المرزوقي في اعادة "التموقع"، داخل المشهد السياسي والحزبي، أكد المحلل السياسي منذر ثابت أن عودة المرزوقي، ستمثل عنصر ضغط وتوتر في المشهد الحالي. فالمرزوقي، بالنسبة لمنذر ثابت سيعزف من جديد، على الوتر الشعبوي، وسيعتمد في ذلك خطاب تصعيدي، خاصة عبر التركيز على بعث "الخوف" من عودة النظام القديم. كما لم يخف ثابت، أن المرزوقي سيكون له ثقل في المناطق الجنوبية التي صوتت له بكثافة في الرئاسيات الأخيرة، وأيضا لدي الفئات المهمشة. لكنها غير كافية لقلب موازين القوي الحالية في الساحة الحزبية. التونسيون لا يثقون في الأحزاب كما يشدد العكاري علي أنه من "يصعب على التونسيين أن يثقوا في المرزوقي وفي مجموعته، و نفس الشيء يمكن أن يقال عن المجموعة التي غادرت نداء تونس بقيادة محسن مرزوق، والتي تضم في الغالب شخصيات يسارية ونقابية، لا شعبية أو امتداد لها في المجتمع ما سيجعلها حتما في عزلة سياسية ومجتمعية، على غرار بقية الأحزاب اليسارية". ويعتبر العكاري "أن أهم رافد في "نداء تونس"، وهم الدساترة خيروا البقاء داخل الحزب الأكبر في البلاد، ورفضوا المغامرة بإنشاء حزب جديد، مع ما يتطلبه ذلك من تعبئة واستقطاب عناصر جديدة، في وقت مل فيه التونسيون من التجاذبات السياسية، ومن العمل الحزبي نتيجة حالة الاحباط العامة التي يعيشونها". كما قال الكاتب والمحلل السياسي نصرالدين بن حديد أن الحزب الذي ينوي محسن مرزوق بعثه سيكون تموقعه في الساحة صعب، فالأكيد أن الكيان الجديد الذي سينطلق من خلاله مرزوق ومن معه، سيحاول في الآن ذاته منافسة «طليقه» النداء بخصوص «الارث المشترك»، ممّا سيجعل من الصراع الثنائي أحد أسباب وجود هذا الحزب، وثانيا، سينطلق الحزب في معاداة النهضة التي صرّح بخصوصها قادة الحزب الجديد بأنّها غريمتهم. عودة الصراع مع الإسلاميين في هذا السياق، قال القيادي المنشق عن حركة "نداء تونس" عبد الستار المسعودي، في تصريح اعلامي "انه ستقع مراجعات في إطار المشروع الجديد للمنشقين عن "نداء تونس" حول العلاقة مع حركة "النهضة"، لافتاً إلى ان ما وقع هو ان "النهضة" خرجت من الحكم ولكنها بقيت في السلطة، ومذكراً بأنه كانت هناك معركة كبرى ضدّ الترويكا وحركة "النهضة" التي قادت البلاد إلى الخراب الاقتصادي والاجتماعي والإرهاب". وأشار المسعودي "انه لا يمكن العمل مع حزب عقائدي"، مشيرا "على النهضة توضيح موقفها فإما أن تكون حزباً مدنياً حقيقياً هويته تونسية وفي هذه الحالة يصبح العمل معها ممكناً، أما إذا بقيت "بين بين" وتعتمد الخطاب المزدوج، فلا سبيل للعمل أو "للشراكة الاستراتيجية" معها". وفي علاقة بانشاق محسن مرزوق من حزب "نداء تونس"، قال هادي يحمد "نحن امام فرز منتظر في هذا الحزب. ربما المراهنة اليوم بين طرفي الصراع في النداء هي من بإمكانه الحصول تزكية العدد الاكبر من مناصري الحزب. مرزوق ركز على ضرورة التمايز بين المشروع الحداثي البروقيبي وبين مشروع حركة النهضة المشاركة في الحكم مع "نداء تونس". ويضيف هادي يحمد "يتعلق الامر حسب رايي برغبة محسن مرزوق بتأكيده ان اختلافه مع الشق الاخر مبني على اختلاف في مشروعين: مشروع ندائي متحالف مع الاصولية الدينية ومشروع ندائي اخر يرفض التحالف معها ويرفع شعار البورقيبة عنوانا للحزب الجديد الذي ولد من ازمة النداء". مرزوق والبحث عن دور يشير منذر ثابت الى أن محسن مرزوق، بعد أن أختار الانشقاق على "نداء تونس"، سيكون أمام "اختبار كبير"، فهل أن القطع مع النداء، يعني ضرب التوافق وبالتالي العمل على اسقاط حكومة الحبيب الصيد؟. ويعتبر ثابت، ان ضرب التوافق يعني عودة "النهضة" لتصدر المشهد، بما أنها ستصبح الحزب الأغلبي، وهو لا يخدم تصورات مرزوق في حربه المعلنة على "النهضة" الاسلامية". من جهة أخري، يشير منذر ثابت الى أن محسن مرزوق لن يكون بمقدوره بناء حزب قوي قادر على منافسة "نداء الباجي" و حركة "النهضة"، وأنه بعد أن انفصل مع مجموعة من اليساريين والنقابيين، سيكون مجرد حزب صغير بلا دور. صمود "تحالف" السبسي-الغنوشي يؤكد منذر ثابت على أن التوازنات السياسية الحالية، ممثلة في "التوافق" بين الشيخين قائد السبسي والغنوشي، ستبقي قائمة، لانها تمثل الحد الأدنى الضروري للإبقاء على استقرار هو أصلا هش وضعيف، وهو أيضا "تحالف" يحظى برضا وقبول دولي. وبالنسبة لثابت فان حركة "النهضة" حريصة اليوم على التأقلم مع المستجدات الجديدة، المتسمة بتراجع الاسلام السياسي في أنموذجه "الإخواني"، وهو ما يبين اصرار الغنوشي ورفاقه على الحرص على ابراز "تميزهم" بل "قطيعتهم" مع التصورات وكذلك الارتباطات التنظيمية بالإخوان، من أجل الاستمرار في المشهد. كما يعتبر ثابت أن "نداء تونس" التابع للرئيس السبسي، من مصلحته الابقاء على التعايش الحالي مع الاسلاميين، خصوصا وانه حزب منهك من الخلافات والانشقاقات التي أثرت على ادارته للبلاد، وبالتالي فان من مصلحته الان تحييد خصم سياسي قوي مثل "النهضة".