بعيدا عن الاتهام بالجهويات ,يكون الحديث عن عاصمة الجنوب في الوقت الراهن مطلبا ملحا لكل متساكني هذه المدينة حيث تزداد صعوبات العيش في ضوء ما تشهده مختلف المعتمديات من عراقيل عديدة رغم ما تقدمه باستمرار من تضحيات في سبيل رفعة تونس ومناعتها .الجميع يعلم أن ولاية صفاقس هي أكثر ولايات الجمهورية تلوثا وذلك طيلة عقود عديدة سواء في حقبة بورقيبة أو عهد المخلوع . هذا التلوث الصناعي استفحل بالمدينة وتحالف مع تكدس الأوساخ حتى في المناطق التي يفترض أنها يجب أن تكون بعيدة عن تلك المناظر المزرية مثل باب البحر وبالقرب من المستشفى الجهوي وباب الجبلي بل وحتى داخل الأسواق الحساسة (سوق الحوت مثلا) . فرغم ما انتظره أصحاب هذه المدينة من تحرك حاسم للمجالس البلدية المؤقتة في مستوى الإسهام في تحقيق المصالحة مع البيئة النقية إلا أن ذلك لم يتجسد على ارض الواقع حتى أن تكدس الأتربة على الطرقات وتناثر الأوساخ أصبح مشهدا مألوفا. رفع الفضلات لا زال يعمل بمنظار لا يتماشى والازدياد العمراني الكبير أو التشييد المستمر للمحلات التجارية . كعينة لهذه الصورة القاتمة يمكن المرور أمام السوق المركزية حيث وجود مقاهي ومطاعم ومغازات والتأكد من حدة الروائح الكريهة المتصاعدة من الأمكنة الخاصة بالحاويات التي ترفع بوتيرة بطيئة لا تراعي حرمة ذلك المكان الذي يقع أسفل عمارات سكنية إلى درجة أن المتساكنين يجبرون على استنشاق تلك الروائح . إذن بغض النظر عن تعلات الاعتصامات وقلة الآليات الخاصة بالرفع يمكن إدانة المسؤولين المباشرين بهذا القطاع . الجميع يعلم أن البيروقراطية لما تستفحل تنعدم الجدية .المجالس الحالية لا زالت تعمل وفق الوتيرة الخاصة بالسنوات السابقة ويظهر بالكاشف أن اللامبالاة قد تكرست رغم خروج الأشخاص الذين كان يزكيهم النظام السابق لتلميع صورته حتى أن البلدية تحولت الى شعبة .المسؤول الحقيقي هو الذي يعمل حقا وفق مبدأ الخلاص في العمل ,وفق النجاعة والمردودية ,وفق تطلعات الشعب .لكن وللأسف , لازالت المناظر المزرية على حضورها المكثف . يكفي الجلوس في احد مقاهي باب البحر كي تختنق بالروائح والأتربة والدخان الذي يتصاعد باستمرار من الشاحنات الثقيلة التي تتبختر في الطرقات الضيقة حتى انك تتخيل نفسك على مشارف منطقة حدودية تكثر فيها الحركة التجارية بين دولتين ,بالإضافة طبعا لبقية السيارات المتكاثرة هي الأخرى. موضوع النظافة بهذه المدينة هو الهاجس المركزي لمتساكني الولاية خاصة عند المقارنة بولايات أخرى خاصة منها الساحلية . لم يعد من المقبول التعلل بعبارات “السياحية” أو “بلاد الرئيس” للتميز بين نظافة مدينة وأخرى أو المرافق العمومية بين ولاية و ولاية ثانية.المواطن هو مواطن في أي مدينة تونسية ومن حقه التمتع بكل مقومات العيش الكريم ودون تبريرات لم تعد ممكنة بعد الثورة المباركة والتي رغم إطاحتها بالنظام الديكتاتوري , لم تتمكن من القطع مع الكثير من الأساليب السابقة في العمل ومنها القبوع في البرج العاجي الخاص بالمسؤول . فكرة بعض الحملات الخاصة بالتنظيف هي مجرد مسكنات إذ أن الأصح هو أن تكون الممارسة بشكل مستمروبالكثافة المطلوبة كذلك. ندوات عديدة ومقالات كثيرة وأحاديث غزيرة أشارت إلى كون مدينة صفاقس هي مدينة التلوث , وهذه الإشارات لقي أصحابها سابقا تهديدات عديدة لأنها تعتبر فضحا لنظام فاشل فرض على وسائل الإعلام تمجيده وعلى أتباعه ملاحقة من لا ينساق وراء تمجيده بإيهام الجميع انه يحمي جميع التونسيين . الآن ورغم زوال هذا النظام لا نلاحظ اعترافا بالكارثة الكبيرة التي تهدد باستمرار هذه الولاية ولا تحركا ناجعا في سبيل القضاء عليها .متساكني المدينة لا يتنظرون من المسؤولين غير التحرك السريع احتراما لمبدأ العدالة وتأسيسا للمواطنة في معالمها الحقيقية.