تونس (وات- تحرير مفيدة بن تواتى)- مرت سنة على إضرام محمد البوعزيزى البائع المتجول النار في جسده أمام مقر ولاية سيدى بوزيد احتجاجا على مصادرة شرطة التراتيب البلدية لعربته التي كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه ليفجر بذلك شرارة الثورة التونسية التي استلهمت منها الشعوب معاني المقاومة السلمية في سبيل الانعتاق من براثن الدكتاتورية وكسر قيود الظلم والاستبداد. وكانت هذه الحادثة التي وصفها نظام بن على "بالمعزولة " كافية لتؤجج الغضب الكامن في النفوس منذ سنوات فقد خرج أهالي سيدى بوزيد في مسيرات سلمية احتاجية ضد غلاء المعيشة والبطالة لفتت انتباه وسائل الإعلام في العالم وأقلقت راحة بن على الذي كان في ذلك الوقت يعيش في قصره الفخم محتضنا ابنه غير مبال بأوجاع شعبه. وتوسعت الاحتجاجات التي تحولت إلى طابع سياسي شيئا فشيئا لتنتقل إلى قرى ومدن الجهة مثل الرقاب وسيدى على بن عون ومنزل بوزيان وجلمة والمكناسى ثم نحو مدينتي القصرين وتالة أين سقط أكثر عدد من الشهداء ولتتحول إلى عدة أماكن من البلاد قبل ان تتوج يوم 14 جانفى بالعاصمة تاريخ هروب زين العابدين بن على لينتهى بذلك نظام حكم بأيدي من حديد صودرت خلاله الحريات وقمعت فيه أصوات الحقوقيين والمعارضين ورضخ فيه الشعب للاستبداد. وكان البوعزيزى البالغ من العمر عند وفاته 25 عاما والمنتمى إلى عائلة فقيرة مثالا لجيل بأكمله شعر بالقطيعة مع محيطه وعانى من التغريب والتهميش خاصة في المناطق المحرومة اذ تبلغ نسبة البطالة في منطقة الوسط الغربي حسب آخر الإحصائيات 28 فاصل 9 بالمائة و26 فاصل 9 بالمائة بالجنوب الغربي و24 فاصل 8 بالمائة في الجنوب الشرقي و11 بالمائة في الوسط الغربي. وكشفت وفاته عن فشل السياسة التنموية التي كانت معتمدة في توزيع ثمار التنمية فالجهات الداخلية تعانى من الإهمال والحرمان رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية هامة إذ ترتفع فيها نسبة الفقر التي قدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية إجمالا في تونس ب24 فاصل 7 بالمائة علاوة على عدم توفر مواطن شغل كافية لجميع طالبيه وغياب المشاريع الاقتصادية الكبرى ووجود بنية تحتية هزيلة وغياب المرافق الحياتية الضرورية. ولئن كانت المطالب الاجتماعية من أهم الشعارات المرفوعة خلال الثورة فان طموح التونسيين كان اكبر وأعظم وكانت استفاقتهم من غيبوبة طويلة لا رجعة فيها فطالبوا بالحرية والكرامة وأرادوا نظاما سياسيا ديمقراطيا يقوم على التداول السلمي على السلطة ويقطع مع الماضي ويقضى على الفساد والمحسوبية والموالاة. واليوم وبعد سنة على انتفاضة سيدى بوزيد لا تزال هذه المدينة الصامدة في انتظار تحقيق مطالبها وهى تحتفل اليوم السبت 17 ديسمبر 2011 بالذكرى الأولى لانطلاق شرارة الثورة وأضحت وجهة تحولت إليها الأنظار في الداخل والخارج تكريما لها وتخليدا لشهدائها .