تونس (وات - تحرير عائدة الهيشري)- تحتفل تونس هذه السنة باليوم العالمي للمرأة الموافق للثامن من مارس من كل عام، وهي تعيش مرحلة كتابة دستور جديد للبلاد وسط جدل واسع بين مدافع عن مكاسب المرأة وحقوقها ومطالب بمراجعتها. وتعتبر هذه المرحلة حلقة تاريخية هامة بالنسبة لكافة التونسيين وخاصة لنساء وشابات تونس اللائي خضن نضالات طويلة من اجل المساواة والحرية والكرامة توجت بجملة من الحقوق المكفولة بمقتضى دستور البلاد لسنة 1959 ومجلة الاحوال الشخصية الرائدة في محيط تونس العربي والاقليمي وحتى الدولي. الا أن ثورة تونس الرائدة أيضا في محيطها، التي نشدت الحرية والكرامة والتوق الى ارساء ديمقراطية فعلية، أفرزت على عكس كل التوقعات، جدلا واسعا في الاوساط السياسية والحقوقية والمدنية حول حقوق المراة ومكتسباتها بين مدافع عنها ومطالب بمراجعتها. وقد تحول هذا الجدل الى مخاوف من امكانية الارتداد اوالتراجع عما حققته المرأة التونسية من مكاسب على مر عقود، بعد ان أسفرت نتائج انتخابات المجلس الوطني التاسيسي في 23 اكتوبر الماضي عن فوز حزب /حركة النهضة/ ذي المرجعية الاسلامية بأغلبية المقاعد. ومع انطلاق كتابة الدستور الجديد، ازدادت حدة هذه المخاوف بسبب الاختلاف الواضح بين الكتل البرلمانية صلب المجلس التأسيسي حول مصادر التشريع وتمسك كتلة /النهضة/ باعتماد الشريعة الاسلامية كمصدر أساسي في وضع الدستور الجديد للبلاد وهو ما يرى فيه البعض سعيا واضحا الى تهميش مدنية الدولة وضربا لمفهوم سيادة الشعب الذي ثار برجاله ونسائه في وجه الظلم والطغيان. تهديدات حقيقة وحول مدى جدية هذه المخاوف التي باتت تهدد حقوق المراة في تونس ما بعد الثورة، أفادت الحقوقية وعضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سعيدة قراش ل(وات)، أن اللحظة الراهنة تعد لحظة مصيرية وفارقة بامتياز في تاريخ نساء تونس باعتبار ان التهديدات التي تستهدف مكاسبها على علاتها، تهديدات حقيقية وخطيرة في ذات الوقت. وبينت ان ماحدث يوم 28 فيفري المنقضي من خلاف صلب المجلس الوطني التاسيسي حول مسالة ادراج الشريعة كمصدر أساسي للدستور يؤكد جدية هذه المخاوف، مشيرة الى انه في حال الاعتماد على الشريعة لضبط الحقوق والواجبات بين الدولة والمواطنين وتنظيم السلط العمومية وتحديد طبيعة النظام السياسي وأشكال التدوال على السلطة، فان ذلك يطرح حسب رأيها "فكرة مضادة لمبدأ سيادة الشعب ويجعل مجلة الاحوال الشخصية التي تعد مرجعا في حقوق المراة، مرتبطة باحكام الشريعة الاسلامية بصفة الية". وأضافت قولها أن "ذلك يعني أيضا أن تكون الشريعة الاسلامية هي الأعلى مرتبة في السلم الهرمي للنصوص القانونية بما فيها الاتفاقيات الدولية" والحال ان تونس صادقت على جل الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان وخاصة منها اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المراة. تخوفات يؤججها الانقسام صلب المجلس التأسيسي ويرى استاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية قيس سعيد، ان التخوفات التي تبديها بعض الاطراف حول التراجع عن عدد من المكاسب والحقوق التي تحققت للمراة التونسية على مدى اكثر من نصف قرن، تاتي "نتيجة ذلك الاصطفاف الواقع داخل المجلس الوطني التاسيسي بين اغلبية لها مرجعية دينية واقلية ترفض هذه المرجعية"، وهو ما ساهم على حد تعبيره في "تاجيج الجدل حول مصير هذه المكاسب خارج المجلس ايضا". وأضاف ان جدية هذه المخاوف تزداد حدة في ظل هذا الاستقطاب الثنائي داخل المجلس وخارجه بتعدد التصريحات المتضاربة وما يشير منها الى امكانية مراجعة بعض احكام ما اسماه بحقوق وحريات المراة، الى جانب ظهور ممارسات داخل المجتمع فيها خروج عن النص القانوني. وحول سبل تجاوز هذه التخوفات، أكد الاستاذ قيس سعيد انه لابد من تصور يختلف تماما عن التصور السياسي الحالي باعتبار ان ما يمكن ان يدرج اليوم في نص الدستور، قد تتم مراجعته بعد وقت قصير، مبينا أن الافضل هو ان يضع المجلس الوطني التاسيسي اعلانا لحقوق الانسان والمواطن يعرض على الاستفتاء ويتم بناء عليه وضع الدستور الجديد للبلاد. ويجب أن يتضمن هذا الاعلان، حسب الأستاذ قيس سعيد جملة من المبادئ الاساسية والحقوق والحريات التي لا يمكن التراجع عنها ولا يمكن للدستور ذاته ان يخرقها. لا سبيل للتراجع عن حقوق المرأة أما الاستاذ والباحث في العلوم الاجتماعية بلعيد اولاد عبدالله، فقد أوضح انه من جانب التحليل الموضوعي العلمي السيوسيولوجي لا يمكن التراجع عن مكتسبات المرأة في تونس نظرا لأهمية المكانة التي بلغتها وارتباطها بالثقافة العربية الاسلامية التي تثمن مكانة ودور المراة في المجتمع على عكس ما يتصوره البعض. ولاحظ أن التصور اليميني او اليساري المتطرف لا يمكن ان يستهدف مكتسبات المراة التونسية ولا ان يطمس تجذرها في هويتها العربية الاسلامية، مبرزا الدور الفعال الذي لعبته المرأة التونسية خلال الثورة ومساهماتها في مختلف مجالات الحياة العامة. ويرى الاستاذ بلعيد أولاد عبد الله انه على واضعي الدستور الجديد للبلاد أن يعوا انه لا يمكن استهداف تركيبة المجتمع التونسي التي حددت ملامحها مجلة الاحوال الشخصية وغيرها من التشريعات والنصوص والتي اقرت على سبيل المثال منع تعدد الزوجات والحق في التعليم والشغل واقرار واضح باهمية المساواة بين المراة والرجل. وأكد ان ما يجري الان في الساحة التونسية من جدل حول مصير حقوق المراة خاصة بين الاطراف المتشددة يمينا او يسارا، ما هو الا ارتدادت ظرفية لا يمكن ان تغير من مكانة المراة في المجتمع التونسي، الا في اطار مقاربة انسانية تحترم حقوقها ومكتسباتها وتثمن قدراتها. حقوق المراة في تونس لا تتعارض مع ما جاء في الاسلام ومن جهتها شددت الكاتبة العامة لجمعية /تونسيات/ غادة بن جدو أن حقوق المرأة في تونس رائدة وثورية في العالمين العربي والاسلامي و"لا داعي بالتالي للتراجع عنها لانها لا تتعارض أصلا مع ما جاء به الاسلام"، مقرة بوجود هذه التخوفات لكن دون المبالغة بشأنها. واعتبرت ان مسائل النقاب والزواج العرفي وتعدد الزوجات مظاهر جديدة بالنسبة للمجتمع التونسي تستوجب المتابعة والدراسة الجدية والمعمقة حول أسبابها للتحكم في نتائجها ومخلفاتها. وقالت أن "النص القراني والسنة براء من مثل هذه السلوكات"، مبينة ان الاصل في الزواج يكون بواحدة، ولم يبح الاسلام حسب تقديرها "تعدد الزوجات وهو ما ذكر بوضوح تام في القران الذي لم يقر أيضا تغطية المرأة لوجها ويديها بل أوجب عليها لباس الحجاب فقط وذلك ضمانا لعملية التواصل والحوار مع الاخر". وترى السيدة غادة بن جدو، في المقابل، أن التحديات الحقيقة التي تواجه المرأة اليوم تتمثل أساسا في تفعيل عدد من حقوقها على غرار المساواة الفعلية أمام فرص الشغل والتواجد في مواقع القرار بما يتماشى وكفاءاتها العلمية ومؤهلاتها الفكرية الى جانب تعزيز حضورها في المشهد السياسي خاصة. وخلصت الى القول أنه "بعيدا عن المغالاة في المطالبة بحقوق المرأة على غرار المساواة في الارث، فان المراة في بعض الجهات من تونس وخصوصا في المناطق الريفية النائية لا تزال محرومة من حقها الشرعي في الميراث في مخالفة واضحة لاحكام الدين الاسلامي الذي كرم المرأة واعطاها المكانة التي تستحق"، وهو ما يستوجب حسب رأيها مضاعفة الجهود وتكاتفها بين مختلف الفاعلين في المجتمع للنهوض بأوضاع المراة التونسية ومزيد تدعيم مكاسبها وحقوقها.