ردود أفعال غريبة وعجيبة ومضحكة يأتيها «الراسخون في الترسكية» في الحافلات وفي عربات المترو الخفيف وفي غيرها من وسائل النقل. وكل الوسائل مباحة عندهم المهم أن يفلتو من قبضة المراقب. تتحوّل الحافلة وعربة المترو وغيرها من وسائل النقل الى مكان لعرض فرجوي أبطاله مسافرون ومراقبون وضمن هذا العرض توجد مشاهد مأساوية وأخرى كوميدية. * اعتقدنا أننا في الفلوجة ويروي بعض المراقبين ما حصل لهم حين كانوا بصدد القيام بواجبهم في لساعة الثامنة والنصف ليلا بالحافلة رقم 514 (أ) التي تحمل الركاب الى حي البساتين والشرية وبمجرد صعودهم بادر عدد كبير من الركاب (حوالي 200 راكب) بخلع أبواب الحافلة ب ان بعضهم تسلح ببعض الوسائل (أسلحة بيضاء) والحجارة للضرب ولتكسير بلور الحافلة وبث الرعب في نفوسنا بشتى الطرق». ومثل ردود الافعال هذه تعطي صورة مغلوطة عن المراقب انطبعت في أذهان بعض التونسيين وتتكرر بطريقة أخرى. فالمراقب يُرمى بنعوت سخيفة ويتندّر به ويتم استفزازه فقد أطلق على البعض على المحطات الرئيسية لعربات المترو التي يجتمع فيها الكثير من المراقبين اسم «قاعدة السيلية» التي تمركز فيها الجنود الامريكيين! والتسمية وضعت قبل احتلال العراق! أحد المراقبين بحكم قدمه في هذه المهنة (حوالي 23 سنة) عاقب الكثير من المخالفين (المرسكيين) يطلق عليه البعض اسم «شارون». بالاضافة الى هذه التسميات والمصطلحات التي تحمل أكثر من دلالة، ويصف أحد المراقبين معاناته: «عندما نصعد الى الحافلة للقيام بواجبنا يستغل البعض كثافة الركاب فيحاول تعطيلك بأن لا يترك لك مجالا للمرور، البعض الآخر يفتعل خصومة معك إذ يعتقد انه بذلك ربح الوقت وينقذ صديقه «المرسكي» من العقوبة! ويضيف: «هناك راكب خشي أن أضبطه مرسكيا فرمى بنفسه من شباك الحافلة لكنه وجد نفسه أمام أحد أعوان الشرطة الذي اقتاده الى احد مراكز الأمن القريبة. ويشير المراقب هنا الى أن المراقبين محلفون ليست غايتهم إخافة الناس أو ترويعهم وإنما القيام بالواجب المهني. * استعطاف يتحوّل بعض الراكبين الى ممثلين بارعين يتقمصون أدوارا درامية لاثارة شفقة المراقب فمنهم من يذرف الدموع ثم يتظاهر بأنه أغمي عليه (وسط الحافلة). من الركاب المخالفين من بكى وحاول استثارة شفقة المراقب ليقول له مبررا سبب مخالفته أن المصنع الذي كنت أشتغل فيه أغلق لذلك فإنني لم أجد ثمنا لاقتطاع تذكرة. منهم من يؤكد ان صاحب العمل طرده من العمل والبعض الآخر يبرر فعلته قائلا: «الشهرية ما صبّوهاش» أو كأن يقول: «أنت تنال أجرتك» فماذا لو «طفّيت الضوء»؟! وفي ظل هذه التصرفات التي تجعل المراقب يفتقد الى الحماية الكافية التي تؤمن له عمله يعمد البعض الى الضرب والتكسير وإلحاق أضرار بدنية بالمراقب بل البعض الآخر يستنبط طرقا وحيلا شيطانية كأن يقوم بقص شعارات من احدى اليوميات ويقوم بتغليفها ليدعي للمراقب أنه عون أمن «لقد قبضنا على أحد هؤلاء لكن حاول أن يهرب من تتبعات مثل هذا التحيل فبادر بابتلاع ما استظهر به». * الافارقة أيضا إن الترسكية ظاهرة طالت الطلبة الاجانب الذين يدرسون ببلادنا. وقد أكد لنا أحد المراقبين أن بعض الطلبة الذين يأتون من بلدان افريقية مختلفة يزوّدون بعضهم البعض ببطاقات الاشتراك وحتى عندما يستظهر بها الطالب يصعب الاقرار بأن هذا الاشتراك لطالب آخر باختصار لأن الطلبة الافارقة يشبهون بعضهم من حيث الملامح. ومن بين ما يتندّر به من مواقف أن أحد الركاب الافارقة في عربة المترو ضُبط «مرسكي» ولما نزل مع المراقب في احدى المحطات لتعمير مخالفة طلب منه المراقب إعطاءه أوراق هويته أو بطاقة الطالب ليدون له مخالفة مالية فما كان من هذا الطالب إلا أن أجابه «prouvez-moi que jtais là bas» أي «إثبت لي أنني كنت موجودا بعربة المترو»! ظاهرة الترسكية لا تهم فئة معينة ولا تقتصر على شريحة دون أخرى بل تشمل بعض الموظفين وغيرهم ولأن الواجب يقتضي من شركة النقل توفير مزيد من الحماية والضمانات للمراقب والمسارعة بمزيد من تدعيم الشبكة بالمراقبين فإن الواجب يقتضي أيضا تجديد أسطول النقل (الحافلات الصفراء خاصة) وتوفير ضمانات أكبر للراكبين حتى يتنقلوا ويسافروا دون اكتظاظ ودون أية مضايقات.